مرّة أخرى يعود المواطن المقدسي خالد الزير، من بلدة سلوان، جنوب المسجد الأقصى، ليتصدّر مشهد المقاومة في بلدته الواقعة على تخوم المسجد الأقصى من الناحية الجنوبية.
هذه المرّة، لم تأت شرطة الاحتلال لهدم منزله وتشريد أطفاله، وهن خمس فتيات صغيرات قاصرات، ولم يطارده عناصرها حتى يخرجوه من مغارة قديمة آوى إليها وصغيراته، بل تجاوزوا ذلك إلى محاولة وضع يدهم على ما تبقى من أرضه في وادي الربابة، وشرعوا بتوجيهات من جمعيات الاستيطان العاملة في سلوان، وأشهرها جمعية "ألعاد" الاستيطانية، بتجريف الأرض وحفرها لإقامة جسر هوائي معلق يربط منطقة حي الثوري والتجمعات الاستيطانية في المنطقة بالبلدة القديمة مرورا بباب المغاربة، فساحة البراق.
وبينما كان الزير يتحدث بغضب مناشداً محاميه والمواطنين المقدسيين من سياسيين وإعلاميين ومن أهالي سلوان، كان مستوطنون يتابعون بفرح غامر ما يحدث، خصوصاً حين حضرت قوة من شرطة الاحتلال واعتقلت الزير وطفله الرضيع، ولم تطلق سراحه إلا بعد خمس ساعات من الاستجواب. لكنها قررت بعد ذلك الإفراج المشروط عنه بمنعه من دخول موقع الحفريات حيث تتواجد طواقم من بلدية الاحتلال وما يسمى بـ"سلطة حماية الطبيعة"، أو كما يسميها الزير "سلطة تدمير وتخريب الطبيعة ونهب الأراضي من أصحابها الشرعيين".
في حديثه لـ"العربي الجديد"، تساءل الزير بغضب، موجهاً حديثه للمحامين الذين يتابعون قضية الأرض المهددة بالسلب والاستيلاء: "وينكم يا محامين...؟ ليش ما بدافعوا عنا... الإشي بين إيديكم.. الحمد لله إحنا صرنا نفهم بالقانون وبنفهم بالسياسة، ما في إشي في هالبلد ما بنفهم فيه... لكن وين المحامين اللي ما بقدروا يجيبوا أمر احترازي ضد نهب أراضينا".
لا يريد الزير من أحد أن يحمل السلاح ويحارب. ما يريده فقط هو الإسناد والدعم من قبل الجميع، والوقوف إلى جانبه وحماية أرض القدس وسلوان التي تسرق وتسلب أمام أعين أصحابها بقوة الاحتلال الغاشمة.
وسبق للزير، ومعه عدد من المواطنين المقدسيين من بينهم سمير شقير المحاضر في جامعة القدس، أن تلقوا إخطارات من قبل سلطات الاحتلال تمنعهم من التصرف بأراضيهم، أو القيام بأية إنشاءات عليها. ومع ذلك أطلقت تلك السلطات يد طواقم التجريف لحفر تلك الأراضي، وجلب كميات ضخمة من الإسمنت الجاهز للبدء بتنفيذ البنية التحتية للجسر المقترح.
من ناحيتها، تدعي سلطات الاحتلال أن الحديث يدور عن "جسر سياحي" يبلغ طوله 240 مترا وارتفاعه 30 مترا، قاعدته الأساسية تبدأ بحي الثوري مرورا بأراضي المواطنين في "وادي الربابة"، وصولا إلى وقف آل الدجاني، جنوب غرب المسجد الأقصى.
لكن الجسر، كما يقول خليل تفكجي، خبير الجغرافيا والاستيطان: "هو في الواقع جزء من مشروع تهويدي ينفذ جنوب سلوان في منطقة وادي الربابة، سبقته قبل سنوات زراعة قبور وهمية في منطقة الحفريات الحالية، وأطلق عليها اسم (مقبرة سمبوسكي). في حين شقت سلطات الاحتلال هناك مسارات توراتية تصل بين البلدة القديمة بالقدس والحي ليتم وصلها بمسارات أخرى ستقام مستقبلا إلى الشرق من المسجد الأقصى. وتخطط سلطات الاحتلال لإقامة قطار هوائي (تلفريك) من البؤر الاستيطانية في جبل الزيتون، شرق البلدة القديمة، وصولا إلى ساحة البراق والبلدة القديمة، خاصة (الحي اليهودي)، بعد أن يجتاز في السماء ساحات الأقصى".
وإذا كان الزير اليوم يتصدر مشهد مقاومة هذا المشروع، فإن آخرين من سكان المنطقة يشاركونه هذا التصدي على الأقل من الناحية القانونية، ومنهم عائلتا شقير وسمرين، الممنوعتان من استخدام أراضيهما في "وادي الربابة"، بما في ذلك حراثتها وتنظيفها. ويقول سمير شقير، لـ"العربي الجديد"، إن عائلته كانت ضحية عمليات هدم وتجريف منازل وأراضي العائلة، معربا عن مخاوفه من أن يكون هذا الحظر مقدّمة لمصادرة أراضي العائلة وغيرها من عائلات في المنطقة لصالح تهويد وادي الربابة بالكامل.
يذكر أن ملكية الأرض التي شرعت سلطات الاحتلال بأعمال الحفر فيها، تعود لعائلة العسلي المقدسية، وهي تمتد على مساحة 210 دونمات تشكل في مجموعها الحي الجنوبي من سلوان المعروف بوادي الربابة، يقطنه قرابة ألف نسمة. وتمنع سلطات الاحتلال البناء الفلسطيني فيه، وتطارد حتى من يقطنون في المغاور والكهوف القديمة في المنطقة، كما حدث مع عائلة المواطن خالد الزير التي آوت إلى كهف هناك بعد هدم منزلها، بذريعة أن الكهف أثري ويمنع استخدامه لأغراض السكن.
كان الزير وفي حديث سابق لـ"العربي الجديد"، أكد أنّ الأرض والمغارة القائمة عليها تعود لعائلته. فجده وُلد فيها، وتعيش فيها العائلة منذ مئات السنين، نافياً ادعاءات سلطة الآثار بوجود معالم أثرية بالمنطقة، ومشيراً إلى أنّه لم يُغير معالم الكهف، بل أجرى ترميمات بسيطة داخله، بعد تساقط الحجارة والأتربة على أفراد عائلته.
وقال الزير للقاضي الإسرائيلي، إنّه اضطر للعيش في المغارة مع أسرته بعد هدم منزله. لكن بعد العاصفة الثلجية التي ضربت البلاد عام 2013، انتقل إلى المغارة لوحده خوفاً على عائلته، في حين انتقل أطفاله للعيش عند جدّهم وأعمامهم، إذ لا مأوى آخر لهم.
وهدم منزل عائلة الزير فجر "يوم الأرض" في العام المنصرم، وهو بيت من طوب وصفيح يؤوي عائلة المواطن المذكور. كان يوما مروعا للعائلة التي تعرض منزلها للهدم أكثر من مرة، ثم طردت من كهفها، وبعد أقل من عام يعود الاحتلال ليمنع العائلة من التصرف بأرضها ويحظر على صاحبها دخولها.
يقول جواد صيام، مدير مركز معلومات وادي حلوة المقدسي، إن "سلوان باتت اليوم هدفا للتهويد ولمشاريع الاستيطان المختلفة، فجمعيات الاستيطان تسعى للسيطرة والاستيلاء على المزيد من عقارات المواطنين في البلدة، في حين لا تتوقف جهود ومحاولات سلطة الآثار والطبيعة الإسرائيلية للسيطرة على أراض وزرع قبور يهودية وهميّة فيها".