تراعي الطيور لدى بناء الأعشاش عدد البيض، والبيئة الحاضنة، ونعومة المهد للصغار، وإبعاد الحشرات والطفيليات عنهم، وحمايتهم من الأعداء الطبيعيين.
الطيور التي تصنع عشها في الشجر تخاف على صغارها من السقوط، فتبنيه بحواف على شكل كأس. أما الطيور التي تعشّش على الأرض فلا لزوم لهذه الحواف المرتفعة على جوانب العش، لكنها تتقن تمويهه وتغطيته بنباتات شائكة، كالعليق الذي يحميه من الدخلاء.
هناك أنواع مثل عصفور الزمير الذي يدلّي عشه الكروي ذا الثقب الجانبي فوق نهر جارٍ مربوطاً بغصن شجرة صفصاف، فيضمن عدم اقتراب الكثير من الأعداء. أما العصفور الطنّان فيبني عشه الصغير جداً على غصن شجرة، ويغطيه بطبقة من الطحالب ليبدو كعقدة طبيعية في الغصن، الأمر الذي يصعّب اكتشافه.
أنواع أخرى تبني عدداً يراوح بين 15 و20 عشاً لعلّ أحدها يعجب الأنثى. ولأنها هي صاحبة مهارة البناء، تختار أنسبها وتزيده ريشاً وأعشاباً وتنسجه ليصبح مموهاً. أما الأعشاش الأخرى التي لا تختارها الأنثى فتبقى ذات فائدة لأنّ الأعداء الطبيعيين الذين يحاولون السطو على الأعشاش تخيب محاولاتهم مرة بعد مرة لأنّهم يجدون أعشاشاً فارغة ويتعبون من المحاولات الفاشلة فيقلعون عنها، ويذهبون إلى مناطق أخرى.
هناك تلك الأنواع من الطيور التي تبني أعشاشاً قريبة بعضها من البعض ليدافع الكلّ عن أيّ عش يتعرض للسطو. وهناك أنواع كطائر الغطاس الذي يصنع عشه من أوراق النباتات المائية وسط الماء فيضمن عدم اقتراب أحد من صغاره. أما طائر أبو قير فتدخل أنثاه إلى تجويف شجرة حيث تضع البيض ويغلق الذكر الفتحة بالطين المعجون بالفاكهة، ويترك فتحة صغيرة تمكّنه من جلب الطعام إلى أنثاه وبالتالي إلى صغاره. لكنّ هذه الفتحة لا تترك مجالاً لأيّ حيوان أن يدخل إلى العش. وعندما تكبر الفراخ وتصبح مستعدة للطيران يكسر الأهل جدار الفتحة، أي بعد زوال الخطر الأكبر عن الصغار.
وللحماية من الطفيليات والحشرات، تعمد الطيور إلى استعمال سلاح "التنميل"، أي الإمساك بالنمل بمنقارها وفركه بريشها ثم أكله. بهذه العملية، تؤمّن الطيور الطعام لنفسها وهو خال من حمض النمل أو أسيد فورميك. فهي تحفّ النمل بريشها حتى يفرز الحمض دفاعاً عن النفس فتأكل هي النمل بينما يكتسب الريش الحمض المعروف عنه إبعاده الحشرات والطفيليات وحتى معظم الحيوانات المفترسة.
بدوره، يجلب الزرزور عشبة اليارو (عشبة الجروح) وأوراق الجزر البري ليفرش بها العش، وهي أعشاب طاردة للقمل والبق والعث والكثير من الحشرات والطفيليات.
بعض أنواع العصافير تعشش أسفل أعشاش الطيور الأخرى، مثل الطيور الجارحة، كالعقبان والصقور، حيث لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها، إذ هي في حماية الجوارح.
يضاف إلى كلّ ما ذكرناه أنّ الطائر يحمي عشه أيضاً بالغناء الذي يبعد الطيور الأخرى ويحذرها من الاقتراب، أو يحميه بالهجوم على الدخيل ومصارعته وطرده خارج أرضه وحدود سيطرته إذا لم يردعه الغناء.
*اختصاصي في علم الطيور البريّة