هكذا طردنا اليهود من أرضنا
قرية وادعة تتربع على سفوح الجبال، فمن جهةٍ تطل على فلسطين، ترقبها وتراقبها إلى أن يبعث الله أمراً كان مفعولا، ومن أخرى، تعانق جبل الشيخ مغازلة، وأخرى تمد فضاء يديها إلى عمان والمفرق والزرقاء، تستمتع بها الأنفس إن دخلتها، وتتوق لها إن خرجت منها، هي ساكب، قريتي، من دخلها عاد إليها.
ذاك المكان الذي نُسي، كما غيره، في غياهب الدولة، فلم تتذكرها أو يذكرها أحد، مع أنها، أي قريتي، شاهد عصر ومشارك في رسم أحد مشاهد الزمان، فترة من عمر المكان، نسيها الزمان، أو تناساها الرجال بفعل وقصد، وكأن تاريخنا حُصر بأسماء فردية معينة، ورجالاتنا قطاع طرق، وأصحاب غزو، لا قادة، وفرسان!
إن كنتَ مارّاً في طريقك إلى جرش، مثلاً، ورأيت حافلة تقلُّ سياحاً متوقفةً على الجسر الذي يعلو نهر الزرقاء، وثمة سياح بالقرب منه، يصورون، ويتمتمون بصلواتهم، لا تغضب، ولا تستغرب، فقط عد، وفتش عن التاريخ!
فنهر يبوق المقدس، حسب ما ذكر المؤرخون، أطلق عليه الصليبيون نهر التماسيح، مذكور في التوراة، توقف على ضفافه نبي الله، يعقوب، في طريق رحلته إلى فلسطين.
ولأن التاريخ لا ينسى، ولا يسقط بالتقادم، كما الأشياء، أعاد اليهود في عام 1870 إحياء أسطورة نهر "يبوق" من جديد، فارتحلو من أصقاع الدنيا إليه، وبنوا على ضفته الشمالية مستوطنة زراعية، زرعوا محيطها، وأكلوا ثمارها، وهددوا أهل المنطقة.
المشروع ومستوطنته، أشارت إليه وثيقة خاصة بالهيئة البريطانية لحماية مصالح اليهود، التابعة للبرلمان الإيرلندي عام 1745، ففي أغسطس/ آب من 1874، وجه ينيش سالانتابن، حاخام اليهود الأشكناز في القدس رسالة إلى السير موسى مونتفيوري، عمدة لندن، ومؤسس أول مستوطنة يهودية في فلسطين، تقول: "مضى على المستوطنة الصغيرة أربع سنوات من العمل في الزراعة، حيث استأجرنا خمسة فدادين من البدو القاطنين في سهول نهر الأردن شرقاً. وهي تدر ربحاً قليلاً، وأننا مضطرون للعمل نهاراً والحراسة ليلاً". وشدد على طلب التسهيلات المالية اللازمة من أجل بناء المنازل والتوسع بالتجارة أو شراء خمسة فدادين أخرى.
وتبين الرسالة أن المستوطنة، نهر يبوق/ الزرقاء، هي المقصودة بذلك، ففي تلك الفترة لم تُبن في شرق الأردن أي مستوطنة، خلا التي تم إنشاؤها عام 1870، والرسالة جاءت بعد أربع سنوات على بناء المستوطنة، وقبل سنتين من هدمها عام 1876.
بعد هجوم ساكب، لم تقم قائمة لأي مستوطنة في شرق الأردن، لكن هذا لم ينف وجود أسماء اتصلت بالوكالة اليهودية، وتواصلت معها، بهدف بيعها الأراضي، إلا أن محاولات هؤلاء تكللت بالفشل والعار الذي لم يُنس إلى اليوم.