هذه دمشق في رمضان

25 يونيو 2016
خبز برسم البيع (فرانس برس)
+ الخط -
سُجّلت في العاصمة السورية دمشق ومجمل المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، أجواء غضب وتذمّر بسبب قرار الحكومة رفع أسعار المحروقات بنسبة 35 في المائة، إذ ينعكس ذلك زيادة على معظم المواد الاستهلاكية وكذلك بدلات المواصلات، ولا سيّما خلال شهر رمضان. وهو ما دفع برئيس النظام بشار الأسد إلى إصدار مرسوم يقضي بزيادة فوريّة على الرواتب والأجور.

وشهر رمضان الذي يقترب من نهايته، كشف هذا العام مدى تدهور مستوى معيشة الأسر السورية بمعظمها. ومن يتجوّل في أسواق دمشق، يلاحظ أنّ محلات تجارية كثيرة أغلقت أبوابها نتيجة خروج فئة التجار الصغار من السوق، لعدم قدرتهم على مجاراة جنون الأسعار وتدنّي القدرة الشرائية للمواطنين. ولم يبقَ في السوق سوى "تجّار الأزمات" كما تسمّيهم مواقع عديدة ترصد حياة الناس اليومية، بينما تغيب السلطات عن المشهد. يُذكر أنّ ثمّة محاولات خجولة للحدّ من تدهور العملة وضبط الأسعار أو توزيع بعض المساعدات، في حين أنّ كلّ شيء ينذر بـ"ثورة جياع" بحسب بعض تلك المواقع المذكورة.

ويستذكر الناس من مواطنين وباعة بحسرة "الأيام الخوالي" حين كان شهر رمضان مناسبة "عظيمة" للتسوّق الذي كان يبدأ عادة قبل أسبوع من الشهر الفضيل. وكانت الأسواق تعجّ بالزبائن ليلاً نهاراً، بينما يكثر التجوال اليوم ويقلّ الشراء. وإن اشترى الناس، فبكميات قليلة يخجل منها أصحابها. فهؤلاء لم يعتادوا شراء اللحم مثلاً بالأوقية، على سبيل المثال.

يُذكر أنّ السلطات من جانبها، سعت إلى مسايرة أجواء التذمّر، وسمحت بتنظيم اعتصام محدود أمام مجلس الشعب الأحد الماضي، رفع خلاله المعتصمون لافتات ترفض قرار الحكومة رفع أسعار المحروقات وتطالب بتدخّلها لضبط الفوضى في الأسواق. فالمواطن العادي أصبح عاجزاً حتى عن تأمين الحدّ الأدنى من قوت أسرته اليومي.


ولعلّ الصور التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي الموالية للنظام، والتي تظهر تجمهر الآلاف من رجال ونساء في حيّ الميدان العريق في دمشق من أجل الحصول على مساعدات غذائية من إحدى الجمعيات الخيرية، تكشف الحالة المزرية التي آلت إليها أوضاع الناس الاقتصادية. وإذا كان هذا يحصل في منطقة الميدان، وهي من الأحياء الشامية الميسورة ، فما هي حال الأحياء الفقيرة على أطراف المدينة، التي يخضع كثير منها للحصار من قبل قوات النظام؟

من جهة أخرى، يشير متابعون إلى تراجع كبير في حجم التبرّعات التي كان يقدّمها الميسورون للمحتاجين، لا سيّما خلال شهر رمضان، وذلك نتيجة الهجرة الكبيرة التي تُسجَّل بين المقتدرين.
والفقر الذي يتغلغل أكثر فأكثر في دمشق، دفع بكثيرين من سكانها، ولا سيّما النازحين إليها من المناطق الساخنة، إلى البحث في حاويات القمامة عمّا يمكن بيعه من بلاستيك ونحاس وألمنيوم وعبوات زجاجية فارغة، ليشتروا بثمنه بعض الطعام.

تجدر الإشارة إلى أنّه وفق المقاييس العالمية، كلّ شخص يقلّ دخله عن دولارَين أميركيَين اثنَين في اليوم، تحت خطّ الفقر. وهو ما يعني أنّ معظم سكان البلاد، أصبحوا فعلاً تحت خطّ الفقر والجوع. حتّى مع احتساب الزيادة الأخيرة على الرواتب التي لم يتقاضاها الناس بعد، فإنّ متوسط الرواتب يصل إلى 30 ألف ليرة سوريّة، أي نحو 60 دولاراً أميركياً في الشهر للعائلة كلها، وليس للفرد الواحد. وبحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة، فإنّ أكثر من نصف السكان يعيشون على خطّ الفقر، فيما يعيش نحو ستة ملايين في فقر مدقع. وقد عزت المنظمة ارتفاع نسبة الفقر في سورية إلى أنّ معظم النازحين في الداخل والبالغ عددهم نحو سبعة ملايين نازح، قد استنفدوا مدخراتهم ولم يعد بإمكانهم التأقلم مع الأزمات الاقتصادية التي تتعرض لها البلاد.

الفقراء أكثرية ساحقة
قال تقرير للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) وجامعة "سانت إندروز" البريطانية إنّ عدد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر تضاعف نحو ثلاث مرات منذ اندلاع الحرب قبل خمس سنوات. وتصل نسبة هؤلاء الفقراء إلى 83.4 % من السوريين، مقارنة بـ28 % عام 2010. بينما يفتقد 12.1 مليون سوري إلى المياه الصالحة للشرب، وخدمات الصرف الصحي بشكل كاف.