أهالي الغوطة الشرقية يتحركون هذه المرة بعد حصار طويل. لكنّهم يتحركون هرباً من قصف النظام. وحتى الهروب لا ينفع إذ تتربص بهم الطائرات والمدفعيات لتقتلهم على الطرقات
"كأنّه يوم القيامة... أناس يركضون حفاة ويصرخون.... سيارات مكتظّة بهم سرعتها تزيد على 100 كيلومتر في الساعة، وأنا أركض وأمسك بيد ابنتي وعيني على ابني الثاني، بينما هناك فتاة عمرها خمس سنوات تصرخ: قولولهم ما يقتلونا". بهذه الكلمات توثق الناشطة السورية نيفين حطري معاناة المدنيين في محاولات هروبهم من الغوطة الشرقية مع تقدّم قوات النظام السوري.
حققت قوات النظام مؤخّراً تقدّماً في عدّة مناطق في الغوطة الشرقية، كانت أبرزها السيطرة على أجزاءٍ واسعة من مدينة حمورية في القطاع الأوسط في الغوطة، ما أدى إلى إجبار المدنيين على التحرّك من الأقبية التي يقطنون فيها تحت الأرض إلى مناطق تقع تحت سيطرة النظام على مداخل الغوطة الشرقية. لكنّ عملية الهروب هذه لا تقلّ خطورة عن البقاء في مناطقهم.
صباح أمس السبت، قُتل أكثر من 30 مدنياً في قصف جوي استهدف قافلة لمدنيين يحاولون العبور مشياً على طريق يصل بلدة حزة ببلدة زملكا في الغوطة الشرقية. كانوا يحاولون النجاة بأنفسهم، وهم من بين مئات المدنيين الذين كانوا يحاولون الخروج.
تواصلت "العربي الجديد" مع المواطن عمار الإبراهيم، الناشط إعلامياً في المنطقة، والذي شهد بعينه عمليات النزوح نحو مناطق سيطرة النظام. تبدأ العملية بحسب الإبراهيم بتكثيف القصف الجوي على منطقة مأهولة بالسكان تزامناً مع محاولات اقتحام تلك المناطق. يتحضّر المدنيون بالألبسة التي عليهم للخروج من دون أن يحملوا أيّ شيء، يحاولون الخروج ليستهدفهم النظام السوري ويمنعهم من الوصول إلى مناطق آمنة تقع تحت سيطرته في الغوطة. يقول الإبراهيم: "بالتأكيد، فإنّ قوات النظام لا تريد خروجاً آمناً للمدنيين، وتكذّب ادعاءاتها بأنّها فتحت ممرات آمنة لهم"، لافتاً إلى أنّ قسماً كبيراً ممن يحاولون الخروج يحاول النظام تصفيتهم علناً.
اقــرأ أيضاً
لم تتمكّن عائلة أبو فراس المكوّنة من خمسة أشخاص من الوصول إلى معبر مخيّم الوافدين على مدخل الغوطة الشرقية. تمكّن أبو فراس من الهروب إلى منطقة كفر بطنا في عمق الغوطة الشرقية، التي تحاول قوات النظام اقتحامها. قصف منزل العائلة في حمورية، ودمّر بشكلٍ كامل، ما دفعها إلى العيش في ملجأ تحت الأرض في مدينة سقبا المجاورة. وبعد الهجوم على سقبا، بدأت الأفكار تراود أبو فراس للنجاة بعائلته والتوجّه نحو مناطق النظام. أطفاله الثلاثة يعيشون حالة سوء تغذية بسبب الحصار المفروض على المنطقة منذ عدّة أشهر، أحدهم في الرابعة ولا يزيد وزنه على عدة كيلوغرامات، وتتضح آثار الحصار تماماً على وجوه العائلة.
صباح الخميس الماضي، تحضّر أبو فراس مع عائلته ومجموعة عائلات للتوجّه إلى معبر يسيطر عليه النظام لتسليم أنفسهم. يقول لـ "العربي الجديد": "لم يكن أمامنا أي حلٍّ آخر، فقد اشتدَّ الحصار علينا وزادت وتيرة القصف بشكلٍ كبير، لذلك بقينا أمام خيارين؛ إما انتظار الموت تحت القصف في الغوطة الشرقية، أو محاولة النجاة، التي قد تنجح أو تفشل".
عند الحادية عشرة من ظهر ذلك اليوم، وصل أبو فراس إلى منطقة تبعد نحو كيلومترين عن معبر مخيّم الوافدين، فصادف هناك عشرات العائلات التي كانت تتجمّع للغرض نفسه. يقول أبو فراس: "شعرت بارتياح عندما وجدت أعداداً كبيرةً من المدنيين وراودتني نفسي أنّ عملية العبور سوف تكون أسهل بكثير". تجمّعت العائلات وبدأت تمشي لمدّة 20 دقيقة حتّى وصلت إلى مشارف المعبر، وما إن وصلت أولى طلائع المدنيين إلى مجال رؤية المعبر حتى تم فتح الرشّاشات الثقيلة عليهم، ما دفع أفراد العائلات إلى الهروب بشكلٍ عشوائي، كلّ في اتجاه مختلف بحسب أبو فراس، خوفاً على أرواحهم.
حالف الحظ أبو فراس بالعودة مع عائلته سالمين إلى سقبا، وما إن وصلوا حتّى بدأت الطائرات الحربية تقصف أماكن تجمّع المدنيين بشكلٍ عشوائي، ما أسفر عن مقتل عدد منهم تم نقلهم إلى مستشفيات ميدانية في عمق الغوطة الشرقية.
وسط أجواء الموت اليومي الذي تحمله طائرات النظام إلى أهالي الغوطة، لم تردع التجربة الأولى المحفوفة بالمخاطر أبو فراس وعائلته عن محاولة النجاة بأرواحهم مجدداً، فقد عادت العائلة مرّة أخرى لتحاول الهروب، أمس الأول الجمعة، لكن من خلال معبر حمورية هذه المرة. تصفح أبو فراس الإنترنت فاكتشف أنّ الكثير من العائلات تمكّنت من العبور عن طريق هذا المعبر، لذلك حاول أن يجرّب حظّه بالخروج آمناً مع عائلته. وما إن خرجت العائلة من جهة كفر بطنا ثم سقبا للوصول إلى حمورية، وقبل أن تصل بأفرادها الخمسة إلى حواجز قوات النظام بمسافة بعيدة، بدأ القصف المدفعي بشكلٍ مباشر عليها وعلى عائلات أخرى مرافقة، ما أسفر عن إصابة مدنيين كانوا يحاولون الهروب.
عاد أبو فراس إلى كفر بطنا التي تشهد أقوى عمليات القصف، واستقرَّ مع عائلته في ملجأ تحت الأرض، ويقول إنّه فقد الأمل من الخروج. صحيح أنّ أحداً من أفراد عائلته لم يصب بأذى لكنّ الأيام المقبلة ترفع حدّة الخطر عليهم إلى أقصى الدرجات.
"كأنّه يوم القيامة... أناس يركضون حفاة ويصرخون.... سيارات مكتظّة بهم سرعتها تزيد على 100 كيلومتر في الساعة، وأنا أركض وأمسك بيد ابنتي وعيني على ابني الثاني، بينما هناك فتاة عمرها خمس سنوات تصرخ: قولولهم ما يقتلونا". بهذه الكلمات توثق الناشطة السورية نيفين حطري معاناة المدنيين في محاولات هروبهم من الغوطة الشرقية مع تقدّم قوات النظام السوري.
حققت قوات النظام مؤخّراً تقدّماً في عدّة مناطق في الغوطة الشرقية، كانت أبرزها السيطرة على أجزاءٍ واسعة من مدينة حمورية في القطاع الأوسط في الغوطة، ما أدى إلى إجبار المدنيين على التحرّك من الأقبية التي يقطنون فيها تحت الأرض إلى مناطق تقع تحت سيطرة النظام على مداخل الغوطة الشرقية. لكنّ عملية الهروب هذه لا تقلّ خطورة عن البقاء في مناطقهم.
صباح أمس السبت، قُتل أكثر من 30 مدنياً في قصف جوي استهدف قافلة لمدنيين يحاولون العبور مشياً على طريق يصل بلدة حزة ببلدة زملكا في الغوطة الشرقية. كانوا يحاولون النجاة بأنفسهم، وهم من بين مئات المدنيين الذين كانوا يحاولون الخروج.
تواصلت "العربي الجديد" مع المواطن عمار الإبراهيم، الناشط إعلامياً في المنطقة، والذي شهد بعينه عمليات النزوح نحو مناطق سيطرة النظام. تبدأ العملية بحسب الإبراهيم بتكثيف القصف الجوي على منطقة مأهولة بالسكان تزامناً مع محاولات اقتحام تلك المناطق. يتحضّر المدنيون بالألبسة التي عليهم للخروج من دون أن يحملوا أيّ شيء، يحاولون الخروج ليستهدفهم النظام السوري ويمنعهم من الوصول إلى مناطق آمنة تقع تحت سيطرته في الغوطة. يقول الإبراهيم: "بالتأكيد، فإنّ قوات النظام لا تريد خروجاً آمناً للمدنيين، وتكذّب ادعاءاتها بأنّها فتحت ممرات آمنة لهم"، لافتاً إلى أنّ قسماً كبيراً ممن يحاولون الخروج يحاول النظام تصفيتهم علناً.
لم تتمكّن عائلة أبو فراس المكوّنة من خمسة أشخاص من الوصول إلى معبر مخيّم الوافدين على مدخل الغوطة الشرقية. تمكّن أبو فراس من الهروب إلى منطقة كفر بطنا في عمق الغوطة الشرقية، التي تحاول قوات النظام اقتحامها. قصف منزل العائلة في حمورية، ودمّر بشكلٍ كامل، ما دفعها إلى العيش في ملجأ تحت الأرض في مدينة سقبا المجاورة. وبعد الهجوم على سقبا، بدأت الأفكار تراود أبو فراس للنجاة بعائلته والتوجّه نحو مناطق النظام. أطفاله الثلاثة يعيشون حالة سوء تغذية بسبب الحصار المفروض على المنطقة منذ عدّة أشهر، أحدهم في الرابعة ولا يزيد وزنه على عدة كيلوغرامات، وتتضح آثار الحصار تماماً على وجوه العائلة.
صباح الخميس الماضي، تحضّر أبو فراس مع عائلته ومجموعة عائلات للتوجّه إلى معبر يسيطر عليه النظام لتسليم أنفسهم. يقول لـ "العربي الجديد": "لم يكن أمامنا أي حلٍّ آخر، فقد اشتدَّ الحصار علينا وزادت وتيرة القصف بشكلٍ كبير، لذلك بقينا أمام خيارين؛ إما انتظار الموت تحت القصف في الغوطة الشرقية، أو محاولة النجاة، التي قد تنجح أو تفشل".
عند الحادية عشرة من ظهر ذلك اليوم، وصل أبو فراس إلى منطقة تبعد نحو كيلومترين عن معبر مخيّم الوافدين، فصادف هناك عشرات العائلات التي كانت تتجمّع للغرض نفسه. يقول أبو فراس: "شعرت بارتياح عندما وجدت أعداداً كبيرةً من المدنيين وراودتني نفسي أنّ عملية العبور سوف تكون أسهل بكثير". تجمّعت العائلات وبدأت تمشي لمدّة 20 دقيقة حتّى وصلت إلى مشارف المعبر، وما إن وصلت أولى طلائع المدنيين إلى مجال رؤية المعبر حتى تم فتح الرشّاشات الثقيلة عليهم، ما دفع أفراد العائلات إلى الهروب بشكلٍ عشوائي، كلّ في اتجاه مختلف بحسب أبو فراس، خوفاً على أرواحهم.
حالف الحظ أبو فراس بالعودة مع عائلته سالمين إلى سقبا، وما إن وصلوا حتّى بدأت الطائرات الحربية تقصف أماكن تجمّع المدنيين بشكلٍ عشوائي، ما أسفر عن مقتل عدد منهم تم نقلهم إلى مستشفيات ميدانية في عمق الغوطة الشرقية.
وسط أجواء الموت اليومي الذي تحمله طائرات النظام إلى أهالي الغوطة، لم تردع التجربة الأولى المحفوفة بالمخاطر أبو فراس وعائلته عن محاولة النجاة بأرواحهم مجدداً، فقد عادت العائلة مرّة أخرى لتحاول الهروب، أمس الأول الجمعة، لكن من خلال معبر حمورية هذه المرة. تصفح أبو فراس الإنترنت فاكتشف أنّ الكثير من العائلات تمكّنت من العبور عن طريق هذا المعبر، لذلك حاول أن يجرّب حظّه بالخروج آمناً مع عائلته. وما إن خرجت العائلة من جهة كفر بطنا ثم سقبا للوصول إلى حمورية، وقبل أن تصل بأفرادها الخمسة إلى حواجز قوات النظام بمسافة بعيدة، بدأ القصف المدفعي بشكلٍ مباشر عليها وعلى عائلات أخرى مرافقة، ما أسفر عن إصابة مدنيين كانوا يحاولون الهروب.
عاد أبو فراس إلى كفر بطنا التي تشهد أقوى عمليات القصف، واستقرَّ مع عائلته في ملجأ تحت الأرض، ويقول إنّه فقد الأمل من الخروج. صحيح أنّ أحداً من أفراد عائلته لم يصب بأذى لكنّ الأيام المقبلة ترفع حدّة الخطر عليهم إلى أقصى الدرجات.