هلع يكتسح أسواق المال

17 ديسمبر 2014
المخاوف تطال المستثمرين (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -
يحاول المسؤولون في عدد من الدول العربية طمأنة المتداولين في أسواق المال، وتأكيد استقرار الاقتصادات الوطنية. إلا أن هذه التطمينات لم تلق التجاوب المأمول. ويظهر أن بعض المسؤولين لم يتعظوا من التجارب ‏السابقة، وآخرها ما حدث من ردود أفعال إبان الأزمة المالية العالمية في عام 2008، والتي عصفت بأسواق المنطقة العربية التي عانى ‏الكثير منها فقدان الثقة.
وقد استطاع بعض الأسواق في العالم استرداد جزء من الثقة المفقودة خلال السنوات الماضية، إلا أنها ‏سرعان ما بدأت تفقدها مع تراجع الأسعار النفطية. إذ أن انهيار سعر النفط طال عدداً كبيراً من الأسواق، وبينها الأسواق غير النفطية، وقد تم ذلك بسرعة شديدة، بحيث لم تكن هناك من مؤشرات تمهيدية قبل وقوع الانخفاض. وقد أثر هذا الحدث غير المتوقع ‏بعمق على أسواق المال، وهي قاعدة شركات القطاع الخاص. ويمكن من هنا الاستنتاج، أن ارتباط أسعار النفط بالأسواق المالية ليس مباشراً، وإنما يعود هذا الارتباط إلى الأوضاع الاستثنائية التي تصيب الكثير من جزئيات الاقتصاد القومي.‏
وبدأ التأثير يصبح ملحوظاً في بعض الأدوات الاستثمارية في الأسواق، مثلاً القطاع العقاري الذي تشير التقارير بأنه أصبح في مرمى تراجع ‏الأرباح، نظراً لمقدار الهلع الذي أصاب المستثمرين في المنطقة من جهة، والارتفاعات السعرية القياسية والمبالغ بها التي حققها في الفترة الأخيرة من جهة أخرى.
هكذا، أصبح القطاع العقاري عرضة للتراجع المستقبلي، وفق اتجاه تنازلي مدعوم بالسلوك النفسي للمستثمرين. وكل ذلك ينسحب على توفير السيولة الممكنة من التخارجات في قطاعات فرعية لقطاع العقار، كالعقار الاستثماري الذي ‏يصوره بعض المراقبين بأنه بالغ في مستوياته السعرية التي أصبحت تحتاج إلى تصحيح بما يحقق التوازن مابين قوى الطلب والعرض.
‏والغريب في الأمر، أن الكثير من التقييمات العقارية كانت قد أشارت إلى منطقية السعر المتري غير الموحد، وإن كان في المنطقة ‏الجغرافية ذاتها، وفي الحدود المكانية نفسها. فقد ترك الكثير من التجمعات المرتبطة بالقطاع، لمقيمي العقار أن يضعوا أسعاراً مبالغاً فيها، مما جعلها ترتفع بشكل غير منطقي. ولهذا، قام، في الفترات السابقة، الكثير من الشركات بالاستثمار، إما ‏بالأسهم والأوراق المالية أو بالعقار الذي كان السبب الرئيسي وراء التدهور السابق للبورصات الخليجية.
وتذكير بما حدث ‏في الولايات المتحدة الأميركية، فقد انكشف القطاع العقاري بسبب الهامش الكبير الذي يغطي عملية التمويل العقاري ومقدار ‏الفوائد الكبيرة المفروضة على ذلك التمويل وطول فترات السداد... وهذا ما يجب أن تحذر منه الأسواق العربية حتى لا تكون على أبواب ‏الفقاعة العقارية، بعد انتهاء أزمة أسعار النفط.‏
وقد خسرت أسواق رأس المال جراء التراجع النفطي أكثر من 19 مليار دولار خلال الأسبوعين الماضيين فقط، وفق معطيات لجهات إحصائية. وقد تم بحث موضوع تراجع أسعار النفط على طاولة قمة مجلس التعاون الخليجي، والتي عقدت أخيراً في ‏الدوحة. مما يعني أن المسؤولين في الخليج سيعملون كما يفترض على مراقبة آثار هذا التراجع. ومن هذا المنطلق يتابع المتداول ‏البسيط تلك الأحداث على أمل أن يتم اتخاذ إجراءات وتدابير من شأنها إيقاف التخوف النفسي لدى المستثمرين في الأسواق ‏المالية من جهة، وأن يتم تعزيز الثقة لتعود شيئاً فشيئاً إلى البورصات من جهة أخرى.
وقد باتت البورصات في أمس الحاجة للتدفقات النقدية، على الرغم من وجود السيولة في المصارف الخليجية في حسابات الودائع، وبطبيعة الحال هذا يدل على أن المستثمر يبحث عن أداة ضمان وأمان وإن ‏قلت أرباحه. وذلك، وسط ضبابية مستقبل الأسهم التي تعتبر من أكثر الأدوات الاستثمارية حساسية أمام كل مؤثر خارجي وداخلي ‏على مدار العام.‏
وتفتقد الدول العربية إلى قوة القطاعات الصناعية، برغم أنها من أهم قطاعات الدول المتقدمة نظراً لأهمية ‏تنوع مصادر الدخل. وعلى الرغم من وجود النفط في الخليج كمصدر رئيسي للإيرادات، إلا أن هذه الدول تصدره خاماً وتستورده من ‏الدول الصناعية على هيئة ملايين الأصناف والمنتوجات.
ومن هذا المنطلق، رأى بعض هذه الدول أن الاهتمام بالصناعات ‏المتعلقة بالمشتقات النفطية والبتروكيمائية، ضرورية لمواجهة أي تراجعات من شأنها أن تبعث الاطمئنان في نفوس ‏المستثمرين .
حيث أن التحكم في مثل هذه الصناعات من شأنه تقليل حجم المصروفات بشكل كبير، وليس فقط زيادة ‏الإيرادات من خلال التنوع الاقتصادي. وبالفعل، إن اللجوء إلى تعزيز الصناعات المختلفة في الدول العربية يقيها من كل أشكال الهلع في الأسواق، كنتيجة بديهية. حيث أن من يجب أن يقود تلك الصناعات هي الشركات في القطاع الخاص، التي يمكن أن تواكب التطورات بمرونة.‏

(خبير اقتصادي كويتي)
دلالات
المساهمون