السعودية تعد بمدينة اقتصادية ستفتح فرص العمل والاستثمار، وستشكل بيئة تحرر لم تشهده من قبل. يبدي البعض ترحيبه والبعض امتعاضه، فيما يؤكد آخرون أنّ "نيوم" مجرد دعاية لن تتحقق
أطلق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مشروع مدينة "نيوم" وهي مدينة تكنولوجية حديثة رائدة تعمل بالطاقة المتجددة وتركز على إنتاج الصناعات التقنية، على غرار وادي السيليكون في الولايات المتحدة الأميركية، لتحكم بواسطة قوانين مختلفة عن قوانين المملكة العربية السعودية إذ ستكون "أكثر تحرراً" بحسب تصريحات المسؤولين السعوديين.
تعتبر المدينة/الإقليم التي تقع في شمال غرب البلاد وتضم جزءاً من أراضي دولتي الأردن ومصر كما تضم جزيرتي تيران وصنافير اللتين حصلت عليهما السعودية من مصر، وتطل على خليج العقبة، هي الأكبر خليجياً إذ تصل مساحتها بحسب ما هو معلن إلى 26 ألف كيلومتر مربع وتطل على شواطئ يصل طولها إلى 460 كيلومتراً على البحر الأحمر غرب البلاد مما يسمح بوجود فعاليات صيفية لم تكن موجودة على الشواطئ المحافظة منذ نشأة الدولة السعودية المرتبطة بالتعاليم الدينية المتشددة.
لا تستهدف هذه المدينة التي سترى النور لأول مرة عام 2025 بحسب تصريحات المسؤولين السعوديين الجوانب الاقتصادية فحسب، بل تعد حجر الأساس لتغيير اجتماعي كبير يطمع به ولي العهد محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للبلاد، يهدف إلى خلع ثوب الدولة الديني، إذ قالت صحيفة "واشنطن بوست" إنّ المدينة الجديدة ستحكم بقوانين ليبرالية تختلف عن القوانين التي يُحكم بها المجتمع السعودي المحافظ.
وبحسب الصحيفة، فإنّ النساء في المدينة المستقبلية سيلعبن الرياضة على الشواطئ ويرتدين ملابس السباحة كما ستكون بيئة العمل مختلطة. وقد ظهرت النساء في الفيديو الترويجي للمشروع بشكل أكثر تحرراً، إذ لم يكن يرتدين الحجاب على عكس المدن السعودية الأخرى. ويعتقد مراقبون اقتصاديون أنّ المدينة ستضم حانات ونوادي ليلية تجلب من خلالها المستثمرين الأجانب الذين يرغبون بعيش حياة طبيعية تشبه حياة بلدانهم، بالرغم من نفي ولي العهد السعودي ذلك إذ قال لـ"بلومبيرغ": "من يرغب في شرب الخمور فعليه أن يذهب إلى مصر القريبة من المدينة".
وتحظى التعديلات الاجتماعية المزمع تمريرها عبر بوابة هذه المدينة بنقاشات كبيرة داخل المجتمع السعودي بين موافق وغير موافق، لكنّ الجميع يتفق على أنّ هذه التعديلات الاجتماعية ستسبب صدمة كبيرة لشرائح واسعة من المجتمع في حال تمت بالرغم من شكهم بوجودها، فالهدف منها بحسب البعض هو مجرد حملة علاقات عامة لتحسين صورة السعودية أمام دوائر صنع القرار الغربية وفي الولايات المتحدة الأميركية بالذات.
اقــرأ أيضاً
في هذا الإطار، يقول عبد العزيز السندي، وهو مواطن سعودي يعمل مساعد مهندس، لـ"العربي الجديد": "أؤيد تماماً إيجاد مدن منفتحة في البلاد تعمل خارج القوانين السعودية، فهي من جهة تحتفظ بأموال السياح السعوديين الذين يبحثون عن سياحة منفتحة في الخارج، ومن جهة أخرى تمكّن الأجانب من العمل براحة داخل الشركات من دون التفكير بالأمور التي اعتادوها في بلدانهم مثل الحفلات الموسيقية والنوادي الليلية وغيرها". يضيف: "من يرغب في العيش في هذه المدن فليعش ومن يرغب في أن يكون محافظاً فليعش في المدن السعودية المحافظة... هذه هي السعودية الجديدة بكلّ بساطة".
على العكس منه، يعلق أبو أحمد (اسم مستعار لناشط سعودي إسلامي) لـ"العربي الجديد": "هو أمر غير ممكن وغير معقول... السعودية التي أمضت عقوداً تنشر الإسلام السلفي تقوم بهذه الأفعال الآن، لا أحد يستطيع إيجاد مبرر تفسيري داخل مختلف التيارات الدينية حتى الموالية للحكومة منها". ويضيف: "هيئة كبار العلماء، وهي أعلى سلطة دينية رسمية في البلاد، لم تعلق وبقيت صامتة، أما شيوخ الدين الآخرون الذين كانوا يعايرون دول الخليج بانفتاحها سابقاً فقد صمتوا إلى الأبد، وحتى أنّ دولاً شبه محافظة محيطة بنا مثل الكويت لم تفعل ما ننوي عليه".
يقول مراقبون ومعارضون سعوديون إنّ "الإصلاحات" التي تنوي السعودية تطبيقها هي إصلاحات مزعومة لا وجود لها، إنّما هي مجرد وعود من القيادة لجلب المستثمرين الأجانب وإغرائهم بدفع الأموال في هذه المدينة المستقبلية، وقد سبق للسلطات تقديم وعود شبيهة لم تطبقها مثل الوعود بالانفراجات السياسية والاجتماعية.
في هذا السياق، يقول المعارض السعودي ورئيس مؤسسة "القسط لحقوق الإنسان"، يحيى عسيري، لـ"العربي الجديد"، معلقاً على الإصلاحات الاجتماعية: "لا وجود لإصلاحات حقيقية من دون رقابة شعبية، أما الوعود فإنّها لكسب رضا داخلي وخارجي، وقد سمعنا كثيراً من الوعود على مدى الأعوام الماضية أكثر من هذه لكنّنا لا نرى التطبيق إلاّ نادراً". ويضيف: "غياب التطبيق يرجع إلى غياب الرقابة الشعبية وخوف المجتمع من النقد، ولهذا لا يمكن التعويل على أيّ وعد من هذه الوعود ما لم تكن هناك حرية تعبير تسمح بنقد الخطأ فيها، وشفافية تسمح بمعرفة أداء السلطة ورقابة شعبية تمنع فساد السلطة".
بدوره، يعلق الأكاديمي الكويتي، عبد الرحمن المطيري: "من المثير للسخرية أن ترسخ السلطات السعودية فكرة وجود دولتين في دولة واحدة عبر السماح للنساء بالتنقل داخل مدينة نيوم الجديدة بكلّ حرية بينما لا تستطيع المرأة السعودية التنقل أو السفر إلاّ بإذن ولي أمرها في ظل نظام الولاية الذكوري، وهذا أمر يدل على أنّ قوانين المدينة الجديدة لا تستهدف إصلاح حياة الإنسان السعودي بقدر ما تستهدف جلب أموال المستثمرين الأجانب وتحسين حياتهم، في وقت يعاني فيه الفرد السعودي على المستويات كافة".
اقــرأ أيضاً
أطلق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مشروع مدينة "نيوم" وهي مدينة تكنولوجية حديثة رائدة تعمل بالطاقة المتجددة وتركز على إنتاج الصناعات التقنية، على غرار وادي السيليكون في الولايات المتحدة الأميركية، لتحكم بواسطة قوانين مختلفة عن قوانين المملكة العربية السعودية إذ ستكون "أكثر تحرراً" بحسب تصريحات المسؤولين السعوديين.
تعتبر المدينة/الإقليم التي تقع في شمال غرب البلاد وتضم جزءاً من أراضي دولتي الأردن ومصر كما تضم جزيرتي تيران وصنافير اللتين حصلت عليهما السعودية من مصر، وتطل على خليج العقبة، هي الأكبر خليجياً إذ تصل مساحتها بحسب ما هو معلن إلى 26 ألف كيلومتر مربع وتطل على شواطئ يصل طولها إلى 460 كيلومتراً على البحر الأحمر غرب البلاد مما يسمح بوجود فعاليات صيفية لم تكن موجودة على الشواطئ المحافظة منذ نشأة الدولة السعودية المرتبطة بالتعاليم الدينية المتشددة.
لا تستهدف هذه المدينة التي سترى النور لأول مرة عام 2025 بحسب تصريحات المسؤولين السعوديين الجوانب الاقتصادية فحسب، بل تعد حجر الأساس لتغيير اجتماعي كبير يطمع به ولي العهد محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للبلاد، يهدف إلى خلع ثوب الدولة الديني، إذ قالت صحيفة "واشنطن بوست" إنّ المدينة الجديدة ستحكم بقوانين ليبرالية تختلف عن القوانين التي يُحكم بها المجتمع السعودي المحافظ.
وبحسب الصحيفة، فإنّ النساء في المدينة المستقبلية سيلعبن الرياضة على الشواطئ ويرتدين ملابس السباحة كما ستكون بيئة العمل مختلطة. وقد ظهرت النساء في الفيديو الترويجي للمشروع بشكل أكثر تحرراً، إذ لم يكن يرتدين الحجاب على عكس المدن السعودية الأخرى. ويعتقد مراقبون اقتصاديون أنّ المدينة ستضم حانات ونوادي ليلية تجلب من خلالها المستثمرين الأجانب الذين يرغبون بعيش حياة طبيعية تشبه حياة بلدانهم، بالرغم من نفي ولي العهد السعودي ذلك إذ قال لـ"بلومبيرغ": "من يرغب في شرب الخمور فعليه أن يذهب إلى مصر القريبة من المدينة".
وتحظى التعديلات الاجتماعية المزمع تمريرها عبر بوابة هذه المدينة بنقاشات كبيرة داخل المجتمع السعودي بين موافق وغير موافق، لكنّ الجميع يتفق على أنّ هذه التعديلات الاجتماعية ستسبب صدمة كبيرة لشرائح واسعة من المجتمع في حال تمت بالرغم من شكهم بوجودها، فالهدف منها بحسب البعض هو مجرد حملة علاقات عامة لتحسين صورة السعودية أمام دوائر صنع القرار الغربية وفي الولايات المتحدة الأميركية بالذات.
على العكس منه، يعلق أبو أحمد (اسم مستعار لناشط سعودي إسلامي) لـ"العربي الجديد": "هو أمر غير ممكن وغير معقول... السعودية التي أمضت عقوداً تنشر الإسلام السلفي تقوم بهذه الأفعال الآن، لا أحد يستطيع إيجاد مبرر تفسيري داخل مختلف التيارات الدينية حتى الموالية للحكومة منها". ويضيف: "هيئة كبار العلماء، وهي أعلى سلطة دينية رسمية في البلاد، لم تعلق وبقيت صامتة، أما شيوخ الدين الآخرون الذين كانوا يعايرون دول الخليج بانفتاحها سابقاً فقد صمتوا إلى الأبد، وحتى أنّ دولاً شبه محافظة محيطة بنا مثل الكويت لم تفعل ما ننوي عليه".
يقول مراقبون ومعارضون سعوديون إنّ "الإصلاحات" التي تنوي السعودية تطبيقها هي إصلاحات مزعومة لا وجود لها، إنّما هي مجرد وعود من القيادة لجلب المستثمرين الأجانب وإغرائهم بدفع الأموال في هذه المدينة المستقبلية، وقد سبق للسلطات تقديم وعود شبيهة لم تطبقها مثل الوعود بالانفراجات السياسية والاجتماعية.
في هذا السياق، يقول المعارض السعودي ورئيس مؤسسة "القسط لحقوق الإنسان"، يحيى عسيري، لـ"العربي الجديد"، معلقاً على الإصلاحات الاجتماعية: "لا وجود لإصلاحات حقيقية من دون رقابة شعبية، أما الوعود فإنّها لكسب رضا داخلي وخارجي، وقد سمعنا كثيراً من الوعود على مدى الأعوام الماضية أكثر من هذه لكنّنا لا نرى التطبيق إلاّ نادراً". ويضيف: "غياب التطبيق يرجع إلى غياب الرقابة الشعبية وخوف المجتمع من النقد، ولهذا لا يمكن التعويل على أيّ وعد من هذه الوعود ما لم تكن هناك حرية تعبير تسمح بنقد الخطأ فيها، وشفافية تسمح بمعرفة أداء السلطة ورقابة شعبية تمنع فساد السلطة".
بدوره، يعلق الأكاديمي الكويتي، عبد الرحمن المطيري: "من المثير للسخرية أن ترسخ السلطات السعودية فكرة وجود دولتين في دولة واحدة عبر السماح للنساء بالتنقل داخل مدينة نيوم الجديدة بكلّ حرية بينما لا تستطيع المرأة السعودية التنقل أو السفر إلاّ بإذن ولي أمرها في ظل نظام الولاية الذكوري، وهذا أمر يدل على أنّ قوانين المدينة الجديدة لا تستهدف إصلاح حياة الإنسان السعودي بقدر ما تستهدف جلب أموال المستثمرين الأجانب وتحسين حياتهم، في وقت يعاني فيه الفرد السعودي على المستويات كافة".