هل تحقق "الوفاق" الليبية عبر المحكمة الجنائية الدولية ما عجزت عنه سياسياً؟

20 يوليو 2020
إحدى المقابر الجماعية المكتشفة مؤخراً في ترهونة (Getty)
+ الخط -
يستعد وفد من المحكمة الجنائية الدولية لزيارة المقابر الجماعية بمدينة ترهونة، جنوب شرق طرابلس، اليوم الاثنين، بعدما التقى الوفد رئيس مكتب النائب العام، الصديق الصور، لبحث ملف الألغام والمقابر الجماعية التي عثر عليها في المدينة، في الوقت الذي تستعد فيه حكومة الوفاق إلى تكثيف تحركاتها الرسمية في دوائر القضاء الدولي ضد حفتر وقادة مليشياته.
وبحسب وسائل إعلام ليبية، فإن الوفد اطلع على ملفات المقابر الجماعية والألغام التي زرعتها مليشيات حفتر والمرتزقة الروس، وطالب الوفد مكتب النائب العام بلائحة اتهام للأشخاص المتورطين في هذه الأفعال.
ومنذ 20 يونيو/حزيران الماضي، أعلنت المحكمة عن عزمها البدء في إجراء تحقيقات واسعة بشأن العثور على مقابر جماعية في ترهونة، مشيرة، في تصريحات على لسان المدعية العامة فاتوا بنسودا، إلى أنها تلقت معلومات موثوقة بوجود 11 مقبرة جماعية في المدينة ومحيطها، ما قد يشكل دليلا على ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.
وفيما يستعد مكتب النائب العام لإعداد اللائحة المطلوبة، أكدت مصادر ليبية رفيعة من طرابلس أن القائمة تضم على رأسها اسم الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، إضافة لضباط بارزين من قادة مليشياته، كاللواء فوزي المنصوري، والرائد حسن الزادمة، بالإضافة لقادة من اللواء التاسع بترهونة التابع لحفتر.
مصادر ليبية رفيعة من طرابلس أن القائمة تضم على رأسها اسم الجنرال المتقاعد خليفة حفتر حفتر
في الأثناء، تستعد حكومة الوفاق للانضمام إلى معاهدات دولية لم تكن قد صادقت عليها ليبيا في السابق. وبحسب المصادر ذاتها، فإن وزارة خارجية الحكومة ستصادق على نظام روما الأساسي المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية واتفاق أوتاوا لحظر الألغام، واتفاق آخر بشأن عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية بحكومة الوفاق محمد القبلاوي قد أفاد، في تصريحات صحافية الأسبوع قبل الماضي، عن توجيه المجلس الرئاسي أوامره للوزارة بالبدء في إجراءات انضمام ليبيا لعدد من الاتفاقيات الدولية.
وبحسب بيان للهيئة العامة للبحث و التعرف على المفقودين التابعة لحكومة الوفاق، السبت الماضي، فإن عدد الجثث التي تم انتشالها من مقابر جماعية في ترهونة وصل إلى 226 جثة وعدد من الرفات والأشلاء.
وكما أعلنت وزارة الخارجية، الجمعة الماضي، أنها قدمت، عبر بعثة ليبيا الدائمة بالأمم المتحدة، طلباً رسمياً لرئاسة مجلس الأمن لعقد جلسة استماع هذا الشهر للجنة العقوبات وفريق الخبراء الخاص بليبيا، مشيرة إلى أن هذا الطلب يأتي في إطار مساعي الوزارة لــ"كشف الدول التي ساهمت وما زالت تساهم في دعم المليشيات والمرتزقة والانقلابيين في محاولات يائسة لعسكرة الدولة والسيطرة على مقدرات البلاد".
ورغم توجه المجلس الرئاسي لتضييق الخناق حول حفتر وداعميه لدى الأمم المتحدة ومنظماتها العدلية والقضائية، إلا أن المصادر ذاتها أشارت إلى عجز تعانيه حكومة الوفاق في بناء كوادرها واللجان المختصة في هذا الجانب، بسبب الخلافات القائمة حول التعديل الوزاري المرتقب، حيث يطاول التعديل الجديد حقيبة الخارجية، وسط رفض للتعديل من قبل شخصيات قيادية هامة من الحكومة، على رأسها وزير الداخلية فتحي باشاغا، لكنها تؤكد في ذات الوقت أن زيارة وفد المحكمة اليوم لمعاينة المقابر في ترهونة سيكون لها أثرها على الصعيد السياسي في البلاد.
وهو أيضا ما يشير إليه الخبير القانوني الليبي هاني فكرون، إذ لا يرى أن مسارات القضاء الدولي، سواء عبر محكمة الجنايات الدولية أو غيرها، ستأتي بنتائج قريبة، مستشهدا بنتائج التحقيق في مقابر جماعية عثر عليها في مناطق نزاع أخرى حول العالم، منها البوسنة، التي لم ينته التحقيق الدولي بشأنها حتى الآن.
أعلنت المحكمة الجنائية الدولية عن عزمها البدء في إجراء تحقيقات واسعة بشأن العثور على مقابر جماعية في ترهونة
وبينما يشير فكرون، في حديثه لــ"العربي الجديد"، إلى أن "الوفاق" تعول على مكاسب سياسية من خلال أي بيان أو تصريح من قبل مسؤولي المحكمة، فإنه يلفت إلى أن ذهاب الحكومة للتوقيع على الاتفاقات الدولية، التي لم تكن ليبيا عضوا فيها، هدفه تمكين شرعية الحكومة دوليا. وحول عمل المنظمات الدولية في ليبيا، رغم أنها ليست عضوا فيها، يقول إنه كان "بحكم وجود ليبيا تحت البند السابع الذي يخول الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تنفيذ قوانينه واتفاقاته بشرعية هذا البند من دون الحاجة لموافقة داخلية من ليبيا، خصوصا أنها تعيش حالة انقسام سياسي وعسكري".
لكن دخول القضاء الدولي على خط الأزمة في ليبيا مؤشر له دلالات أخرى، وسيكون مدعوما من أطراف كبرى، بحسب المحلل السياسي مروان ذويب، الذي يرى أن "ملف المقابر الجماعية الذي فتح الآن سيطاول بكل تأكيد جماعة (فاغنر) في ليبيا، التي ثبت تورطها في مزارع الألغام جنوب طرابلس وسرت"، مشيرا إلى أن بيانات السفارة الأميركية في ليبيا أكدت ذلك أكثر من مرة.
واعتبر ذويب، في حديثه لــ"العربي الجديد"، أن "مستشاري حكومة الوفاق ذهبوا في خطوة هامة بإثارة ملف جرائم الحرب في الوقت الذي تعيش فيه البلاد انسدادا سياسيا"، مبينا أن "الملف لا يستهدف حفتر فقط وإقصاءه نهائيا من المشهد المقبل، بقدر ما يستهدف أيضا الضغط على داعميه وإمكانية إحداث اختراق في مواقفهم المتصلبة".
وكانت البعثة الأممية قد اتهمت، في السابع من الشهر الجاري، بشكل صريح، مليشيات حفتر بانتهاكها للقانون الدولي عبر زراعة مئات الألغام في محيط طرابلس وسرت، ما يراه ذويب تغيرا في موقف الأمم المتحدة من حفتر، التي لم تعد تصف قواته بــ"الجيش".
المساهمون