هذه السيناريوهات المحتملة للعلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي مع اقتراب المرحلة الثانية
وكان وزير المالية البريطاني، فيليب هاموند، قد اتهم أخيراً الاتحاد الأوروبي بالفشل في تحديد رؤيتها للعلاقة المستقبلية مع بريطانيا، وانتقد مطالبة الاتحاد المستمرة للندن بوجود تصور واضح لـ"بريكست" بينما لم يتفق قادة الاتحاد على شيء بعد.
وقال هاموند أثناء حضوره لمؤتمر في العاصمة الألمانية برلين "يقولون إن رقصة التانغو تحتاج لشخصين. يجب على كلا الطرفين أن يكونا واضحين حول ما يريدان من العلاقة المستقبلية".
وأضاف "إنني على علم بوجود شكاوى متكررة من بروكسل بأن بريطانيا لم تحسم أمرها حيال نوع العلاقة التي تريدها، ولكن في لندن، يشعر العديدون بأننا نعرف القليل، إن لم يكن أي إشارة، عن نوع العلاقة المستقبلية التي تريدها كتلة الدول السبع والعشرين مع بريطانيا بعد بريكست".
وتقف بريطانيا حالياً أمام أربعة خيارات في علاقتها مع الاتحاد الأوروبي بعد "بريكست"؛ ويشمل الخيار الأول بقاءها في السوق الأوروبية المشتركة والاتحاد الجمركي، حيث تلتزم بريطانيا بكافة التشريعات والقوانين الأوروبية من حيث القواعد التجارية وحركة الأفراد والبضائع، إضافة إلى التزام ضرائب موحدة على البضائع القادمة من خارج دول السوق الأوروبية.
وتكمن المشكلة في هذا النموذج في أن بريطانيا ستلتزم بالقوانين الأوروبية من دون أن تكون لها القدرة على المساهمة في صياغتها. كما أنها لن تستطيع التحكم بحركة الأفراد والحد من الهجرة، أو الدخول في اتفاقيات تجارية منفردة، إلا أنها ستتمتع باستقلال إداري أكبر. ويعد احتمال سلوك هذا الطريق مستبعداً في الوقت الحالي نظراً للرغبة لدى حزبي المحافظين والعمال، على مستوى القيادات على الأقل، في الخروج من السوق الأوروبية المشتركة، والذي يعتبر تلبية لنتيجة الاستفتاء والرغبة الشعبية في الخروج من الاتحاد الأوروبي.
أما الخيار الثاني فهو النموذج النرويجي، حيث تكون بريطانيا عضواً في السوق الأوروبية المشتركة ولكن خارج الاتحاد الجمركي. ويكمن الفارق بين هذا النموذج وسابقه في أن تكون بريطانيا خارج الاتحاد الجمركي، وبالتالي تستطيع الدخول في اتفاقيات تجارية خاصة بها، من دون تدخل الاتحاد الأوروبي. ويشمل هذا الخيار أيضاً نموذجاً معدلاً تخرج بريطانيا بموجبه أيضاً من السوق المشتركة، وبالتالي تحد من حركة الأفراد، إلا أنها تلتزم بالقواعد والضوابط الأوروبية على أمل أن يسمح لها ذلك بالوصول إلى السوق الأوروبية.
أما الخيار الثالث فمبني على النموذج الكندي حيث تحصل بريطانيا على صفقة تجارية واسعة تفضل التجارة البريطانية، بحيث تخفض الرسوم الجمركية أو تلغيها. ولكن صناعة الخدمات البريطانية لن تستفيد من الأمر، رغم التصريحات الأخيرة من المسؤولين الأوروبيين بإمكانية شراء هذه الشركات وصولها للسوق الأوروبية، وهو ما له تأثير سلبي على الخدمات المالية.
ولكن مثل هذه الصفقة ستمنح بريطانيا الحرية الأكبر من حيث التحكم بالحدود وإبرام الصفقات التجارية إضافة إلى الافتراق عن الاتحاد الأوروبي من حيث التشريعات والقوانين. وبناء على تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، يبدو أن هذا الخيار هو الأكثر احتمالاً.
أما الاحتمال الأخير فهو خيار عدم الاتفاق، حيث لا يتفق الطرفان على العلاقة المستقبلية بينهما، ويتم العمل وفق قواعد منظمة التجارة العالمية، وهو ما سيرفع من التعرفة الجمركية على البضائع الداخلة إلى بريطانيا أو الصادرة منها إلى الاتحاد الأوروبي، وسيكون تأثيره الأشد في الجزيرة الإيرلندية حيث تشكل الحدود البريطانية الإيرلندية معضلة للطرفين. ورغم أن هذا الخيار سيمنح بريطانيا الحرية في أن تفعل ما تشاء من دون قيود، سيكون عليها أن تقوم بالتفاوض مع كل طرف على حدة.
إلا أن خيار عدم الاتفاق سيتسبب بفقدان نحو نصف مليون فرصة عمل، ومنها 87 ألفاً في لندن وحدها، وفقاً لدراسة لتبعات "بريكست" أعدت لصالح مكتب عمدة لندن، صادق خان.
وكان صادق خان قد وكل معهداً خاصاً بمسح تبعات "بريكست" بعد أن صرحت الحكومة البريطانية بعدم قيامها بهذه الخطوة. وقال خان في هذا الصدد "إذا استمرت الحكومة في سوء إدارة المفاوضات قد نتجه إلى عقد ضائع يسوده النمو الاقتصادي المنخفض وبطالة أكثر"، وأضاف "كلما زادت حدة بريكست سيكون تأثيره أكبر على سوق العمل والنمو والمعايير المعيشية".
وبعد شهر مارس/ آذار 2019، ستخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي رسمياً، ولكن ستكون في مرحلة انتقالية يتم فيها تطبيق الاتفاقات التي سيصل إليها الطرفان حول مستقبل العلاقة بينهما.