هذه البلاد ستكون بخير

17 فبراير 2019
الطرابلسي: يمكن للفقراء مقاضاة الدولة لنيل حقوقهم (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -


للتونسيين أوجاع كثيرة؛ معاناة اقتصادية كبيرة، سقوط للعملة المحلية، ارتفاع في الأسعار وتضخم معدلات الديون، وكل التداعيات الاقتصادية التي يمكن تصوّرها. هناك أيضاً معاناة سياسية واضحة، سببها خصومات الأحزاب التي لا تنتهي وتنافسها على السلطة بلا أي حساب للناس ومعاناتهم، ونخب أثبت كثير منها أنها بلا رؤيا ولا مشروع، وأنها مجرد رقم في التصويت، وظواهر صوتية لا تزيد عن ذلك. مع ذلك، فهذه البلاد ستكون بخير، لأن هناك إشارات لا تخطئ أبداً، ولا يراها سوى الأعمى، الذي يستبسل حتى يبقى كذلك.

فمنذ ثلاثة أيام، لقي مواطن تونسي حتفه في مركز للشرطة، في مدينة الحمامات شمال شرقي البلاد، ما خلق حالة من الاستهجان والاحتجاجات، تحولت إلى كر وفر بين السكان وعناصر الأمن، على مدى ليلتين. ولم تتأخر المنظمات والشخصيات الحقوقية في تسليط الضغط على السلطة، فيما تدخلت السلطة القضائية لمعاينة ظروف وملابسات القضية وطمأنة عائلة الضحية للأهالي بأن تحقيقاً جدياً سيفتح في الموضوع. وتم إيقاف عنصر الشرطة المتهم بقتل المواطن، ما يعني أن التونسيين كسروا حاجز الخوف نهائياً وأصبحت لديهم حقوق فعلية تضمن حقوقهم من السلطة نفسها.

في مشهد آخر، قال وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي، إن قانون الأمان الاجتماعي الذي تقدمت به الحكومة، يعطي للفقراء مرجعية قانونية للمطالبة بحقوقهم في العيش الكريم. وأضاف الطرابلسي أن "القانون يعطي الفقراء الحق في مقاضاة الدولة إن لزم الأمر لنيل تلك الحقوق". وبرنامج الأمان الاجتماعي يشمل مئات آلاف الأسر الفقيرة ومحدودة الدخل، ويضمن لها حداً أدنى من المدخول الشهري والعلاج المجاني لكل أفرادها، وقد انطلقت الوزارة في إحصائها كلها حتى يتم تفعيل القرار. وكلام الوزير يعني أن الدولة أصبحت مسؤولة أمام الناس، وليست مسائلة فقط كما كان الوضع.

وفي مشهد ثالث، خرج القيادي في حركة النهضة، لطفي زيتون، ينتقد حركته بقوة فكرية مذهلة فاجأت، حتى بعض خصومه وخصوم حزبه، ويدعوها إلى أن تقوم بإصلاحات جذرية، وأن تنظر بسرعة إلى الأمام ولا تكتفي بالنظر خلفها. وهو ليس من معارضي رئيس الحركة راشد الغنوشي، وإنما هو مستشاره السياسي، ما يعني أن قوة الفكر النقدي حية لدى التونسيين، حتى في الأحزاب التي تُتهم بالانغلاق.

ثلاثة مشاهد عن قصص الفقر والبوليس والجمود السياسي، لكنها تؤكد أن هذه البلاد ستكون بخير.

المساهمون