هذه الليلة طويلة أكثر مما ينبغي

21 مايو 2015
+ الخط -
- "كيف حال البشر الآن يا أمير؟ أذكر أنهم كانوا أشراراً.
- إنهم هكذا دائما".

رواية "العنف والسخرية" ألبير قيصري
*******

لعنة الموت تطل من حولنا، تفرض علينا حالة من الغربة المفاجئة، يظل العقل غائباً لمدة، معلقاً في السماء، يُسائل الله لِمَ الموت والفراق.

لكي نكون أكثر اتساقًا مع أنفسنا، يجب أن ندرك أن هذه الحياة تدفعنا للموت. العاشقون هم الذين يعيشون على هامش الحياة، غير مكترثين بقوانين كونت الاجتماعية، ينظرون للحياة، كل الحياة، على أنها تخضع لقوانين الصدفة، والمغامرة هي التي تؤجل رغبتنا في الموت بضع لحظات قليلة، كي نرى المشهد السرمدي خلف ستائر المسرح. المنتحرون هم أناس فقدوا روح السخرية في التعاطي مع هذه الحياة، تشبعوا بالثقل، وأصبحوا لا يستطيعون الانتظار.
******

يتركنا الراحلون حائرين في كوابيس ليلية، تذكرنا بوجوههم، وأصوات أنينهم وضحكاتهم. الخيارات أصبحت محدودة أمامنا، أنسلك طريق الوفاء لهم ونناضل لاسترداد بعض من الكرامة؟!

أم نمشي في طريقنا غير عابئين بهم، وبقضية الجد فيها سيحولنا لضحايا جدد، نقف أمام طلقات الرصاص، أو نقبع خلف جدران السجان، أو نرمي بأنفسنا من أعلى كوبري قصر النيل، أو نعلق رقابنا على لوحة إعلانات كبيرة في الطريق الواصل بين المدن المقهورة، لكي نجتمع بهم بين دفات التاريخ؟!
******

هذه الليلة طويلة أكثر مما ينبغي، دخان السيجار حولنا منتشر بلا هدف، وأصوات الموسيقى أزعجت النائمين في الغرفة المجاورة، والشارع الأمامي انقطع عنه التيار الكهربائي فجأة، وهنا نحن جالسون على المقعد الخشبي حتى تورمت مؤخراتنا، وما زلنا نفكر، أنحن خائنون؟!
******

أبطال الروايات المأساوية يأثرون قلوبنا، يأخذوننا معهم في تفاصيل حياتهم الصغيرة، الصعاب والعواقب الوخيمة التي تجبرهم عليها ظروفهم. ندخل معهم في علاقات طويلة، وجاذبة، حتى ينتهي الراوي من روايته بكلمات، قد يُظرف الدمع معها، أو نقابلها بابتسامة هادئة، أو تكون النهاية ليست بجمال قصتها، فننقد الراوي على سوء الخاتمة.

نقرأ الروايات لنرى النهايات، ما نتذكره هو النهاية، وبعض التفاصيل القليلة، والاقتباسات التي نضعها في تدوينة صغيرة. في جميع الأحوال نحن نرى الرواية كاملة، لا نشعر بالزمن العابر في أبطال الرواية، نقرأ الشيب، ولا نمر به، الزمن في الرواية مختلف كلية عن الحياة الممتدة والأحداث اليومية والتفاصيل التي تترك جروحاً لا يضمدها حسن الخاتمة أو سوؤها، فقط نشعر نحن بالخاتمة، لأننا نشاهد القصة كاملة عبر صفحات الرواية أمامنا، دون أن تترك فينا جروحاً تدفعنا للقذف بأنفسنا من المباني الكئيبة في المدن الجديدة.
******

- "أعرف شيئين بالغي البساطة. أما الباقي فلا أهمية لهم.

- الأول هو أن هذا العالم الذي نعيش فيه تحكمه عصبة نبيلة من الأنذال التي لطخت الأرض.

- أنا أتفق تماماً مع هذا الرأي.. والثاني؟

- الثاني، أنه لا يجب أن نأخذ الأمر على محمل الجد، لأن هذا هو ما يرغبون فيه."
(رواية "العنف والسخرية" ألبير قيصري)

(مصر)
المساهمون