هلال جرادات.. الأسر دفعه إلى تعلم 16 لغة

26 يناير 2015
الأسير المحرَّر هلال جرادات (العربي الجديد)
+ الخط -


دفعت سنوات الأسر الطويلة التي عاشها الأسير المحرر هلال جرادات (47 عاماً) إلى التفكير بحلول إبداعية تساعده على مواجهة السجان الإسرائيلي وأوقات الفراغ الطويلة. وبدأت تراوده فكرة تعلم اللغات العالمية، عندما تحدث مع صديق له داخل السجن حول أن الانتصار على الاحتلال الإسرائيلي لن يكون إلا بالمعرفة والعلم. 

وكانت معرفة جردات سطحية باللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية والإعدادية، ولكنها تغيرت كثيرا في المرحلة الثانوية، حينما اكتسب ميزة التحدث بها. 

أسير يتعلم 
اعتُقل الأسير جرادات في السابع عشر من أغسطس/آب عام 1985 وكان وقتها في أواخر المراحل التعليمية الثانوية (التوجيهي)، فباشر بتصفح الكتب حتى لا يشعر بالوحدة والظلم الذي وقع عليه لدفاعه عن أرضه ووطنه. 
ونتيجة حواراته مع أصدقائه والفراغ الكبير الموجود في حياة الأسر، عادت إلى جرادات ذكريات إعجابه باللغات العالمية عندما شاهد سائحاً أميركياً زائراً لمدينته الأم "جنين" الفلسطينية، ولم يكن هناك أحد يستطيع التواصل معه سوى شخص واحد، ومن هذه اللحظة بدأ اهتمامه بدراسة اللغات. 

استغل الأسير لحظات اعتقاله بغرفة صغيرة مقيم فيها، والتي لا يوجد فيها أبسط مقومات الحياة اليومية، بتعلم اللغة "الإنجليزية" وبتصفح الكتب، ومن ثم التركيز على اللغات القديمة والحديثة، وكان يستفيد من زملائه الأسرى الذين لديهم خلفية عن أي لغة في العالم أو كانوا مقيمين في دول أجنبية. 

لغات متعددة 
يقول الأسير المحرر جرادات: "قضيت وقتي في السجن بالقراءة والمطالعة، وكنت أخصص نحو عشر ساعات يوميا للقراءة، وأقوم في الوقت الباقي بتدريس زملائي الأسرى المعارف التي تعلمتها، وأستفيد من روح المنافسة المنتشرة بين الأسرى". وبعد إتقانه اللغة الإنجليزية توجه إلى دراسة الإسبانية، خصوصا بعد أن علم حينها أن مصلحة السجون الإسرائيلية حكمت عليه بالسجن 99 عاماً. يحكي جرادات قائلا: "شعرت بالتحطم لحظتها، ولكني تابعت في مواجهة الفراغ الكبير وتوجهت إلى دراسة "اللغة الإسبانية" مع أحد زملائي الأسرى سبق أن عاش في إسبانيا". 

ولم يتوقف جرادات بعد تعلمه الإنجليزية والإسبانية، بل استمر في مسيرته حتى أتقن إلى جانب العربية، العبرية والروسية والألمانية والإيطالية والفرنسية والكرواتية والتركية واليونانية والمندائية والآرامية والسريانية والسبئية والحميرية والصينية والبربرية. 

أغرب اللغات 
وعن الصعوبات التي واجهها في تعلم اللغات، أكد جرادات أن اللغة البربرية من أغرب اللغات التي تعلمها، فهي تكتب من الشمال إلى اليمين، ومن اليمين إلى الشمال، وتُقرأ أفقيا وعموديا بخلاف اللغات الأخرى. 
كما أنه فوجئ من اللغة الإسبانية، فقد وجد أن الكثير من مفرداتها ذات أصول عربية، فكان تعلمها سهلا وسلساً، فالإسبانية على حد وصفه "تتبع منهج كل ما يسمع يكتب، بعكس العبرية". 
ومن أكثر اللغات التي واجهته صعوبة في تعلمها كانت اللغة الصينية، فلم يكن متوفرا لها في السجن سوى كتاب واحد، وهو كتاب "تعلم الصينية من دون معلم" وهذا الكتاب لم يكن كافيا من حيث القواعد وحيثيات اللغة. 

يقول جرادات إنه عندما كان يقوم بدراسة لغة ما، كان يقوم بالتعرف إلى تاريخ شعبها، كما أنه اكتشف وجود بعض اللغات التي يتحدث بها العديد من الشعوب ويتم استخدامها في كثير من الدول مثل الروسية والألمانية، كما أن هناك بعض المفردات في فلسطين يعود أصلها إلى الرومان. 

النشأة والبداية 
بعد الإفراج عنه في صفقة وفاء الأحرار التي وقِّعت عام 2011 بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي برعاية مصرية، أبعد جرادات من مدينته جنين إلى غزة. 
يحكي جرادات عن نشأته قائلا إنه درس المرحلة الابتدائية والثانوية في مدرسة "اليامون" ثم انتقل لإكمال الثانوية في المدرسة الشرعية في جنين، وذلك بعد منعه من المدارس الحكومية بسبب الملاحقات من الاحتلال. 

ويوضح الأسير المحرر أنه كان متفوقا في دراسته، وكانت هوايته شراء الكتب العلمية والثقافية وتبادلها مع الرفقاء والأصدقاء. ولكن كانت تواجهه مشكلة في قلة الكتب وتوافرها، وقد زادت هذه المشكلة من صعوبة تحقيق الإنجازات والتعلم. 
وبعد خروجه بصفقة وفاء الأحرار، درس جرادات بكلية "الإعلام" في جامعة فلسطين، وحصل على بكالوريوس في الإعلام، ومن ثم توجه إلى دراسة الترجمة عن الإنجليزية، وهو يسعى حالياً إلى إنشاء مركز فلسطيني إعلامي. 

قال العرب في أمثالهم قديماً: "الحرية هي الحق في أن تختار وتوجد لنفسك بدائل اختيار" وما قصة جرادات إلا مثلٌ حي عن كون الإنسان حراً، حتى لو قيد بألف قيد، ما دام مستمراً في التعلم، فقد اختار جرادات أن يحيى حياة كاملة بالعلم والمعرفة والاطلاع والقراءة.

المساهمون