يبدو الإسلاميون في المغرب منغمسين في الدعوة والسياسة أكثر من اهتمامهم بشؤون الأدب والفن، لأسباب كثيرة منها ما هو إيديولوجي وإعلامي وسياسي، أو ربمّا لأن "واقع الدين يُجهض خيال الأدب والإبداع"، وربمّا أيضًا بسبب سيطرة "خصوم الإسلاميين" على منابر الإعلام والثقافة.
ويرى آخرون، بالمقابل، أنه لا توجد دراساتٌ أكاديمية موثوقة، ولا إحصائيات وأرقام ثابتة، تثبت واقع ابتعاد الإسلاميين عن الأدب، بمختلف أجناسه وأشكاله وتعبيراته، فيما استطاعت أسماء في المغرب فرض نفسها في ما يسمى بالأدب الإسلامي، بالرغم من "ضآلة فرص الظهور والانتشار".
احتكار "اللا دينيين" للأدب؟
"لا تمييزَ في الأدب بين إسلامي وغير إسلامي"، هكذا جزم بدايةً الدكتور، عبد العالي مجدوب، الأستاذ الجامعي في كلية الآداب في مراكش، والقيادي السابق في جماعة العدل والإحسان الإسلامية في المغرب، باعتبار أن الأدب، بما هو، فن وإبداع، وقبل هذا وذاك، بما هو، موهبة مركوزة في السليقة والطبع". ويضيف شارحًا لـ"ملحق الثقافة" أن "التمييز لم يكن موجودًا في الفكر النقدي الأدبي القديم، وإنما شاع في العصر الحديث، حينما ظهر في الواقع، وتفاقم الصراع بين الإسلاميين وبين خصومهم من الملحدين واللائكيين (العلمانيين)، وغيرهم من فصائل اللادينيين"، وفق تعبيره.
ولفت إلى أنه في العصر الحديث سيطر خصومُ الإسلاميين، وخاصة في وجههم اليساري، على منابر الفكر والثقافة والفن، وصاروا "في معظم بلادنا العربية الإسلامية يحتكرون الحديثَ باسم الفن والإبداع والحداثة وغيرها من الشعارات، ويفرضون أنفسهم حماةً لحرية التعبير بكل أصنافها، ومنها حرية الفن والإبداع".
اقرأ أيضاً: المفكر هشام جعيط: الحركات الإسلامية الراهنة تنظيمات إيديولوجية
وأردف مؤلف كتاب "فصول في موسيقى الشعر"، بأن "هؤلاء اللا دينيين، بحسب تعبيره، يرمون خصومهم الإسلاميين بأنهم أعداء الفن والإبداع، وبغير ذلك من التهم، التي اختلط فيها السياسي بالفني، وبات يصعب على الناقد الموضوعي الجاد أن يحكم بحكمٍ من غير أن يميل مع هؤلاء أو هؤلاء".
وتطرق إلى راهن الإعلام اليوم، قائلًا إنه أداة ضرورية وفعالة للدعاية والنشر والتبليغ، مبرزًا أن المقصود هو الإعلام الجماهيري الذي يصل إلى الملايين من البشر، وليس الحزبي الذي لا يتعدى دائرة مناضليه، وأنه بات هواه مع اللادينيين عمومًا، ومن ثمّ فهو إعلام متحيز، يهتم كثيرًا بالأدب الحداثي اللا ديني، ويسكت مطلقًا عن الأدب الإسلامي"، مركزًا على "سيطرة (اللا دينيين) على معظم منابر الأدب والنقد، كمراكز الأبحاث في الجامعات، واتحادات الكتاب، والهيئات والجمعيات والتنظيمات التي تهتم بأنشطة الفنانين من الشعراء والروائيين والقصاصين والسينمائيين والنقاد، وغيرهم من أهل الإبداع والنقد". وسيطرتهم كذلك على الإعلام في ظلّ أنظمة استبدادية فاسدة، وفي ظل مناخ، محلي وإقليمي ودولي، تطبعه الحربُ الشرسة على الإرهاب عمومًا. وربط ذلك بالإسلام، قائلًا: "بما أن المرجعية الإسلامية هي المستهدف الأول من هذه الحرب، فهذا ما أدّى إلى أن يسود بين الناس، ومنهم متعلمون مثقفون وباحثون أكاديميون، فهمٌ مغلوط ومعلوماتٌ يسودها التخليط والرجم بالغيب، في شأن علاقة الإسلاميين بالأدب والفن".
اقرأ أيضاً: محمد الحداد: الإسلام قابل للتلاؤم مع الديمقراطية
مثّل المجدوب لكلامه بـ"رابطة الأدب الإسلامي" العالمية، ومجلتها الفصلية "الأدب الإسلامي"، وأنشطتها في مختلف مجالات الإبداع، شعرًا ورواية وقصة ومسرحًا ودراسات نقدية، في منشوراتها ذات اللغات المتعددة ومنها العربية، ما يدل على حقيقة النشاط الإسلامي الأدبي الإبداعي في العالم الإسلامي عمومًا، وفي العالم العربي خصوصًا، وفي المغرب حيث يوجد للرابطة فرع إقليمي، أصدر مجلة "المشكاة" الأدبية.
الأدب لا يقبل خدمة العقيدة
لكن، أينفر الإسلاميون في المغرب من الأدب ولا يتعاطونه كتابة وتأليفًا؟ سؤال أجاب عنه صلاح بوسريف، الشاعر المغربي المعروف والمهتم بشؤون المعرفة: " يعود بي هذا السؤال العريض إلى ما قيل عن شعر حسان بن ثابت، الذي كرّس شعره للدين". وأضاف: "عندما دخل شعر بن ثابت غمار الدين ضعفَ ولانَ، ما يعني، وهذا ما أدركه النقاد القدامى بشكل جيد، أن الشعر، والإبداع عمومًا، ينتهي ويموت حين يصبح خادمًا لغيره من الانتماءات، عقائدية كانت أم إيمانية".
وعزا "ضحالة" اﻷدب المرتبط بالدين أو بالسياسة، إلى أن "الكاتب يجهض الخيال، في مقابل الفكر الذي يحتكم إليه في رؤية اﻷشياء، وبقدر ما يكون الدين واقعًا أو غيبًا يحكم الواقع ويضبطه، بقدر ما ينتفي الخيال وينتفي الإبداع، وتنتفي الذات الشاعرة أو الكاتبة وتغيب، لتتحول الكتابة إلى صدى للدين والعقيدة، أو السياسة".
وسجل بوسريف " أن ما سمي بـ (اﻷدب الإسلامي)، حين يقرأ المتتبع ما كتب فيه، في المغرب، أو خارجه، سيكتشف أن الذين كتبوا هذا اﻷدب، إما كانوا في اﻷصل كتابًا وأخذهم الدين، فاستغرق فكرَهم وخيالَهم، فأصبحت كتاباتهم غير ذات قيمة، وإما أنهم تصوروا الكتابة بهذا المعنى هي توجه إلى الله، ولا مكان فيها للإنسان، إلا بصفته تابعًا، خاضعًا، أو مذنبًا يبحث عن الغفران". ولاحظ بوسريف أنه "لا يوجد في الثقافة العربية كاتب مهم، يدّعي أنه (إسلامي)، حظي باهتمام القراء، أو أجرى تغييرًا في بنيات الكتابة أو في مضامينها، ﻷن العقيدة مغلقة، ولها طريقها الذي يشبه سكة القطار، الاتجاه نفسه، المسافة نفسها، المشاهد نفسها التي نراها كلّما ركبنا القطار". وخلص إلى أن "اﻷدب هو تمرّد، وشكّ وانتقال دائم، وهذا ما يجعل منه في مواجهة مع الدين، وهو ما يعتبره البعض عداء، علمًا بأن اﻷمر هو تعبير مختلف، لا يقبل التبعية والتعميم، أو السير وراء اﻵخرين، كيفما كانوا"، يورد الشاعر اليساري المتخصص في شؤون المعرفة.
ويرى آخرون، بالمقابل، أنه لا توجد دراساتٌ أكاديمية موثوقة، ولا إحصائيات وأرقام ثابتة، تثبت واقع ابتعاد الإسلاميين عن الأدب، بمختلف أجناسه وأشكاله وتعبيراته، فيما استطاعت أسماء في المغرب فرض نفسها في ما يسمى بالأدب الإسلامي، بالرغم من "ضآلة فرص الظهور والانتشار".
احتكار "اللا دينيين" للأدب؟
"لا تمييزَ في الأدب بين إسلامي وغير إسلامي"، هكذا جزم بدايةً الدكتور، عبد العالي مجدوب، الأستاذ الجامعي في كلية الآداب في مراكش، والقيادي السابق في جماعة العدل والإحسان الإسلامية في المغرب، باعتبار أن الأدب، بما هو، فن وإبداع، وقبل هذا وذاك، بما هو، موهبة مركوزة في السليقة والطبع". ويضيف شارحًا لـ"ملحق الثقافة" أن "التمييز لم يكن موجودًا في الفكر النقدي الأدبي القديم، وإنما شاع في العصر الحديث، حينما ظهر في الواقع، وتفاقم الصراع بين الإسلاميين وبين خصومهم من الملحدين واللائكيين (العلمانيين)، وغيرهم من فصائل اللادينيين"، وفق تعبيره.
ولفت إلى أنه في العصر الحديث سيطر خصومُ الإسلاميين، وخاصة في وجههم اليساري، على منابر الفكر والثقافة والفن، وصاروا "في معظم بلادنا العربية الإسلامية يحتكرون الحديثَ باسم الفن والإبداع والحداثة وغيرها من الشعارات، ويفرضون أنفسهم حماةً لحرية التعبير بكل أصنافها، ومنها حرية الفن والإبداع".
اقرأ أيضاً: المفكر هشام جعيط: الحركات الإسلامية الراهنة تنظيمات إيديولوجية
وأردف مؤلف كتاب "فصول في موسيقى الشعر"، بأن "هؤلاء اللا دينيين، بحسب تعبيره، يرمون خصومهم الإسلاميين بأنهم أعداء الفن والإبداع، وبغير ذلك من التهم، التي اختلط فيها السياسي بالفني، وبات يصعب على الناقد الموضوعي الجاد أن يحكم بحكمٍ من غير أن يميل مع هؤلاء أو هؤلاء".
وتطرق إلى راهن الإعلام اليوم، قائلًا إنه أداة ضرورية وفعالة للدعاية والنشر والتبليغ، مبرزًا أن المقصود هو الإعلام الجماهيري الذي يصل إلى الملايين من البشر، وليس الحزبي الذي لا يتعدى دائرة مناضليه، وأنه بات هواه مع اللادينيين عمومًا، ومن ثمّ فهو إعلام متحيز، يهتم كثيرًا بالأدب الحداثي اللا ديني، ويسكت مطلقًا عن الأدب الإسلامي"، مركزًا على "سيطرة (اللا دينيين) على معظم منابر الأدب والنقد، كمراكز الأبحاث في الجامعات، واتحادات الكتاب، والهيئات والجمعيات والتنظيمات التي تهتم بأنشطة الفنانين من الشعراء والروائيين والقصاصين والسينمائيين والنقاد، وغيرهم من أهل الإبداع والنقد". وسيطرتهم كذلك على الإعلام في ظلّ أنظمة استبدادية فاسدة، وفي ظل مناخ، محلي وإقليمي ودولي، تطبعه الحربُ الشرسة على الإرهاب عمومًا. وربط ذلك بالإسلام، قائلًا: "بما أن المرجعية الإسلامية هي المستهدف الأول من هذه الحرب، فهذا ما أدّى إلى أن يسود بين الناس، ومنهم متعلمون مثقفون وباحثون أكاديميون، فهمٌ مغلوط ومعلوماتٌ يسودها التخليط والرجم بالغيب، في شأن علاقة الإسلاميين بالأدب والفن".
اقرأ أيضاً: محمد الحداد: الإسلام قابل للتلاؤم مع الديمقراطية
مثّل المجدوب لكلامه بـ"رابطة الأدب الإسلامي" العالمية، ومجلتها الفصلية "الأدب الإسلامي"، وأنشطتها في مختلف مجالات الإبداع، شعرًا ورواية وقصة ومسرحًا ودراسات نقدية، في منشوراتها ذات اللغات المتعددة ومنها العربية، ما يدل على حقيقة النشاط الإسلامي الأدبي الإبداعي في العالم الإسلامي عمومًا، وفي العالم العربي خصوصًا، وفي المغرب حيث يوجد للرابطة فرع إقليمي، أصدر مجلة "المشكاة" الأدبية.
الأدب لا يقبل خدمة العقيدة
لكن، أينفر الإسلاميون في المغرب من الأدب ولا يتعاطونه كتابة وتأليفًا؟ سؤال أجاب عنه صلاح بوسريف، الشاعر المغربي المعروف والمهتم بشؤون المعرفة: " يعود بي هذا السؤال العريض إلى ما قيل عن شعر حسان بن ثابت، الذي كرّس شعره للدين". وأضاف: "عندما دخل شعر بن ثابت غمار الدين ضعفَ ولانَ، ما يعني، وهذا ما أدركه النقاد القدامى بشكل جيد، أن الشعر، والإبداع عمومًا، ينتهي ويموت حين يصبح خادمًا لغيره من الانتماءات، عقائدية كانت أم إيمانية".
وعزا "ضحالة" اﻷدب المرتبط بالدين أو بالسياسة، إلى أن "الكاتب يجهض الخيال، في مقابل الفكر الذي يحتكم إليه في رؤية اﻷشياء، وبقدر ما يكون الدين واقعًا أو غيبًا يحكم الواقع ويضبطه، بقدر ما ينتفي الخيال وينتفي الإبداع، وتنتفي الذات الشاعرة أو الكاتبة وتغيب، لتتحول الكتابة إلى صدى للدين والعقيدة، أو السياسة".
وسجل بوسريف " أن ما سمي بـ (اﻷدب الإسلامي)، حين يقرأ المتتبع ما كتب فيه، في المغرب، أو خارجه، سيكتشف أن الذين كتبوا هذا اﻷدب، إما كانوا في اﻷصل كتابًا وأخذهم الدين، فاستغرق فكرَهم وخيالَهم، فأصبحت كتاباتهم غير ذات قيمة، وإما أنهم تصوروا الكتابة بهذا المعنى هي توجه إلى الله، ولا مكان فيها للإنسان، إلا بصفته تابعًا، خاضعًا، أو مذنبًا يبحث عن الغفران". ولاحظ بوسريف أنه "لا يوجد في الثقافة العربية كاتب مهم، يدّعي أنه (إسلامي)، حظي باهتمام القراء، أو أجرى تغييرًا في بنيات الكتابة أو في مضامينها، ﻷن العقيدة مغلقة، ولها طريقها الذي يشبه سكة القطار، الاتجاه نفسه، المسافة نفسها، المشاهد نفسها التي نراها كلّما ركبنا القطار". وخلص إلى أن "اﻷدب هو تمرّد، وشكّ وانتقال دائم، وهذا ما يجعل منه في مواجهة مع الدين، وهو ما يعتبره البعض عداء، علمًا بأن اﻷمر هو تعبير مختلف، لا يقبل التبعية والتعميم، أو السير وراء اﻵخرين، كيفما كانوا"، يورد الشاعر اليساري المتخصص في شؤون المعرفة.