عمل جورج نادر، وهو المستشار السياسي لولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، على مدى أكثر من عام، على تحويل إليوت برودي، أحد كبار جامعي التبرعات لحملة دونالد ترامب، إلى وسيلة تأثير وضغط داخل البيت الأبيض، لصالح حكام السعودية والإمارات، والتحريض ضد قطر، وذلك وفق مقابلات ووثائق نقلتها "نيويورك تايمز" لم تكشف من قبل.
وذكرت الصحيفة الأميركية، أن مئات الصفحات من الرسائل بين نادر وبرودي، تكشف جهداً حثيثاً للتأثير على الرئيس الأميركي الحالي، لصالح هاتين الدولتين الخليجيتين، الحليفتين للولايات المتحدة.
وبحسب "نيويورك تايمز"، كان دفع البيت الأبيض للتخلي عن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، على رأس أجندة نادر وبرودي، وكذلك دعم مقاربة تصادمية مع إيران وقطر، والضغط المتواصل على ترامب لكي يلتقي خارج البيت الأبيض، وبشكل غير علني، ولي عهد أبو ظبي. وبالفعل – قالت "نيويورك تايمز" – إن ترامب قام بطرد تيلرسون، واعتمد سياسة صارمة تجاه إيران وقطر.
وأضافت الصحيفة الأميركية، أن نادر أغرى برودي، بإمكانية حصول الأخير على عقود لشركته الأمنية الخاصة "سيرينوس"، تفوق قيمتها المليار دولار، وساعده على تأمين صفقات مع الإمارات بأكثر من مئتي مليون دولار. كما أنه مدح برودي حول "براعته" في "التأثير" على "الرئيس"، في إشارة إلى ترامب، وكرر أمامه أنه أخبر حكام الإمارات والسعودية، عن "الدور السحري المحوري وغير القابل للاستغناء عنه" الذي يلعبه (أي برودي) لمساعدة هذين البلدين.
وبحسب الوثائق التي حصلت عليها "نيويورك تايمز"، فإن سيطرة نادر على برودي، توفر أحد النماذج القابلة للدراسة، حول كيفية محاولة الإمارات والسعودية كسب النفوذ داخل إدارة ترامب. وبحسب أشخاص مطلعين، فقد حصل نادر على الحصانة، وفق اتفاق مقابل تعاونه مع التحقيق الخاص بالتدخل الروسي المحتمل بالانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة الذي يقوده روبرت مولر، كما أن علاقته بإليوت برودي، بإمكانها أن تساعد في تقديم أجوبة أو مفاتيح لكيفية توجيه هذا التحقيق.
واستدعي جورج نادر من رحلة خارجية، للإدلاء مرة أخرى بشهادته أمام المحققين، وذلك بحسب شخص مطلع على الموضوع. ولفتت "نيويورك تايمز"، أن المحققين الذين يعملون مع مولر، إستجوبوا عدداً من الشهود، حول علاقات نادر بمسؤولين كبار في إدارة ترامب، وحول دور محتمل له في تحويل مال إماراتي لصالح جهود ترامب السياسية، ما يعني أن التحقيق الخاص توسع، ليشمل التحقيق بدور المال الأجنبي داخل إدارة الرئيس الأميركي الحالي.
وبحسب الصحيفة، فإن الوثائق التي حصلت عليها، تتضمن أدلة لم تنشر سابقاً، على أن نادر نصب نفسه أيضاً وسيطاً لولي العهد السعودي محمد بن سلمان لدى إدارة ترامب.
وقال شخصان مقربان من إليوت برودي إن الأخير لم يتلق أي اتصال من جانب محققي مولر. وهو يقول إن "نشاطه كان يهدف إلى دعم الأمن القومي الأميركي، وعبر تنسيق كامل مع الإدارة الأميركية"، مضيفاً أنه "لطالما آمن بقوة بضرورة التصدي لإيران وللتطرف الإسلامي، والعمل عن قرب مع أصدقائنا في العالم العربي لتحقيق ذلك".
وفيما قال برودي إنه لا يستطيع التثبت من صحة الوثائق التي واجهته بها "نيويورك تايمز"، والتي تتضمن رسائل إلكترونية وعروض عمل وعقودا، ادعى متحدث باسمه أن "هذه الوثائق ربما سرقها مقرصنون يعملون لصالح دولة قطر، رداً على نشاطه المنتقد للدوحة".
وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن برودي ونادر، اللذين أصبحا أصدقاء، تبادلا منذ شهر فبراير /شباط 2017، بريداً إلكترونياً حول صفقات محتملة لشركة "سيرينوس" مع الإمارات والسعودية، وأيضاً حول أهداف الرياض وأبو ظبي في واشنطن. من هذه الأهداف، على سبيل المثال، إقناع الولايات المتحدة بضرورة التحرك ضد "الإخوان المسلمين" أو الضغط على قطر. وبارك الرجلان منع آن باترسون، وهي سفيرة أميركية سابقة في القاهرة، من الحصول على منصب بارز داخل البنتاغون، علماً أن كلا من الرياض وأبو ظبي لطالما انتقدا هذه الدبلوماسية، التي يعتقدان أنها تعاطفت كثيراً مع الرئيس المصري السابق محمد مرسي، خلال فترة حكمه التي استمرت عاماً.
وفي 25 مارس/آذار الماضي، أرسل برودي لنادر عبر البريد الإلكتروني برنامجاً يتضمن حملة للإدارة الأميركية وحملة علاقات عامة تستهدف التحريض على قطر وتنظيم "الإخوان المسلمين". وبحسب الرسالة، فإن الاقتراح يحدد تكلفة الحملة، وهي 12.7 مليون دولار. وقال مقربان من برودي إن الخطة أعدها طرف ثالث لإطلاع مانحين أميركيين متفقين معنا على هذه الرؤية، وإن بعضاً فقط مما تضمنته تمّ تنفيذه. ولكن "نيويورك تايمز" لفتت إلى أن جورج نادر قدم لبرودي مبلغ 2.7 مليون دولار، بدلاً لـ"خدمات استشارية وتسويقية" له، على ما يبدو أنها ذهبت لدفع تكاليف مؤتمرات أقيمت في اثنين من مراكز الأبحاث في واشنطن، وهي "مركز هادسون" و"مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"، والتي تضمنت انتقاداً قوياً لقطر ولـ"الإخوان".
وروت "نيويورك تايمز" كذلك أنه "بعد أشهر، وفيما كان إليوت برودي يتحضر للقاء رسمي مع دونالد ترامب، أصرّ عليه جورج نادر للدفع بإمكانية عقد لقاء خاص خارج البيت الأبيض بين الرئيس الأميركي الحالي وولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، الذي وصفه بـ"الصديق". وفي هذا الشأن، كتب نادر في رسالة إلى برودي بتاريخ الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي: " قل له (أي لدونالد ترامب) إن صديقي يرغب بلقائك في أسرع وقت ممكن خارج البيت الأبيض، في نيوجرسي أو كامب ديفيد". وهذا ما فعله برودي بعد ستة أيام، من خلال الضغط المتكرر على ترامب للقاء بن زايد في مكان "هادئ" خارج البيت الأبيض، وذلك بحسب تقرير مفصل حول اللقاء، أرسله برودي لنادر، بعد وقت قصير من رفض مستشار الأمن القومي لترامب، إتش آر ماكماستر، للطلب.
وفي مذكرة أرسلها لجورج نادر، كتب برودي أنه "ألحّ شخصياً على ترامب لطرد تيلرسون الذي تراه كل من الرياض وأبو ظبي غير جدي كفاية بالتصدي والوقوف ضد قطر وإيران".
وعلى الرغم من العلاقات القريبة بين البيت الأبيض من جهة، والسعودية والإمارات من جهة أخرى، فقد حصلت "سقطات عرضية". ففي يناير/ كانون الثاني الماضي، راسل جورج نادر صديقه برودي مرتين، حاملاً طلباً جديداً "حاكم الإمارات يطلب أن يهاتف ترامب محمد بن سلمان لمحاولة تهدئة الأجواء إزاء احتمال تصاعد مشاعر غير جيدة قد يخلقها كتاب نار وغضب لمايكل وولف"، الذي "يصور آراء الرئيس الأميركي حول الأمير السعودي الشاب بطريقة غير جيدة"، بحسب رسالة نادر التي اطلعت عليها "نيويورك تايمز". وأضاف نادر: "ابحث عما يمكن أن تفعله، وبإمكاننا مناقشة ذلك شخصياً"، مكرراً مرة جديدة "الرغبة الصادقة" لحاكم أبو ظبي بعقد لقاء شخصي على انفراد مع ترامب.
وبعد أيام قليلة، كتب نادر لبرودي أنه يتطلع للقدوم إلى الولايات المتحدة. وكان برودي يرتب له إمكانية حضوره عشاء "غالا" في مار آلاغو في فلوريدا، لمناسبة الذكرى الأولى لتنصيب ترامب. كما أن الرجلين بحثا إمكانية القيام برحلة للسعودية لمحاولة بيع ولي عهدها صفقة بقيمة 650 مليون دولار لصالح الشركة الأمنية لإليوت برودي. لكن هذه الخطط باءت بالفشل، بحسب الصحيفة الأميركية، إذ إنه في هذه الرحلة تحديداً التي قام بها جورج نادر إلى الولايات المتحدة، كان في استقباله عملاء الـ"أف بي آي" العاملون لصالح مولر، في مطار واشنطن الدولي.
ولاحقاً في خريف 2017، اشتكى جورج نادر، في رسالة لبرودي، من أن جهاز الخدمة السرية الملكف بحماية الرئيس الأميركي منعه من أخذ صورة له مع ترامب خلال حفل جمع تبرعات. ورغم أن الأسباب وراء منعه من الحصول على صورة مع ترامب لم تتضح، فإن نادر كان قد أدين في العام 1991 بنقل أشرطة جنسية للأطفال. كما أنه حكم عليه بالسجن سنة 2003 لمدة عام في تشيكوسلوفاكيا، بعد إدانته باستغلال قاصرين جنسياً.
"ديلي ميل": جورج نادر هرب إلى الإمارات
إلى ذلك، كشف موقع "ديلي ميل" أن جورج نادر غادر الولايات المتحدة، عائداً إلى الإمارات، بحسب مصدرين مقربين من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
وقال أحد المصدرين "هرب جورج نادر بدعم من ولي عهد أبو ظبي، بإمكانه أن يهرب ولكن ليس باستطاعته أن يختبئ، هناك مذكرة جلب. كل ملفه اليوم بيد مولر".
وقال المصدر الثاني الذي نقل عنه "ديلي ميل" إن محمد بن زايد متعطش لمعرفة ماذا سأل مولر نادر.
وأضاف "جورج عاد إلى الإمارات، رغم أني كنت أعتقد أنه سيكون خائفاً جداً أن يقوم بمثل هذه الخطوة. أن يعود إلى الإمارات يعني أنه غير قلق. ولكن محمد بن زايد سيكون راغباً بلقائه، ومعرفة ماذا قال للمحقق الخاص مولر".