هزيمة "محرجة" لماي في البرلمان البريطاني تقيد صلاحيات حكومتها

14 ديسمبر 2017
تكهنات بإمكانية انهيار حكومة ماي (نيكلاس هالين/فرانس برس)
+ الخط -


لم تهنأ رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، طويلاً بنشوة التقدم الذي حققته مفاوضات بريكست، الجمعة الماضي، حيث تعرضت حكومتها، لهزيمة برلمانية هي الأولى بشأن قانون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

وتمكن تحالف عدد من النواب المحافظين المتمردين على خط الحكومة الرسمية، بالإضافة إلى الأحزاب البرلمانية المعارضة، من توجيه هزيمة وصفت بـ"المخزية" للحكومة البريطانية حول تعديل على قانون بريكست، يمنح البرلمان البريطاني حق "تصويت ذي معنى" على الصفقة النهائية.

وسادت أجواء احتفالية بين صفوف نواب الأحزاب المعارضة، مع إعلان المتحدث باسم المجلس نتيجة التصويت النهائية، والتي قضت بهزيمة الحكومة بفارق أربعة أصوات، أي 309 مقابل 305 أصوات. 

ولا تمتلك حكومة ماي الأغلبية البرلمانية، إذ تحتاج إلى جميع أصوات حزبها، بالإضافة إلى أصوات حزب "الاتحاد الديمقراطي" الإيرلندي الشمالي العشرة، لتمرير تشريعاتها في مجلس العموم. 

وكانت مجموعة من أحد عشر من النواب المحافظين، يقودها المحامي السابق والنائب المحافظ دومينيك غريف، قد تقدمت بتعديل على قانون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، الذي تتم مناقشته حالياً في مجلس العموم. 

ويهدف التعديل الذي تقدم به غريف، في سبتمبر/ أيلول الماضي، بعد تمرير مشروع القانون في مجلس العموم، إلى منح البرلمان حق "تصويت ذي معنى" على الصفقة النهائية مع الاتحاد الأوروبي. 

وكان مشروع القانون الذي طرحته الحكومة يشمل منحها السلطات التشريعية الكافية للتوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي وتمريره من دون العودة إلى البرلمان البريطاني، إلا أن مخاوف البرلمانيين من السلطات التشريعية الهائلة التي يمنحها القانون للسلطات التنفيذية، والتي تعارض في الأساس مبدأ الفصل بين السلطات، دفع غريف وعدداً من البرلمانيين المحافظين إلى "وضع مصلحة البلاد فوق المصلحة الحزبية"، والتمرد على خط الحزب الحاكم الرسمي.

بدورها، قدمت حكومة ماي بعض التنازلات لـ"المتمردين" على مدى الأشهر الماضية، كان آخرها منح البرلمان حق التصويت على وضع الصفقة النهائية، في ما وصف أنه تصويت "خذها أو اتركها"، وهو ما يضع البرلمان في موقف صعب يتجلى في أحد الخيارين: إما قبول الصفقة كما هي، إما خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون صفقة. لكن التعديل المقترح ينص على جعل الصفقة النهائية قانوناً تشريعياً، يتم التصويت عليه في البرلمان، ومن ثم يجري تحويله إلى اللجان البرلمانية، والتي تقترح التعديلات عليه، قبل أن يصل إلى شكله النهائي. 

وبينما دافع متمردو المحافظين والأحزاب المعارضة عن التعديل، كونه يعيد "السيطرة" إلى البرلمان البريطاني، ويمنع تفرد مجموعة من الوزراء بمستقبل البلاد، تجلت حجة مناصري الحكومة في أن مثل هذه الخطوة تعقد من سير عملية بريكست، والذي يجب تحقيقه في موعده في نهاية شهر مارس/ آذار 2019.

وعلّق متحدث باسم ماي على نتيجة التصويت قائلاً "نحن شديدو الوضوح. هذا القانون والسلطات التي يمنحها أساسية جداً. لن يمنعنا هذا التعديل من تحضير مشروعنا القانوني للخروج من الاتحاد. سنحدد الآن فيما إذا كنا نحتاج للتعديل على القانون بحيث نضمن أن يحقق الهدف المطلوب منه".

وسيكون لهذه الهزيمة الحكومية آثارها، خاصة على الحزب الحاكم ذاته، فالتناقضات الموجودة في صفوف الحزب لا تخفى على أحد، والمواجهة بين المؤيدين لبريكست مشدد، الذين يهيمنون على الحزب بحجة تمثيلهم القرار الشعبي بالخروج من الاتحاد الأوروبي، ونظرائهم من المؤيدين للاتحاد الأوروبي، مرتقبة، مع تحول الجهد الحكومي من المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي إلى المفاوضات الداخلية لصياغة شكل بريكست النهائي.

كما أن تصرفات حكومة ماي تعكس عدم اكتراثها برؤية حلفائها خارج دوائر صنع القرار، متناسية خلال ذلك وضعها الحرج في البرلمان البريطاني. ماي لم تبد المرونة الكافية للتعامل مع مطالب المتمردين، مفترضة أنهم سيخضعون في النهاية لرؤية قيادة الحزب، والتي حاولت وكبار حزبها فرضها عليهم بالترهيب والترغيب، وهي المحاولات التي استمرت حتى نصف ساعة قبل موعد التصويت.

ويماثل هذا الخطأ ما وقعت فيه ماي، بداية الأسبوع الماضي، عندما توجهت إلى بروكسل برؤيتها الخاصة حول الحدود الإيرلندية، من دون أن تعير اهتماماً لرؤية حليفها البرلماني الحزب الاتحادي الديمقراطي. وفي كلتا الحالتين، أدى اعتراض الحزب الاتحادي والمتمردين المحافظين، إلى فشل الحكومة في البرلمان. 

كما كان رد فعل العديد من النواب المحافظين عنيفاً على الهزيمة التي تلقوها، فبينما تم طرد ستيفن هاموند، أحد النواب المتمردين، من منصبه كنائب لرئيس الحزب، اتهمت إحدى نواب الحزب المتمردين بـ"الخيانة"، وطالبت بفصلهم لتقويضهم سلطة حكومة ماي لصالح جيريمي كوربين، زعيم حزب العمال المعارض.

وتعزز هزيمة الحكومة البرلمانية من موقف المطالبين ببريكست المخفف، والذين يعتمدون على موقف ماي الضعيف في البرلمان لتحويل سياسات الحكومة باتجاه أقرب إلى الاتحاد الأوروبي. 

وقال زعيم حزب العمال، في معرض تعليقه على هزيمة الحكومة "إنها هزيمة مخزية لسلطة الحكومة عشية القمة الأوروبية". وأضاف "قاومت تيريزا ماي المحاسبة الديمقراطية. ويعني رفضها الإنصات، أنه ستوجب عليها الآن القبول باستعادة البرلمان لزمام الأمور".

وكان حزب العمال قد صوت لصالح التعديل الذي تقدم به متمردو حزب المحافظين، وذلك رغم وجود مناصرين لبريكست المشدد بين صفوفه. وعمل مسؤولو الحزب، بمن فيهم كوربيون، من خلال اتصالات مكثفة، لضمان تصويت كامل أعضاء الحزب لصالح التعديل، ولقطع الطريق على حزب المحافظين الذي حاول استمالة مناصري بريكست في صفوف العمال. 

ولا يتوقع أن تنتهي الهزائم الحكومية في البرلمان عند هذا الحد، فنجاح المتمردين في هذه المغامرة وكسر انضباط الحزب، سيقوي من شوكتهم ويدفع آخرين للانضمام إليهم في مناسبات لاحقة، والتي سيكون البرلمان على موعد مع إحداها الأسبوع المقبل، عندما يتم التصويت على وضع تاريخ الانسحاب من الاتحاد الأوروبي في 29 مارس/ آذار 2019 في نص قانون بريكست.

كما أن ظهور ماي في هذا الموقف الضعيف، يعيد إلى الساحة التكهنات بإمكانية انهيار حكومتها، نظراً لفقدانها الأغلبية التي تحتاجها في البرلمان، وهو ما قد يدفع نحو انتخابات عامة جديدة.

ويأتي ذلك، في وقتٍ تتجه رئيسة الحكومة إلى بروكسل لحضور قمة الاتحاد الأوروبي، والتي يفترض أن يعلن فيها عن التوصل إلى "التقدم المطلوب" للانتقال إلى المرحلة المقبلة من المفاوضات، مع تصاعد الشكوك في الاتحاد حول قدرة حكومتها على تطبيق أي اتفاق يتم التوصل إليه بين الطرفين. 

وبينما رحب منسق البرلمان الأوروبي الخاص ببريكست، غاي فيرهوفشتات، بـ"استعادة البرلمان البريطاني زمام الأمور"، قال رئيس وزراء لوكسمبورغ كزافييه بيتيل، إن الاتحاد الأوروبي لن يعيد عملية التفاوض مع بريطانيا، في حال رفض البرلمان الصفقة التي تتوصل إليها الحكومة.

وتزيد هذه التصريحات من الضغوط التي تتعرض لها حكومة ماي، والتي ستحاول في هذه القمة إقناع زعماء الاتحاد الأوروبي بالبدء بالمحادثات التجارية وحول المرحلة الانتقالية قبل الموعد المقترح في نهاية مارس/ آذار المقبل.