هكذا تنتشر المخدرات في المقدادية العراقية وتزيد معدلات الجريمة

25 ابريل 2018
الشرطة غير قادرة على ضبط الموردين (تويتر)
+ الخط -


لبان ومناديل ورقية ومواد أخرى لا تخطر على بال، هي عبارة عن سلع تحمل في طياتها مخدرات يتداولها الشباب وحتى الكبار، إلى أن ووصل الوباء أخيراً إلى أدمغة طلاب وطالبات الثانويات في مدينة المقدادية التابعة لمحافظة ديالى، شرقي العراق. إذ تباع المخدرات القادمة من الأراضي الإيرانية القريبة من المدينة بأسعار بسيطة للغاية، حيث يستوردها عناصر من مليشيات متنفذة لا يمكن للشرطة إيقافهم أو مصادرة بضاعتهم.

لا أحد يمكنه البوح أو انتقاد الأوضاع في مدينة المقدادية (90 كلم) شمال شرق بغداد، فالمليشيات والأحزاب تسيطر على المدينة التي نزح أغلب سكانها الأصليين منها عقب اجتياح تنظيم "داعش" الإرهابي عام 2014 لمدن شمال وغرب العراق، فضلاً عن أجزاء من محافظة ديالى.

وتفرض المليشيات، ومنها على وجه الخصوص "بدر" و"العصائب" وغيرهما، سيطرتها على مجريات الحياة اليومية في الأسواق والدوائر الحكومية ونقاط التفتيش عند مداخل المدينة. وهذا هو السبب الأول والأهم الذي يحوّل المقدادية التي اشتهرت تاريخياً بكونها مدينة المثقفين والأدباء بالعراق، إلى مدينة مشلولة تغص بأنواع مختلفة من المخدرات.

ووفقا لمسؤول محلي في المقدادية، اشترط عدم ذكر اسمه، فإن "المخدرات وصلت إلى المراهقين في الثانويات، والكارثة أنها وصلت لأيدي الفتيات أيضا"، متهماً في حديث لـ"العربي الجديد"، من وصفهم "الغرباء الذين يحتلون المدينة هم وراء إغراقها بالمخدرات".

وأضاف "صارت رؤية الشبان المخدرين بالشارع أمرا طبيعيا، ولا يجري اعتقالهم، بل على العكس، نراهم يتعاطون المشروبات الكحولية والتدخين والمخدرات باعتبارها تبعد عنهم شبهة الإرهاب التي تنتهي بهم إلى حبل المشنقة، وبذلك يبقون بعيدين عن الاعتقال". وبيّن أن معدل الجريمة ارتفع بسبب ذلك، وهذا ما يمكن ملاحظته بكثرة الدعاوى والمشاكل اليومية في مراكز الشرطة.





وتحتل مدينة المقدادية المرتبة الرابعة في العراق في قائمة المدن التي تعرضت للتغيير الديموغرافي خلال السنوات الأربع الماضية بعد العاصمة بغداد وبعقوبة والبصرة، وسط وجنوب العراق.

وذكر مصدر آخر في دائرة صحة مدينة المقدادية، طلب عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، أن الدائرة تلقت "معلومات عن تعاطي الطلاب المواد المخدرة بعد حالة إغماء طالبة في إحدى المدراس الثانوية، ونقلت إثر ذلك الى المستشفى القريب، وبعد إجراء التحاليل والفحوصات الطبية تبيّن أنها كانت تتعاطى المخدرات".

وتابع "بعدها أجرينا حملة تفتيش لعدد من الثانويات العامة للذكور والإناث، وبالفعل وجدنا بعض المواد المخدرة مع إحدى الطالبات وعدد من الطلاب، لكن اللجنة لم تستطع التبليغ عن الحالة بسبب اتصال هاتفي من رقم مجهول عمد إلى تهديد مدير المدرسة، وإخباره بعدم التطرق للموضوع، وغلق الملف حالاً، لأن المنطقة التي ينتمي إليها الطالب هي خط أحمر"، بحسب المصدر.

\



وأوضحت إيمان المقدادي، مُدرسة الفيزياء في إحدى المدارس الثانوية، أن "العراق لم يكن يعرف المخدرات قبل عام 2003، بل كنا نسمع عنه من خلال نشرات الأخبار أو في الدراما المصرية، لكن الأمر تغير جذرياً، وصارت المخدرات أقرب إلى أبنائنا مما نظن، حتى أن الأشكال والأنواع التي يتداولونها لا يظن أحد أنها مخدرات خطرة".

وبيّنت لـ"العربي الجديد"، أنّ مروجي المخدرات "يستخدمون أساليب متنوعة ومنتجات تحتوي على المخدرات، وبعض الطالبات يتناولن حبوباً مخدرة دون علمهن بما تحويه، بعد إقناعهن بأنها علاجات للتجميل أو تفتيح البشرة، أو تتعلق بالصحة والجمال، فيصدقن الأمر، خصوصاً أنّ أسعارها بمتناول أيديهن. وبعد تناول الحبوب من المرة الأولى، يصبح من الصعب الاستغناء عنها، وتصبح الطالبة مدمنة وضحية نصب واحتيال من زميلة لها".





ولفتت المقدادي إلى أن "مدارس البنات أكثر عرضة لتناول المواد المخدرة بسبب ميولهن للتجميل واستغلال عصابات المخدرات ذلك الأمر للإيقاع بأكبر عدد من الضحايا"، ناصحة الطالبات بأخذ الحيطة والحذر حتى لا يقعن ضحية لما لا تحمد عقباه، لأن مثل تلك الأمور مرفوضة في مجتمع محافظ مثل مجتمع المقدادية.

وعن مصادر المخدرات التي تنتشر في مدينة المقدادية، قال الناشط المدني محمد علي، لـ"العربي الجديد": "إن 90 بالمائة من أبناء المقدادية يعتقدون أن مصدر تلك المخدرات هو إيران لأنها تجاور ديالى، هذا الجوار يدفع ضريبته سكان المدينة على حساب صحة وسمعة أبنائهم، كما أن أغلب الأحزاب المسيطرة على البلدة تحمل ولاءات وأجندات خارجية، لا سيما لإيران، فضلا عن عدم وجود العقوبة الرادعة لمثل تلك الجرائم، ما يسهل عمل العصابات". وأشار إلى أن المخدرات أصبحت تشحن إلى العراق عبر الموانئ والمعابر الحدودية، ولم يحل تجارها إلى المحاكم أو ينالوا العقوبة التي يستحقونها.



وأشار علي إلى إحصائية مستشفى ابن رشد للأمراض النفسية في بغداد، التي بيّنت الارتفاع الكبير في نسبة متعاطي المخدرات بالعراق، واعتبرتها مقلقه. وقال "على الحكومة والجهات ذات العلاقة عدم السكوت حتى لا يصبح خطر المخدرات أقوى من خطر "داعش" والمليشيات على العراقيين".