هل تحلّ التكنولوجيا مشاكل النوم والقيادة؟

29 مارس 2016
سبب لحوادث السير (Getty)
+ الخط -
كثيرة هي مسببات حوادث السير اليومية، وأحدها فقدان التركيز أثناء القيادة بسبب النعس يليه النوم أثناء القيادة. النوم هنا يعني غفوة لا تتجاوز بضع ثوان، بيد أنّها كافية لخلق حادث سير كبير يفقد فيه السائق مع من يصطدم به حياتهم. لكن ما هي الأسباب التي قد تجعل أحدهم ينام أثناء القيادة وما نتائج الموضوع؟ بحسب دراسة بريطانية حديثة، النوم هو عملية فيزيولوجية معقدة يمرّ الإنسان خلالها يومياً لاستعادة نشاط الجسد والذهن لتأمين اليقظة خلال النهار والتركيز. وعلى الرغم من حصولها يومياً، إلا أن العملية تتطلّب اهتماماً ومتابعة كبيرين، كونها مهمّة جداً لنشاطات الإنسان اليومية، ما يعني أنّ أي مشكلة في النوم قد تنعكس سلباً على صحة الإنسان وتطاول كثيرًا من أموره الحياتية.

وقد أثبتت أحدث الأبحاث العلمية التجريبية أنّ نظام النوم غير الطبيعي الناتج عن نقص عدد ساعات النوم يؤدي لما يسمى باضطرابات زيادة النعاس، والتي تؤدي لنقص في التركيز وبطء في ردات الفعل للحوادث والعوارض المفاجئة. ولعل أبرز مضاعفات اضطرابات النوم وردات الفعل البطيئة، زيادة في حوادث السيارات الناجم عن نوم السائقين وشرودهم أثناء القيادة. ومن أسباب زيادة النعس والتي تؤدي لنوم السائق خلف عجلة القيادة، عدم الحصول على ساعات نوم كافية أثناء الليل بسبب نمط الحياة المرتبط بظروف عمله، بسبب الإفراط بإستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها. وبحسب الدراسة، فإن حوادث السير المرتبطة بعدم التركيز أثناء القيادة ترتفع سنوياً في فترة إعادة ضبط الساعة في التوقيت الصيفي وذلك بسبب فقدان الإنسان لساعة نوم.

إذاً، كمية النوم اليومية مهمة جداً في الحفاظ على تركيز الإنسان وتجنيبه فقدان تركيزه خلال قيامه بمواجباته اليومية. هذا ويعاني كثيرون من قلة النوم وذلك بسبب دوامات العمل الطويلة وأنظمة العيش السريعة في المدن. ولإيجاد حلّ لمخاطر قلة النوم، سعت شركات عديدة، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، لربط تعابير وجه الإنسان بمقدار النعس لديه، تماماً كما تدلّ رائحة الفم عن مقدار نسبة الكحول داخل جسم الإنسان. وللقيام بذلك، وضعت هذه الشركات تكنولوجيا مستشعرات تتبع الوجه، والتي يمكن أن تكشف مدى تركيز السائق ووعيه من خلال فحص دقيق وكامل لعينيه، حركة البؤبؤ، ودرجة انحناء رقبته وترنّحها أثناء القيادة.

وفي التفاصيل، توضع كاميرا داخل السيارة لتراقب تعابير الوجه، لتقارن المعلومات بقاعدة بيانات من التعبيرات. ويُحدد بعد تحليل البيانات ما إذا كان السائق الذي يشعر بالنعاس، يفقد تدريجياً تركيزه أو مرتبكاً. في حال كشفت التحليلات أياً من تلك النتائج الثلاثة، تنبّه السيارة سائقها لضرورة توخّي الحذر وأهمية التوقّف عن القيادة عبر أخذ سيارة أجرة أو تأجيل القيادة لحين نيله قسطاً من الراحة.

اقرأ أيضاً: (بالأرقام) لماذا يستخدم العرب مواقع التواصل الاجتماعي؟

وطوّرت جامعة MIT في ولاية ماساتشوستس الأميركية مستشعرات للتعرف على العاطفة والانفعالات من خلال شكل الوجه والتي تهدف للكشف عن اللحظات الأولى لبدء ظهور علامات النعس والتعب. اذاً، الفكرة هي التعرّف على علامات النعاس لتحذير الناس وتجنيبهم الحوادث. وقال Gabi Zijderveld، نائب رئيس معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "عندما يشعر شخص بالنعاس أثناء قيادته، فقد فات الأوان لتحذيره. الجزء المثير للاهتمام حقاً من برنامجنا هو "التحليلات التنبؤية". فماذا لو كان بإمكان برنامج رؤية الاتجاهات والانفعالات في وجه شخص ما قبل تقريباً خمس دقائق من أن يُصاب بالنعاس؟ ألن يساعد ذلك الملايين ويجنبهم خواطر القيادة أثناء تعبهم وعدم تركيزهم"؟

البرنامج والذي أطلق عليه اسم Affectiva، يمكنه التعرف على سبعة مشاعر المختلفة و15 تعبيراً للوجه. وقال Zijderveld إن معايير البرنامج وُضعت بالاستناد إلى قاعدة بيانات من 4 ملايين وجه من 75 بلداً. وعند إضافة البرنامج للسيارة، يمكن بسهولة تنسيق بيانات التعرف على الوجه مع التذكير اللفظي، والذي سيقترح على السائق التوقّف لاحتساء القهوة مثلاً أو التوجه للمنزل لأخذ قيلولة سريعة أو ما يسمى بقيلولة الطاقة. إلى جانب التذكير اللفظي، توجد في البرنامج تنبيهات أخرى، كالتغيير في نوعية الموسيقى وصولاً لدرجة الحرارة.

ومن الشركات التي تعمل أيضاً على تقنيات مستشعرات الوجه، شركة Eyeris، والتي تطور برنامجها الخاص بالكشف عن "انفتاح العين"، بالإضافة إلى مؤشرات الوجه الأخرى. ويُمكن للبرنامج أيضاً قراءة انحناء الرأس، مما قد يشير لبدء دخول الشخص في مرحلة النعس أو الإرهاق. لكن ما مدى دقة واستجابة أجهزة استشعار حركة الوجه في قراءة بيانات الوجه وصحة تحليلها؟ فقد شهدت هواتف "سامسونغ" منذ سنتين إدخال ميزة استشعار الوجه لفتح قفل الجهاز والذي لم يعمل بطريقة مثالية لا سيما في الأماكن ذات الإضاءة الخافتة أو عند محاولة المستخدم فتح جهازه الذكي مساءً.

تساؤلات عديدة تُطرح هنا، مثلاً جودة عمل مستشعرات برامج تفادي نوم السائقين في الليل.
كيف سيمكنها قراءة انعكاس الرقبة وانفتاح البؤبؤ دون وجود إضاءة كافية في السيارة؟ هل سيضيء الجهاز كلّ فترة لأخذ بيانات السائق؟ وهل ستؤثر تلك الإضاءة على تركيز السائق على الطريق؟ وكيف ستستطيع تلك الأجهزة معرفة درجة التعب عند النساء اللواتي يضعن مساحيق التبرج تحت أعينهن؟ أسئلة كثيرة دون إجابات حتى الآن كون كل تلك البرامج ما زالت في أولى مراحل الاختبارات الفردية، أو الجماعية المقتصرة فقط على المجموعات التي تعمل على تطويرها.

ومن جملة المخاوف أيضاً، خصوصية الصور والمقاطع التي تأخذها الكاميرا الموجودة في السيارة كونها تُرسلها إلى صلب البرنامج لدراسة الأنماط للمساعدة في تحسين البرنامج بكامله. وحيال ذلك، فإن البيانات المتوفرة من التسجيلات من المفترض أن تبقى داخل ذاكرة برنامج السيارة، وتُرسل فقط لتحسين الأنماط من دون حفظها أو إمكانية سحبها.

وقد أظهر استفتاء أجري في بريطانيا العام الفائت، أنّ 11 بالمئة من السائقين اعترفوا فيه بنومهم مرة واحدة على الأقل سنوياً خلال القيادة. وأظهرت دراسة أخرى أجرتها اللجنة الوطنية لاضطرابات النوم في الولايات المتحدة أن النعاس خلال القيادة كان أحد المسببات الرئيسية لحوالي 36 بالمئة من الحوادث المميتة في مختلف الولايات. وأظهر الاستفتاء أنّ النعاس والنوم وصل لأعلى نسب عند السائقين الشباب الذين تراوحت أعمارهم بين 18 و29 سنة، خصوصاً أنّ هذه الفئة العمرية عادة ما يكون التزامها بالأنظمة المرورية ضعيفاً مما يزيد الأمر سوءاً. ورغم حملات التوعية لمخاطر القيادة أثناء النعس والأرق، يبقى كثيرون دون دراية انّهم فعلياً يقودون وهم منهكون وعلى وشك النوم لثوانٍ على الطرقات العامة. وحدها الأيام كفيلة في إظهار مدى فعالية أجهزة وبرامج استشعار انفعالات الوجه في الحدّ من حوادث السير وبالتالي إنقاذ حياة مئات الآلاف من السائقين سنوياً حول العالم.


اقرأ أيضاً: 7 منتجات تكنولوجية لليلة نوم هادئة
المساهمون