هروب من "دار النعيم"

22 فبراير 2016
هل يختبئ الفارون بين هؤلاء الجموع؟ (Getty)
+ الخط -

مساء الجمعة الماضي، تمكّن 43 سجيناً من الهروب من سجن "دار النعيم" في العاصمة الموريتانية نواكشوط، بعد نحو شهرَين من فرار سجين حكم عليه بالإعدام، وهو ما يثير تساؤلات حول الأوضاع المترديّة للسجون على جميع المستويات. ويُعدّ الحادث الأكبر من نوعه في تاريخ البلاد والأكثر تأثيراً في نفسية الموريتانيين، إذ إن الفارين من أخطر السجناء المتهمين بالقتل والاغتصاب والسطو.

استغل السجناء ضعف الحراسة الأمنية خلال العطلة الأسبوعية، لينفذوا خطة هروبهم. أثار بعضهم الفوضى خلال موعد العشاء ليتمكن آخرون من اقتحام بوابة الساحة الأمامية القريبة من بوابة السجن الرئيسية. اعتدوا على الحراس واستولوا على المفاتيح، وهو ما مكّن عدداً كبيراً منهم من الفرار قبل أن يستعيد الحراس سيطرتهم. يُذكر أن من بين السجناء الفارين ستة محكومين بالإعدام لارتكابهم جرائم قتل واغتصاب.

وينفّذ سجناء موريتانيا من حين إلى آخر، عمليات فرار "هوليودية"، بعضها مقتبس من أفلام وأخرى تصلح قصة جديدة لفيلم سينمائي ناجح آخر يتناول هذا الموضوع. وتتعدد طرق تنفيذ هذه العمليات الجريئة، فيما تسجّل حصّة لعمليات الفرار الجماعي.
وإذا كان القاسم المشترك بين جميع هذه العمليات هو استغلال ضعف الإجراءات الأمنية، فإن لخيال السجناء ومغامراتهم التي تشغل الرأي العام والصحافة لغرابتها، دوراً كبيراً في نجاح هذه العمليات. هؤلاء السجناء يلجأون إلى كل حيل الخداع والمكر لإدخال المواد الممنوعة كالهواتف والآلات الحادة وأزياء التخفي إلى السجن، ولهم في ذلك تقنيات عالية في تهريب المواد داخل الأطعمة والحاجيات التي تجهزها أسرهم.

كذلك، يشكّل السجناء أداة ضغط على السلطات الأمنية بسبب الاكتظاظ وسوء المعاملة التي يعانون منها، فينفذون إضرابات جماعية عن الطعام تنتهي بإطعامهم قسراً أو يمتنعون عن الخروج للنزهة اليومية في السجن. ومن حين إلى آخر، يقودون تمرداً ويعتقلون حراسهم ويضرمون النار في حجرات المراقبين لتلبية طلباتهم، وعلى رأسها الخلوة الشرعية مع الزوجات.
خلال الأعوام العشرة الماضية، سُجّلت عمليات فرار نوعية، آخرها تلك التي نفذها قيادي من تنظيم القاعدة في آخر يوم من السنة الماضية. استغل الشيخ ولد السالك، المحكوم بالإعدام في قضايا إرهابية، الزيارات العائلية التي نظمتها مؤسسة السجن المركزي في نواكشوط بمناسبة رأس السنة، للفرار عبر الخروج مع الزائرين مستعملاً بدلة حرس السجن.
وقد اعتاد الفارون استخدام أزياء مختلفة لإنجاح عملياتهم. ولعل أشهر عملية في هذا الإطار، فرار ثلاثة سجناء وهم يرتدون عباءات نسائية، مستغلين ضعف الرقابة وغياب المسؤولة عن تفتيش النساء.

وفي عام 2007، تمكّن أكثر من ثلاثين سجيناً من الفرار من سجن العاصمة نواكشوط بعدما حفروا نفقاً يؤدي إلى خارجه، وقد استغرق حفرهم له أياماً عدّة من دون أن يكتشفهم الحراس والمراقبون. على الأثر، قادت السلطات أكبر حملة أمنية لاعتقالهم بعدما أثارت القضية حفيظة المواطنين، لأن أكثر الفارين متهمون بالقتل العمد والاغتصاب والسرقة. ولم تتمكّن إلا من اعتقال سبعة منهم. وفي العام التالي، تكرّرت العملية مع فرار 16 سجيناً، وقد ألقي القبض على خمسة منهم.

على الرغم مما قد يشير إليه البعض من قدرة سجناء موريتانيا على استغلال ثغرة معيّنة في نظام السجون في البلاد، إلا أنّ معاناة هؤلاء كبيرة والحقيقة لا تختصرها عمليات الهروب. بحسب شهادات السجناء وتقارير تصدرها منظمات حقوقية تزور السجون، فإن السجناء يعانون من شتى أنواع الانتهاكات.. تعذيب واكتظاظ وسوء معاملة وضعف الرعاية الصحية وارتفاع حالات الوفاة بينهم. وهو ما يدفع الخبراء إلى السؤال عن دور المؤسسة السجنية في انحراف السجين، بينما هي مطالبة بإعادة تأهيله ليندمج في المجتمع.

إلى ذلك، يفيد المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان، في تقرير حديث، بأن السجن المركزي في العاصمة نواكشوط أصبح مدرسة لتخريج المجرمين المحترفين، بفعل سياسة الإهمال. ويؤكد أن وسائل التأهيل والتربية تنعدم فيه، على الرغم من أنها مما يكفل إعادة دمج نزلائه مجدداً في المجتمع، بالإضافة إلى الاكتظاظ الشديد وانتشار المخدرات والاعتداءات الجنسية.
وينتقد المرصد احتجاز القصّر في العنابر نفسها مع البالغين ومع كبار المجرمين، إلى جانب الضعف الشديد في رعايتهم صحياً وغذائياً. كذلك ينتقد إهمال المرضى وعدم توفير العلاج المناسب لهم، الأمر الذي أدّى إلى وفيات عديدة في صفوف السجناء خلال السنوات الثلاث الماضية.

يقول الخبير القانوني محمد الأمين ولد أباه إن "عمليات الفرار الجريئة التي ينفذها السجناء تؤكد وجود اختلالات داخل المؤسسة السجنية وتعكس حجم معاناة السجين، لأن فشل المغامرة يعني العزل وعدم الاستفادة من رخصة تخفيف العقوبة ومنع الزيارات العائلية فترة من الزمن". ويشير لـ"العربي الجديد" إلى أن "تقارير الرصد التي تصدرها المنظمات الحقوقية تؤكد أن السجون حالياً غير قادرة على أداء وظيفتها وهي الإصلاح والتأهيل، لا بل أصبحت معتقلات لتخريج مجرمين ناقمين على المجتمع". ويطالب ولد أباه "باحترام الطاقة الاستيعابية للسجون وتشييد مراكز تأهيل جديدة لاستيعاب السجناء والحفاظ على كرامتهم وإنسانيتهم وتأهيلهم، من خلال تعليمهم وتدريبهم"، بالإضافة إلى "توفير رعاية صحية وغذائية مناسبة لأعداد السجناء، وفرض النظام لمواجهة الانحرافات ومنع حالات الفرار".

اقرأ أيضاً: محاولات حكومية لتحسين السجون الموريتانية