هذا ما يستحقه المصدومون

26 اغسطس 2015
+ الخط -
ما جرى في اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية (السبت 22/8/2015)، وهو توافق أغلبية الأعضاء، على رفع استقالاتهم إلى رئاسة المجلس الوطني الفلسطيني؛ هو محض تدبير لإعادة تشكيل هذه اللجنة، على النحو الذي يعزز قبضة الرئيس، محمود عباس، على المنظمة والسلطة وحركة فتح. ولا يختلف اثنان على أن هذه الأطر الثلاثة الجامعة التي تتعزز قبضة عباس بها، باتت مجرد عناوين بلا مضامين ذات علاقة بقدرتها على مناقشة السياسات، وحسم الخيارات، أو حتى على امتلاك آلية حفظ رقاب أعضائها الذين يرون في عضوياتهم ما يضاهي رقابهم. ومع توجه القابض على الأطر إلى إنجاز التدبير الذي يريد؛ يكون الضحايا (فصائل عارضت أو وافقت، والأعضاء المتنفذون في الفصائل، صمتوا أو نطقوا)؛ قد استحقوا ما جاءهم، ولا نستثني منهم فصيلاً أو حركة أو عضواً.
من ذا الذي، من الفصائل، كبيرها أو صغيرها الميكروسكوبي، وقف بقوة للدفاع عن حق المجتمع الفلسطيني في إنفاذ إرادته على صعيدي السياسة وإدارة شؤون حياته، وعن ضرورة أن تتكثف هذه الإرادة، من خلال هيبة المؤسسات واحترام لوائحها التنظيمية، وتكريس دورها في رسم السياسات واعتمادها على كل صعيد، وضمان دستورية القرارات الرئاسية، وآليات الشفافية، وفق استراتيجية العمل الوطني الرصينة التي لم يخطر على بال هذه الفصائل أن تتوخاها، ثم تشترط اعتمادها والالتزام بها؟
لسنا، هنا، بصدد تقديم قراءة سيسيولوجية، لواقع هذه الفصائل من داخلها، لاستبيان أسباب كساحها المشهود، فما أظهرته قيادات هذه الفصائل، سواء في طاعتها المزرية لتوجه الرئيس عباس، أو تحفظها البائس عليه؛ هو انكشاف يدعو إلى الرثاء، إيجابيته الوحيدة دلالته على أن منظومة العمل الوطني الفلسطيني، برمتها، ينبغي إحالتها إلى متحف يرتاده الراغبون في التعرف على سمات الحياة البشرية الأولى، وأن لا بد من قيام منظومة أخرى، ذات عقل وإرادة أولاً، وذات مضمون ديمقراطي ثانياً، ومشبعة بمدركات القضية الفلسطينية، وبقناعات تتماهى مع الوجدان الشعبي، وتجترح وسائل كفاحية فعالة.
ما أضيع الوقت، حين نبدده في حديثٍ عن قانونية إرجاء الدعوة إلى انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني بمن حضر، وإن كان قليلاً، أو في حديث عن وجاهة، أو لا وجاهة أن تحمل الفقرة ج من المادة 14 من النظام الأساسي لمنظمة التحرير عملية إعادة تشكيل اللجنة التنفيذية. فالفقرة لا تحمل، وثمة تحايل على مؤداها، والتحايل لن ينتج إلا مزيداً من الترهل للنظام الفلسطيني. وليس التحايل أمراً جديداً، فعلى الأقل، لا أحد يتذكر أو يُذكّر، مثلاً، أن عضو اللجنة التنفيذية يتعين عليه أن يتفرغ لممارسة دوره عضو "تنفيذية"، وألا يشغل عملاً آخر، لكننا عشنا سنوات، كان فيها عضو "التنفيذية" يشغل عملاً لا يتيح له وقتاً لممارسة واجباته فيها، كرئيس جامعة، أو رئيس بلدية، أو وزير، أو غير ذلك.
بقي أن نقول، في هذه العُجالة، إن إطار منظمة التحرير الذي نحن بصدده، وهو المقدر شعبياً على صعيد الذكرى، بات فاقداً رصيده الشعبي على صعيد الواقع. ومتى؟ في الوقت الذي تتصاعد فيه قوة الإسلاميين بديلاً من جهة، ويعربد فيه الاحتلال من جهة أخرى. فلو كان إطار المنظمة حريصاً على تكريس قيم العمل الوطني ومحدداته، وإنفاذ النظام وعمل بموجب توصيفه، في الداخل، و"دق" على الطاولة، واشتغل حاضنة لنظام سياسي عادل وشفاف؛ لكان حاز على احترام الشعب وتأييده، ولأصبح جديراً باحتواء القوى الأيديولوجية في إطاره. ولو كان تأبط مهمته الحقيقية، في توجيه السياسات التي تقارع الاحتلال فعلاً، لأحرز احتراماً مضاعفاً. أما أن يكون بلا رصيد شعبي، ما عدا محبة الناس العنوان بشفاعة أيام خلت، وأن يكون بلا تأثير في السياسات الداخلية؛ فمن الصعب إعادة تسويقه بتدابير نظامية، فما بالنا بتدابير تتحايل على النظام.
لا يريد فسطاط المنظمة أن يتأمل أن البدائل حاضرة، وأن محاولة تجاهلها تتبدى نوعاً من العبث الكاريكاتوري.