يتخوف ناصر مبارك، المدير العام للبنك الوطني للجينات في وزارة الفلاحة التونسية (يُعنى بحفظ وتقييم الموارد الوراثية النباتية والحيوانية) من استمرار ري بعض الأشجار بهرمون حمض جبرلين الذي يعمل على تسريع النمو وإنضاج الغلال الصيفية، كونه لا يخلو من مضار على صحة المستهلكين.
ويضع الفلاح الهرمون في الماء ثم تسقى به الأشجار، أو يرش على الأوراق لتعجيل نضج الثمار مثل الفراولة أو الخوخ والبطيخ والشمام، بحسب ما أوضحه مبارك والذي سبق أن رصد ووثق قيام بعض الفلاحين برش المبيدات على الغلال وآخرون من ورائهم يجمعون المحاصيل، في الوقت ذاته، من دون انتظار فترة تحلل متبقيات المبيدات والتي تبلغ 15 يوما لتصبح ضمن المعدلات الآمنة حتى لا تضر بالمستهلك كما يقول، مضيفا أنه وقع ضحية بعض تلك الغلال إذ تعرض لآلام في البطن عقب استهلاكه للخوخ البدري (نضج في غير موسمه). ولدى استفساره من الإطار الطبي الذي فحصه، علم بأنه تعرض للتسمم نتيجة وجود نسبة عالية من متبقيات مبيدات خاصة بمحاربة الآفات الزراعية.
اقــرأ أيضاً
تسريع نضج الفاكهة
استقبل سوق الجملة في ضاحية بئر القصعة القريب من مدينة بن عروس جنوبا (أكبر سوق يستقبل المنتجات الفلاحية في تونس) في 12مايو/أيار الماضي، 505 أطنان من الغلال الصيفية، بحسب تأكيد إبراهيم الطرابلسي عضو المكتب التنفيذي المكلف بالأشجار المثمرة في الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، (نقابة فلاحية تونسية) والذي قال لـ"العربي الجديد"، إن "الخوخ والشمام والبطيخ غلال بدرية أي تنضج قبل أوانها".
ويتوفر المنتوج البدري من الغلال في 25 إبريل/نيسان، بحسب الطرابلسي، الذي أشار إلى أنه عند انطلاق جني الغلال البدرية من كل موسم، تكثر الشائعات حولها، خاصة على صفحات التواصل الاجتماعي وهو ما يدفع بالمستهلك إلى العزوف عن شرائها. ويقول الطرابلسي إنّ التجاوزات موجودة، ولكن لا يمكن تحميل قطاع كامل مسؤولية ما يفعله بعض الفلاحين من ممارسات لتسريع نضج الغلال وجنيها.
مكونات خطرة
رصد الباحث في المعهد الوطني للعلوم الفلاحية التابع لجامعة قرطاج (بإشراف مزدوج بين وزارتي الفلاحة والتعليم العالي)، صدر الدين قلال، استعمال العديد من الهرمونات في المجال الفلاحي بعضها لتثبيت الأزهار والثمار، وأخرى لتسريع نمو بعض الغلال التي تجمع خضراء مثل الخوخ والعوينة (البرقوق) والمشمش والموز وتوضع في مخازن التبريد، وعندما يحين موعد ترويجها في الأسواق يتم رشها بهرمونات تمنحها اللون، وتحول النشا داخلها إلى سكر ما يمنحها الطعم الحلو، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن الأخطر من الهرمونات هي المبيدات التي تستعمل عشوائيا في الخوخ والتفاح والإجاص وفي عديد الغلال الصيفية، لمقاومة الحشرات والآفات، ثم توضع مباشرة في بيوت التبريد، ويتم رشها بمواد تمنحها اللمعان وأخرى الاحمرار، وهو ما يؤكده المكي بالرحومة الفلاح المختص في الأشجار المثمرة البيولوجية (تعتمد على مواد غير كيماوية)، والذي رصد استعمال بعض زملائه المفرط لمواد تسريع النمو دون ضوابط مثل حمض السلفوريك (الكبريتيك) الذي يذوب في الماء ويستعمل لتقوية جذور الأشجار وله عديد المضار الصحية، خاصة إذا وضع عشوائيا، وكذلك مادة نيترات البوتاسيوم المعدة لتحسين إنتاجية النباتات، وتحسين أنواعها، وتقوية التربة وعلاجها من الأمراض، والتي تباع للفلاحين في شكل مسحوق سريع الذوبان في الماء لكن هذا المنتج خطير جدا إذا استعمل عشوائيا وفق ما قال.
ويعرب قلال عن تخوفه من أن تحديد كميات المتبقيات من المبيدات في جميع الغلال المروجة في الأسواق التونسية غير ممكن، لأنه لا تتم مراقبة كل ما يتم بيعه محليا ولا يتم وضع مصدر المنتوج على الغلال، وعادة ما تقتصر الرقابة على المنتجات التي ستوجه إلى التصدير، أو عند جلب غلال إلى تونس عبر التوريد. ولا ينكر رئيس قسم التغذية في المعهد الوطني للتغذية بوزارة الصحة، الدكتور الطاهر الغربي، وجود بعض التجاوزات في القطاع الفلاحي وخاصة في الغلال، كما يقول لـ"العربي الجديد" لافتا إلى أنّ الإشكال يكمن في ظهور الغلال في غير وقتها، مع غياب تام للتثقيف الصحي والغذائي والذي تتحمل مسؤوليته وزارة الصحة ومنظمات المجتمع المدني.
12 ألف إصابة جديدة بالسرطان
يجهل المستهلك مصدر مختلف أنواع الغلال التي يجدها في الأسواق وفي أي ظروف أنتجت، بحسب الدكتور الغربي، الذي يشير إلى أن خارطة الأمراض في تونس تغيرت، إذ توجد ما بين 12 ألف و14 ألف إصابة جديدة بالسرطان سنويا، 35 في المائة منها سببها التغذية بحسب ما أكدته أستاذة علم الأورام في معهد صالح عزيز الحكومي (المركز التونسي لمقاومة السرطان)، الدكتورة نسرين شريط الخياطي، خلال ملتقى وطني حول الأمراض السرطانية الذي عقد في 10 فبراير/شباط 2018 بالعاصمة. وقد يتسبب تعامل الأشخاص مع كميات كبيرة من مبيدات الآفات في الإصابة بالتسمم الحاد، أو حدوث آثار صحية طويلة الأمد، بما في ذلك السرطان والآثار الضارة على الإنجاب وفق تقرير "مخلفات مبيدات الآفات في الغذاء" الصادر عن منظمة الصحة العالمية في 19 فبراير 2018، والذي أكد أن مبيدات الآفات هي من الأسباب الرئيسية للوفاة بسبب التسمم الذاتي، ولا سيما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
وأكد الدكتور الغربي أن الاستعمال المكثف للمبيدات يجعل من عملية غسل الثمار جيدا بالماء غير كافية ولا يوفر الحماية مما قد يتسرب إلى الجسم من سموم، في ظل صعوبة التفطن إلى ما يقع من تجاوزات في استعمال المبيدات الكيماوية من أجل توفير الإنتاج في غير أوانه كما يقول. لكن مدير إدارة حفظ صحة الوسط وحماية المحيط بوزارة الصحة، محمد الرابحي يؤكد أنّ وزارته تأخذ عينات عشوائية من الغلال وتقوم بتحليلها لتحديد نسبة متبقيات المبيدات، ويطمئن إلى أن التحاليل التي قاموا بها على عينات من الغلال منذ بداية يناير/كانون الثاني إلى 24 مايو الماضي، أثبتت عدم وجود ما يثير الريبة، مشيرا في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنّ معظم المبيدات المستعملة تكون آثارها على الغلاف الخارجي للغلال ونادرا ما تطاول الثمرة من الداخل، وهذا لا يمنع المستهلك من غسل الغلال جيدا وفي حالة الشك من التلوث لا بد من تطهير المنتج بماء الجفال (مطهر يقضي على الجراثيم) كما يقول.
اقــرأ أيضاً
صعوبات تواجه القطاع الفلاحي
يستعمل الفلاح التونسي ما يوجد في السوق وما توفره الدولة من مبيدات الآفات بحسب الطرابلسي، والذي قال إنه لا توجد خيارات أمام المزارع، وبالتالي فإن الدولة هي المسؤولة، مضيفا أن نسبة 43% من الفلاحين التونسيين هم من كبار السن الذين تجاوزت أعمارهم 60 عاما، وتشكل الأميّة الفلاحية عائقا كبيرا أمام العديد من الفلاحين، إذ تمثل نسبتها 46 في المائة من إجمالي الفلاحين.
ويعاني القطاع الزراعي من مشاكل وصعوبات عديدة، منها المديونية وتكاليف باهظة للإنتاج، بحسب الطرابلسي، مشيرا إلى أن العمل الفلاحي لم يعد مربحا، والمزارع يتكبد خسائر عديدة، لأن الدولة لا تملك رؤيا واضحة تجاه القطاع الفلاحي. ولا ينفي نائب مدير إدارة الصحة النباتية في وزارة الفلاحة، شعبان بن موسى، وجود المشكلة قائلا لـ"العربي الجديد" إن "وزارة الفلاحة لا يمكنها مراقبة ما يستعمله الفلاح من أسمدة ومبيدات على أرضه، وما إذا كان يحترم فترة الأمان مباشرة بعد وضع المبيدات على الغلال أو الاشجار أم لا"؟ ويؤكد بن موسى عدم وجود نص قانوني خاص باستعمال الأسمدة المخصصة للزراعة، لكنه يأمل الانتهاء من المشاورات بوزارتي الفلاحة والموارد المائية للاتفاق حول بنود القانون، لكي يرى النور قريبا حسب قوله.
غياب الحلول البديلة
طالب المحاضر المختص في التحسين الوراثي بالمعهد الوطني للعلوم الفلاحية، منور الجمالي بدق ناقوس الخطر لفرض شروط السلامة في الاستهلاك الغذائي، قائلاً لـ"العربي الجديد" إنه لا بد من ضمان المعدلات الآمنة فيما يتعلق بمتبقيات المبيدات وهو ما يتطلب تدعيم المراقبة على القطاع أكثر. وتوجد في تونس 32 شركة تتولى توريد المبيدات الفلاحية بحسب بن موسى، مشيرا إلى أن قبول ملفات هذه الشركات يخضع إلى شروط صارمة وهي شهادة مصادقة لاستعمال المبيد من بلد المنشأ وخصائص فنية تتعلق بالمواصفات الكيماوية والسمية وتأثيراتها على النظم البيئية ومدى نجاعتها والجرعات المناسبة ودراسات حول نسب المتبقيات.
لكن الباحث صدر الدين قلال، يأمل في تعديل كراس الشروط الخاص بتوريد وبيع المبيدات المستعملة في المجال الفلاحي في تونس، لافتاً إلى أن كراس الشروط المعمول به قديم ووضع في 2003 لفتح المجال أمام بعض رؤوس الأموال لبيع المبيدات الكيماوية في الوقت الذي تعمل فيه البلدان الأوروبية والأجنبية المصدرة لتلك المواد على تشجيع فلاحيها على استعمال المواد البيولوجية الآمنة وغير الكيماوية، وهو ما يؤيده الجمالي قائلا: "تغيير المبيدات الكيماوية بمنتجات بيولوجية أكثر أمانا أفضل لصحة الفلاح والمستهلك، ويجب المداواة عندما لا تكون هناك ثمار على عكس ما يقوم به بعض الفلاحين ممن يستخدمون المبيدات باستمرار وأحيانا قبل يوم واحد من جني الثمار، وهو ما يجب على الدولة أن تضع حداً له".
ويضع الفلاح الهرمون في الماء ثم تسقى به الأشجار، أو يرش على الأوراق لتعجيل نضج الثمار مثل الفراولة أو الخوخ والبطيخ والشمام، بحسب ما أوضحه مبارك والذي سبق أن رصد ووثق قيام بعض الفلاحين برش المبيدات على الغلال وآخرون من ورائهم يجمعون المحاصيل، في الوقت ذاته، من دون انتظار فترة تحلل متبقيات المبيدات والتي تبلغ 15 يوما لتصبح ضمن المعدلات الآمنة حتى لا تضر بالمستهلك كما يقول، مضيفا أنه وقع ضحية بعض تلك الغلال إذ تعرض لآلام في البطن عقب استهلاكه للخوخ البدري (نضج في غير موسمه). ولدى استفساره من الإطار الطبي الذي فحصه، علم بأنه تعرض للتسمم نتيجة وجود نسبة عالية من متبقيات مبيدات خاصة بمحاربة الآفات الزراعية.
تسريع نضج الفاكهة
استقبل سوق الجملة في ضاحية بئر القصعة القريب من مدينة بن عروس جنوبا (أكبر سوق يستقبل المنتجات الفلاحية في تونس) في 12مايو/أيار الماضي، 505 أطنان من الغلال الصيفية، بحسب تأكيد إبراهيم الطرابلسي عضو المكتب التنفيذي المكلف بالأشجار المثمرة في الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، (نقابة فلاحية تونسية) والذي قال لـ"العربي الجديد"، إن "الخوخ والشمام والبطيخ غلال بدرية أي تنضج قبل أوانها".
ويتوفر المنتوج البدري من الغلال في 25 إبريل/نيسان، بحسب الطرابلسي، الذي أشار إلى أنه عند انطلاق جني الغلال البدرية من كل موسم، تكثر الشائعات حولها، خاصة على صفحات التواصل الاجتماعي وهو ما يدفع بالمستهلك إلى العزوف عن شرائها. ويقول الطرابلسي إنّ التجاوزات موجودة، ولكن لا يمكن تحميل قطاع كامل مسؤولية ما يفعله بعض الفلاحين من ممارسات لتسريع نضج الغلال وجنيها.
مكونات خطرة
رصد الباحث في المعهد الوطني للعلوم الفلاحية التابع لجامعة قرطاج (بإشراف مزدوج بين وزارتي الفلاحة والتعليم العالي)، صدر الدين قلال، استعمال العديد من الهرمونات في المجال الفلاحي بعضها لتثبيت الأزهار والثمار، وأخرى لتسريع نمو بعض الغلال التي تجمع خضراء مثل الخوخ والعوينة (البرقوق) والمشمش والموز وتوضع في مخازن التبريد، وعندما يحين موعد ترويجها في الأسواق يتم رشها بهرمونات تمنحها اللون، وتحول النشا داخلها إلى سكر ما يمنحها الطعم الحلو، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن الأخطر من الهرمونات هي المبيدات التي تستعمل عشوائيا في الخوخ والتفاح والإجاص وفي عديد الغلال الصيفية، لمقاومة الحشرات والآفات، ثم توضع مباشرة في بيوت التبريد، ويتم رشها بمواد تمنحها اللمعان وأخرى الاحمرار، وهو ما يؤكده المكي بالرحومة الفلاح المختص في الأشجار المثمرة البيولوجية (تعتمد على مواد غير كيماوية)، والذي رصد استعمال بعض زملائه المفرط لمواد تسريع النمو دون ضوابط مثل حمض السلفوريك (الكبريتيك) الذي يذوب في الماء ويستعمل لتقوية جذور الأشجار وله عديد المضار الصحية، خاصة إذا وضع عشوائيا، وكذلك مادة نيترات البوتاسيوم المعدة لتحسين إنتاجية النباتات، وتحسين أنواعها، وتقوية التربة وعلاجها من الأمراض، والتي تباع للفلاحين في شكل مسحوق سريع الذوبان في الماء لكن هذا المنتج خطير جدا إذا استعمل عشوائيا وفق ما قال.
ويعرب قلال عن تخوفه من أن تحديد كميات المتبقيات من المبيدات في جميع الغلال المروجة في الأسواق التونسية غير ممكن، لأنه لا تتم مراقبة كل ما يتم بيعه محليا ولا يتم وضع مصدر المنتوج على الغلال، وعادة ما تقتصر الرقابة على المنتجات التي ستوجه إلى التصدير، أو عند جلب غلال إلى تونس عبر التوريد. ولا ينكر رئيس قسم التغذية في المعهد الوطني للتغذية بوزارة الصحة، الدكتور الطاهر الغربي، وجود بعض التجاوزات في القطاع الفلاحي وخاصة في الغلال، كما يقول لـ"العربي الجديد" لافتا إلى أنّ الإشكال يكمن في ظهور الغلال في غير وقتها، مع غياب تام للتثقيف الصحي والغذائي والذي تتحمل مسؤوليته وزارة الصحة ومنظمات المجتمع المدني.
12 ألف إصابة جديدة بالسرطان
يجهل المستهلك مصدر مختلف أنواع الغلال التي يجدها في الأسواق وفي أي ظروف أنتجت، بحسب الدكتور الغربي، الذي يشير إلى أن خارطة الأمراض في تونس تغيرت، إذ توجد ما بين 12 ألف و14 ألف إصابة جديدة بالسرطان سنويا، 35 في المائة منها سببها التغذية بحسب ما أكدته أستاذة علم الأورام في معهد صالح عزيز الحكومي (المركز التونسي لمقاومة السرطان)، الدكتورة نسرين شريط الخياطي، خلال ملتقى وطني حول الأمراض السرطانية الذي عقد في 10 فبراير/شباط 2018 بالعاصمة. وقد يتسبب تعامل الأشخاص مع كميات كبيرة من مبيدات الآفات في الإصابة بالتسمم الحاد، أو حدوث آثار صحية طويلة الأمد، بما في ذلك السرطان والآثار الضارة على الإنجاب وفق تقرير "مخلفات مبيدات الآفات في الغذاء" الصادر عن منظمة الصحة العالمية في 19 فبراير 2018، والذي أكد أن مبيدات الآفات هي من الأسباب الرئيسية للوفاة بسبب التسمم الذاتي، ولا سيما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
وأكد الدكتور الغربي أن الاستعمال المكثف للمبيدات يجعل من عملية غسل الثمار جيدا بالماء غير كافية ولا يوفر الحماية مما قد يتسرب إلى الجسم من سموم، في ظل صعوبة التفطن إلى ما يقع من تجاوزات في استعمال المبيدات الكيماوية من أجل توفير الإنتاج في غير أوانه كما يقول. لكن مدير إدارة حفظ صحة الوسط وحماية المحيط بوزارة الصحة، محمد الرابحي يؤكد أنّ وزارته تأخذ عينات عشوائية من الغلال وتقوم بتحليلها لتحديد نسبة متبقيات المبيدات، ويطمئن إلى أن التحاليل التي قاموا بها على عينات من الغلال منذ بداية يناير/كانون الثاني إلى 24 مايو الماضي، أثبتت عدم وجود ما يثير الريبة، مشيرا في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنّ معظم المبيدات المستعملة تكون آثارها على الغلاف الخارجي للغلال ونادرا ما تطاول الثمرة من الداخل، وهذا لا يمنع المستهلك من غسل الغلال جيدا وفي حالة الشك من التلوث لا بد من تطهير المنتج بماء الجفال (مطهر يقضي على الجراثيم) كما يقول.
صعوبات تواجه القطاع الفلاحي
يستعمل الفلاح التونسي ما يوجد في السوق وما توفره الدولة من مبيدات الآفات بحسب الطرابلسي، والذي قال إنه لا توجد خيارات أمام المزارع، وبالتالي فإن الدولة هي المسؤولة، مضيفا أن نسبة 43% من الفلاحين التونسيين هم من كبار السن الذين تجاوزت أعمارهم 60 عاما، وتشكل الأميّة الفلاحية عائقا كبيرا أمام العديد من الفلاحين، إذ تمثل نسبتها 46 في المائة من إجمالي الفلاحين.
ويعاني القطاع الزراعي من مشاكل وصعوبات عديدة، منها المديونية وتكاليف باهظة للإنتاج، بحسب الطرابلسي، مشيرا إلى أن العمل الفلاحي لم يعد مربحا، والمزارع يتكبد خسائر عديدة، لأن الدولة لا تملك رؤيا واضحة تجاه القطاع الفلاحي. ولا ينفي نائب مدير إدارة الصحة النباتية في وزارة الفلاحة، شعبان بن موسى، وجود المشكلة قائلا لـ"العربي الجديد" إن "وزارة الفلاحة لا يمكنها مراقبة ما يستعمله الفلاح من أسمدة ومبيدات على أرضه، وما إذا كان يحترم فترة الأمان مباشرة بعد وضع المبيدات على الغلال أو الاشجار أم لا"؟ ويؤكد بن موسى عدم وجود نص قانوني خاص باستعمال الأسمدة المخصصة للزراعة، لكنه يأمل الانتهاء من المشاورات بوزارتي الفلاحة والموارد المائية للاتفاق حول بنود القانون، لكي يرى النور قريبا حسب قوله.
غياب الحلول البديلة
طالب المحاضر المختص في التحسين الوراثي بالمعهد الوطني للعلوم الفلاحية، منور الجمالي بدق ناقوس الخطر لفرض شروط السلامة في الاستهلاك الغذائي، قائلاً لـ"العربي الجديد" إنه لا بد من ضمان المعدلات الآمنة فيما يتعلق بمتبقيات المبيدات وهو ما يتطلب تدعيم المراقبة على القطاع أكثر. وتوجد في تونس 32 شركة تتولى توريد المبيدات الفلاحية بحسب بن موسى، مشيرا إلى أن قبول ملفات هذه الشركات يخضع إلى شروط صارمة وهي شهادة مصادقة لاستعمال المبيد من بلد المنشأ وخصائص فنية تتعلق بالمواصفات الكيماوية والسمية وتأثيراتها على النظم البيئية ومدى نجاعتها والجرعات المناسبة ودراسات حول نسب المتبقيات.
لكن الباحث صدر الدين قلال، يأمل في تعديل كراس الشروط الخاص بتوريد وبيع المبيدات المستعملة في المجال الفلاحي في تونس، لافتاً إلى أن كراس الشروط المعمول به قديم ووضع في 2003 لفتح المجال أمام بعض رؤوس الأموال لبيع المبيدات الكيماوية في الوقت الذي تعمل فيه البلدان الأوروبية والأجنبية المصدرة لتلك المواد على تشجيع فلاحيها على استعمال المواد البيولوجية الآمنة وغير الكيماوية، وهو ما يؤيده الجمالي قائلا: "تغيير المبيدات الكيماوية بمنتجات بيولوجية أكثر أمانا أفضل لصحة الفلاح والمستهلك، ويجب المداواة عندما لا تكون هناك ثمار على عكس ما يقوم به بعض الفلاحين ممن يستخدمون المبيدات باستمرار وأحيانا قبل يوم واحد من جني الثمار، وهو ما يجب على الدولة أن تضع حداً له".