هل تسعى فرنسا لمحاصرة الدور الجزائري في منطقة الساحل؟

02 يوليو 2020
يخشى ماكرون تراجع الدور الفرنسي في الساحل (فرانس برس)
+ الخط -

تتابع الجزائر التحرّكات الفرنسية في منطقة الساحل الأفريقي، وسعي باريس في الفترة الأخيرة لتركيز حضورها السياسي والعسكري فيها. وجاءت قمة نواكشوط التي جمعت فرنسا بدول الساحل الخمس، موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو، أول من أمس الثلاثاء، لتعيد التساؤلات حول الأهداف الحقيقية الفرنسية منها ومدى علاقة ذلك بتوجه جزائري نحو إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية في المنطقة ومناهضة الوجود الأجنبي، واسترجاع عامل المبادرة في الإقليم بين دول المنطقة في حد ذاتها.

وتضع قراءات سياسية في الجزائر إقدام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على عقد قمة لدول مجموعة الساحل في موريتانيا، في هذا الظرف الذي يتسم بقضايا أكثر أولوية كليبيا ومشاكل فرنسا الداخلية، ضمن سياقين بارزين. السياق الأول، خسارة باريس حظوظها في ليبيا بعد انقلاب المعادلة على الأرض لصالح حكومة الوفاق، وتصاعد رفض شعوب ومكونات عدة في دول الساحل لوجود فرنسا ربطاً بماضيها الاستعماري ومخلّفات نهب ثروات الشعوب. ويبدو أن كل ذلك دفع فرنسا إلى الإسراع من أجل تركيز موقعها وتجديد تحالفاتها في المنطقة مع الدول الخمس الشريكة معها في عملية عسكرية في المنطقة لمكافحة الإرهاب أطلقت عام 2017، تموّل عملياتها السعودية والإمارات بقيمة 130 مليون دولار. أما السياق الثاني فهو التطور اللافت للموقف الجزائري سياسياً وعملياً بشأن ملف مالي والساحل، ومحاولة باريس منع الجزائر، كأكثر الدول ثقلاً في المنطقة، من العودة إلى أداء دور محوري في منطقة الساحل، تزامناً مع إعلان مفوضية السلم والأمن التابعة للاتحاد الأفريقي بقيادة الجزائري إسماعيل شرقي، نشر قوة عسكرية في منطقة الساحل قبل نهاية العام الحالي.


مخاوف فرنسا تتزايد من فقدانها لمناطق نفوذها في الساحل الأفريقي

 

في السياق، يرى أستاذ الإعلام والعلوم السياسية في جامعة الجزائر توفيق بوقاعدة، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "مخاوف فرنسا تتزايد من فقدانها لمناطق نفوذها في الساحل الأفريقي، لذلك تكثف نشاطاتها على جميع المستويات السياسية، فضلاً عن العمليات العسكرية، من أجل تثبيت نفوذها في مواجهة نفوذ قوى عالمية، مثل الصين والولايات المتحدة، أو دول مجاورة تسعى لإبعاد فرنسا من المنطقة، وعدم توفير الظروف لاستمرار تعزيز نفوذها، مثل الجزائر". ويضيف أن هناك أكثر من مؤشر على وجود "قلق فرنسي من محاولات الجزائر والاتحاد الأفريقي لتثبيت أركان الدولة في مالي، ومدّها بمختلف الأسلحة لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تتحجج فرنسا بمحاربتها وتبرر وجودها. وأعتقد أن القمة الأخيرة تريدها فرنسا من أجل إعطاء تغطية إقليمية لنشاطها العسكري، بعدما بدأت مؤشرات تحرك الجزائر في إطار الاتحاد الأفريقي، وفي إطار العلاقات الثنائية لدول الساحل لتقويض هذا الوجود وتعرية مبرراته، وكذلك تصاعد رفض الرأي العام الساخط لدى هذه الدول من الوجود الفرنسي في المنطقة".

اللافت أن باريس حرصت قبل عقد قمة نواكشوط، على توفير كثافة إعلامية للأخبار الخاصة بتحركات المجموعات المسلحة وهجماتها على القوات الحكومية في مناطق وسط وشمال مالي والنيجر وفي تشاد وبوركينا فاسو، وقبل ذلك كانت عملية مقتل زعيم تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" عبد المالك دروكدال في 3 يونيو/ حزيران الماضي، شمالي مالي، غير بعيد عن الحدود الجزائرية، كمنجز يعزز جديتها في محاربة الإرهاب، وحيوية وفعالية وجود قواتها في المنطقة.

وفي هذا الإطار، يعتبر بوقاعدة أن فرنسا تسعى إلى توفير المبررات التي تتيح لها زيادة عدد قواتها الموجودة في مالي، والمقدّرة بنحو 4500 جندي، بدعوى محاربة الإرهاب، بينما عيونها في الواقع على اليورانيوم والذهب في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وترغب في أن تظهر أن وجودها مرتبط بإرادة هذه الدول وليس استعماراً. ويريد ماكرون من خلال هذه القمة أيضاً إشراك دول الساحل في تكاليف "محاربة الإرهاب"، خصوصاً بعد الانتقادات الفرنسية للكلفة الباهظة مادياً وبشرياً للوجود في الساحل ومالي تحديداً، وطبعاً يدرك الرئيس الفرنسي أن "دول الساحل لا تستطيع أن تدفع، لذلك يسهل على باريس مقايضتها بالمصالح والثروات".

وبغضّ النظر عن هذه الاعتبارات الاقتصادية والاستراتيجية المعروفة، فإن الوجود الفرنسي في شمال مالي، القريبة جداً من الحدود الجزائرية، يبقى هاجساً مقلقاً للجزائر وأمنها القومي، بفعل وجود قوة أجنبية في منطقة متاخمة، بما قد يُعدّ هذا الوجود في حد ذاته عامل جلب للمجموعات المسلحة التي تجد فيه مبرراً لنشاطها، ما قد يؤدي لمزيد من النزوح إلى الشمال.

وبالعودة إلى التفاعل الفرنسي مع الأحداث والتطورات السياسية في الجزائر خلال الفترة الماضية، فقد أبدت شخصيات رسمية ونخبوية في فرنسا قلقها من توجهات السلطة السياسية الجديدة في الجزائر، تحديداً بعد تخصيص الرئيس عبد المجيد تبون أول اجتماع لمجلس الأمن القومي بعد أسبوع واحد من انتخابه في ديسمبر/ كانون الأول الماضي للوضع في مالي وليبيا، ثم تحرّك الجزائر في هذين البلدين، ومنحها 53 عربة عسكرية لصالح الجيش المالي. وتلت ذلك زيارة وفد وزاري ضمّ أربعة وزراء برئاسة وزير الخارجية صبري بوقادوم إلى موريتانيا قبل أسبوعين، لذلك يُمكن فهم مبررات هذا القلق الفرنسي، وإدراك مغزى الخطوات التي تتخذها فرنسا استباقاً لمنع عودة الجزائر إلى أداء دور محوري في المنطقة.


تعتبر باريس أن الجزائر هي التي تدفع بشرقي إلى طرح وتبنّي تنفيذ خطة لنشر قوات أفريقية في منطقة الساحل
 

وتعتبر باريس أن الجزائر هي التي تدفع بالدبلوماسي الجزائري إسماعيل شرقي، الذي يشغل منصب مفوض السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي، إلى طرح وتبنّي تنفيذ خطة لنشر قوات أفريقية في منطقة الساحل لمكافحة الإرهاب وإحلال السلم والاستقرار في المنطقة باسم الاتحاد، كبديل تدريجي للقوات الفرنسية. وهو ما ظهر في إعلان مفوض شرقي، قبل أيام، أن الاتحاد الأفريقي سينشر ثلاثة آلاف جندي من القوات الأفريقية في منطقة الساحل، على أن يتم لدى استكمال الترتيبات التحضيرية الضرورية قبل نهاية العام الحالي، بناءً على طلب دول المنطقة، ووفقاً لقرار اتُخذ في اجتماع رؤساء الدول والحكومات في فبراير/ شباط الماضي. وفُهم من تصريحات مفوض السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي، التي قال فيها إن "الشعوب الأفريقية لم تعد مطمئنة للعسكرة المتزايدة والتسليح والعسكرة المفرطة للمنطقة"، وأن "الحلول النهائية لمشاكل وتحديات دول الساحل وغيرها من المناطق الأفريقية لن تأتي من الخارج"، وأنها تعبير عن طروحات جزائرية تستهدف الوجود الفرنسي في المنطقة.

من جهته، يبدي الباحث المتخصص في شؤون منطقة الساحل وشمال أفريقيا، مولود ولد الصديق، اعتقاده بأن "اجتماع نواكشوط بمثابة إرادة فرنسية لمنع عودة الجزائر، تحديداً بعد استقرار النظام إثر انتخاب الرئيس، وذلك لأن خطوات الدعم الأخيرة التي اتخذتها الجزائر لصالح الجيش المالي، من دون تنسيق مع الجانب الفرنسي، تشي بتوجه مستقل جزائري لملء الفراغ بسبب التهديدات. وهذه القمة هي جزء من عمليات الاستباق تسعى إليها فرنسا لضمان بقاء حضورها العسكري التاريخي والثقافي، وهي رسالة لدول أخرى أيضاً، بما في ذلك تركيا التي أصبحت تحظى بموطئ قدم في الجنوب الأوروبي".

ويتوقع ولد الصديق اندلاع سباق بين الجزائر وباريس في الساحل، مع تحسس فرنسا لتوجه الجزائر نحو التركيز على معالجة إقليمية لمشاكل المنطقة. ويؤكد أن "الجزائر اليوم على دراية كافية بكتلة المخاطر الأمنية التي تطوق حدودها الجنوبية، ومختلف أشكال التهديدات الخشنة والناعمة مصدرها بعض دول الساحل، لذلك، وبغضّ النظر على منافسة فرنسا، سعت الجزائر إلى اعتماد مقاربات عدة في السنوات الثماني الماضية، خصوصاً المقاربات التنموية وتكثيف التبادل التجاري وتقديم المساعدات، بالإضافة إلى اعتمادها مقاربة أمنية تتمثل في التنسيق بين قيادة أركان جيوش دول الساحل الخمس". ويضيف أن "الجزائر تحاول أن تعود ولو بشكل بطيء لوعيها بثقلها من جهة ولعدم التفريط في دورها المحوري الذي يمكن أن تؤديه من جهة أخرى". ويرى أنه "إذا توافرت الإرادة السياسية والاستقرار الداخلي الأكيد، فإن الجزائر ستحظى بتشكيل درع ساحلي أفريقي موحّد يجابه القوى التقليدية، خصوصاً بعد بحث تعديل المادة 95 في الدستور المقترح، التي تتيح إرسال وحدات من الجيش تحت مظلات أممية أو أفريقية لتأمين مصالحها". مع العلم أن فرنسا تقرأ في هذا التعديل، وفي تصريحات تبون بضرورة تغيير العقيدة الدفاعية للجيش، بأنه موجّه أساساً للتمهيد لدخول الجزائر منطقة شمال مالي والساحل.

المساهمون