لم يفاجئني اتهام المطربة السورية أصالة نصري بتعاطي مخدر الكوكايين، ليس عندي ما يثبت التهمة أو ينفيها، لكن علاقتي بالوسط الفني على مدار أكثر من 15 عاماً، تجعلني لا أنفي التهمة عنها بالمطلق، خصوصاً أنني عرفت أصالة خلال عملي، وتابعت عن كثب كثير من مشكلاتها الشخصية والفنية التي كان بعضها مثار جدل طويل.
لكنني ما زلت أحاول البحث عن أسباب منطقية لعدة أمور غامضة، في الواقعة الأخيرة التي تعرضت لها أصالة، في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، فبعضها عبثي إلى درجة أنه لا يمكن تقبلها.
لن أطيل في جدلية السياسة الرائجة حول ضبط أصالة، وإن كانت تستحق، فأصالة مطربة سورية مقيمة منذ سنوات في مصر، ومتزوجة من المنتج والمخرج الفلسطيني طارق العريان، وكانت ضد نظام بشار الأسد منذ انطلاق الثورة في 2011، ورغم أن النظام في مصر ليس ضد نظام بشار، إلا أنه لم يتعرض لها مطلقاً.
يردد بعض أصدقائنا في لبنان أن قوات التأمين في مطار بيروت خاضعة بشكل ما لسيطرة حزب الله، لكن حزب الله فصيل حكومي وليس تنظيماً مارقاً في لبنان، كما هو تصنيفه في بعض الدول العربية. يدعم حزب الله نظام بشار سياسيا وعسكريا، وبالتالي فإنه ضمن المعسكر الذي تعاديه أصالة.
وهل يمكن اعتبار هذا السياق مؤشراً على إمكانية تلفيق تهمة حيازة مخدرات لفنانة بحجم أصالة؟ ربما يكون هذا مقبولاً، وهو ما اعتمده من يمكن تسميتهم "أولتراس أصالة" لنفي التهمة عنها، بالإضافة إلى الشك في قدرة الأجهزة الأمنية في أي مطار على ضبط علبة صغيرة تضم غرامين من الكوكايين ضمن حقيبة مساحيق تجميل خاصة بفنانة شهيرة.
بداية، تتعامل أجهزة المطارات مع النجوم بشكل مختلف عن طريقة تعاملها مع المسافرين العاديين، كما أن تدقيق حقائبهم يكون أبسط كثيراً عن غيرهم، في هذه الحالة ينبغي أن يكون هناك بلاغ أو معلومة مسبقة أن أصالة تحمل معها مخدرات للتدقيق في حقائبها بهذا الشكل، أو أن تكون النظرية الخاصة "بدسّ المخدرات في الحقيبة" صحيحة.
في المجمل، عرف العالم كثيراً من النجوم المدمنين على الخمور والمخدرات، وبعضهم قتله الإدمان أو دمر مسيرته الفنية وحياته، لكن معظمهم حافظ على التوازن بين العمل والإدمان.
بعض المشاهير يعرف عنهم تعاطي المخدرات خلال انهماكهم في أعمال جديدة، ويقول بعضهم إنها تمنحه الصفاء والتركيز وتزيد من قدرته على الإبداع. شائع أن مطرباً سورياً كبيراً مدمن على الكحول وأنه يتعاطى أنواعاً مختلفة من المخدرات، ومعروف عن مطرب مصري آخر، أنه لا يعتلي المسرح للغناء إلا بعد تدخين الحشيش، عدا عن عدد من الفنانين العرب، الذين ضُبطوا تحت تأثير الخمر أو ضبط مخدرات بحوزتهم مرات عدة، بل إن بعض الفنانين المشاهير سجنوا لفترات بتهم تتعلق بحيازة مخدرات. الراحلان سعيد صالح ومجدي وهبة والممثلة الشابة دينا الشربيني كأمثلة.
لا يمكن فصل واقعة أصالة الجديدة عن كثير من الوقائع السابقة، خصوصاً أن أصالة كما يعرفها كثيرون، شخصية متوترة وعصبية، لكن هذا أيضاً أمر طبيعي بالنسبة لأمثالها من النجوم الذين يعيشون حياة صعبة، في ظل انتهاك متواصل لكل تفاصيل حياتهم الشخصية.
وحالة أصالة النفسية متفاقمة، على غرار غيرها من أبناء الفنانين الذين سلطت عليهم الأضواء في مراحل مبكرة من حياتهم، والذين شهدت حياتهم منعطفات كبيرة، شخصياً وفنياً، ويمكن دائماً مقارنتها بحالات شريهان أو منة شلبي أو أنغام كأمثلة.
من تابع سيرة أصالة يعرف منحدرات كبيرة شهدتها حياتها، فهي ابنة الفنان السوري مصطفى نصري، وولدت بعيب خلقي يؤثر في حركتها ويظهر خلال سيرها. بدأت أصالة الغناء في مرحلة مبكرة من طفولتها، وأصبحت نجمة سريعاً بسبب صوتها القوي المميز، ورعاية والدها لها، لكنه مات عندما كانت في السابعة عشرة من عمرها، وعندها توقفت لعدة سنوات عن الغناء تحت تأثير الحزن الشديد، ثم عادت للغناء بدعم من زوجها الأول أيمن الذهبي، الذي تزوجته قبل أن تكمل الثانية والعشرين من عمرها، وظلا معاً نحو 15 سنة متصلة، وأنجبت منه ابنتها شام وابنها خالد.
كانت مرحلة انفصالها عن الذهبي فارقة في مسيرتها، خاصة أن الطلاق لم يتم بهدوء، وعملت وسائل الإعلام طويلا على كشف تفاصيله الصغيرة والكبيرة، ثم تبع الطلاق زواج سريع بعد نحو عام واحد، من زوجها الحالي طارق العريان، والذي أنجبت منه توأماً هما آدم وعلي في 2011.
ولا يمكن أن نتجاهل في السياق الشخصي المشكلات التي أثارها شقيقها أيهم، والتي اعتبرها كثيرون فضائح شخصية كشفها عن شقيقته، وكذا محاولات استخدام شقيقتها الصغرى أماني للإضرار بها.
في ظل كل تلك المشكلات الشخصية والتقلبات العائلية، حافظت أصالة على مسيرة فنية شبه ثابتة، وقدمت ألبومات غنائية بشكل دوري، وحققت ألبوماتها نجاحات كبيرة، لكن ذلك لا يعني أن مشكلاتها الشخصية ليست ذات تأثير على استقرارها النفسي، بل على حياتها بالكلية. ربما كان كل ذلك مبرراً كافياً لتعاطي الكوكايين، إن كانت التهمة حقيقية.