04 نوفمبر 2024
هدية العرب لترامب
اعترف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقرّر تنفيذ نقل السفارة الأميركية إلى هناك. ولم يتجاوز رد الفعل العربي مجرد التململ وافتعال ظاهري للغضب، ليبدو الأمر كما لو أن قرار ترامب فاجأهم. بينما الحقيقة، حسب تصريحات أميركية رسمية، تشاور مع قادة بعض الدول العربية، وأبلغهم قراره. ما يعني، ضمنياً، أن أياً منهم لم يرفض القرار بشكل قاطع. ولا شك في أن الدول العربية التي رحبت بفوز ترامب بالرئاسة الأميركية كانت تعي جيداً، وهي تحتفي به، أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية هناك، كان أحد أهم وعود ترامب الانتخابية. وكان لهذا الوعد دور كبير في حشد أصوات اللوبي اليهودي تأييداً لترامب، الرئيس الأميركي الوحيد الذي قدم هذا الوعد علناً، ضمن برنامجه الانتخابي، ثم فاز بالمنصب، فصار مطالباً بتنفيذ وعده.
ومما يؤكد أن القرار الأميركي ليس مفاجئاً للعرب، خصوصاً القادة والزعماء، أن دونالد ترامب ألمح إلى هذه الخطوة قبل أشهر، ويبدو أنها كانت وقتئذ محاولةً لقياس ردود الأفعال العربية المتوقعة. ثم جاء إصدار القرار في هذا التوقيت تحديداً، حيث يمر ترامب بأزمةٍ داخليةٍ قانونيةٍ وسياسيةٍ حادة، بسبب قضية اتصالات رجال حملته مع الروس في أثناء الانتخابات. ومن شأن قرار نقل السفارة، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أن يحشد مجدّداً تأييد اللوبي الإسرائيلي ودعمه ترامب في مواجهة الضغوط والتحقيقات الجارية بشأن تأثير الروس على نتائج الانتخابات. هناك أسباب أخرى مساعدة أو مشجعة، مثل الانقسام العربي وحالة التخاذل العربي الواضح تجاه الفلسطينيين بصفة خاصة، والصراع مع إسرائيل عموما. ما يعني، ببساطة، أنه لا يوجد ما يمنع واشنطن من الإقدام على خطوةٍ كهذه.
وخلاف ما يظن كثيرون، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل هو الجوهر المهم والخطير في القرار، وليس عملية نقل السفارة. فهذا الاعتراف يمثل أحد مضامين التسوية المحتملة التي يطلق عليها إعلامياً "صفقة القرن". وبهذه الخطوة، يدشن ترامب عملية طرح ملامح هذه التسوية، بدءاً بالجزء الأصعب فيها، وهو القدس. وعلى الأرجح، هناك توافق، إن لم يكن تنسيق، مسبق بين واشنطن وعواصم عربية بهذا الخصوص. فتقديم الولايات المتحدة ذلك الطرح أفضل كثيراً وأخفّ وطأة بالنسبة للحكومات العربية، من أن يتم التوصل إليه، أو طرحه لاحقاً في المفاوضات بشأن التسوية التاريخية المقترحة بين العرب وإسرائيل. فكم هو محرجٌ للغاية أن يقبله العرب طوعاً خلال المفاوضات. على خلاف أن تفرضه واشنطن أمرا واقعا، ثم يتظاهر العرب بالاعتراض عليه.
لم يعد العرب حريصين على تجميل صورة الولايات المتحدة دولة راعية لعملية التسوية. الوساطة الأميركية منتهية منذ سنوات، لم تعد واشنطن وسيطاً، وإنما طرف شريك لإسرائيل، وتدرك كل الدول العربية ذلك لكنها لا تعلنه. بينما ترامب نفسه لا تهمه المظاهر، وإنما النتائج. لذا لا يتجمل ولا يتردّد في كشف الغطاء عن حقيقة الحل الذي تريده إسرائيل، وتدعمه واشنطن. وهو استيلاء إسرائيل على الأرض والمقدسات، ثم تحصل معهما على السلام هدية مجانية.
المعضلة أن الفلسطينيين والعرب يدركون أن هذه هي الغاية النهائية لإسرائيل. وفي الماضي، كانوا ينجحون في تأجيل تنفيذها، وإعلان فشل المفاوضات. أما حالياً ومع إدارة أميركية غير سياسية، ولا تراعي الشكليات، ولا يهمها إحراج الحكومات العربية أمام شعوبها، لم يعد العرب، ولا الفلسطينيون، يملكون لا المنع ولا التأجيل. دارت عملية السلام في حلقةٍ مغلقةٍ ما يزيد عن ربع قرن، والآن تنكسر هذه الحلقة، ويتكشف أنه لا سلام حقيقيا قابل للتحقق في ظل هذه العملية. وإما القبول بتسويةٍ مجحفةٍ تتخفّى وراء واجهة بعنوان "السلام" أو إعلان الانسحاب من المسار السياسي ككل. وهو ما لا أظن أن العرب قادرون عليه، بل وربما لا يريدونه.
ومما يؤكد أن القرار الأميركي ليس مفاجئاً للعرب، خصوصاً القادة والزعماء، أن دونالد ترامب ألمح إلى هذه الخطوة قبل أشهر، ويبدو أنها كانت وقتئذ محاولةً لقياس ردود الأفعال العربية المتوقعة. ثم جاء إصدار القرار في هذا التوقيت تحديداً، حيث يمر ترامب بأزمةٍ داخليةٍ قانونيةٍ وسياسيةٍ حادة، بسبب قضية اتصالات رجال حملته مع الروس في أثناء الانتخابات. ومن شأن قرار نقل السفارة، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أن يحشد مجدّداً تأييد اللوبي الإسرائيلي ودعمه ترامب في مواجهة الضغوط والتحقيقات الجارية بشأن تأثير الروس على نتائج الانتخابات. هناك أسباب أخرى مساعدة أو مشجعة، مثل الانقسام العربي وحالة التخاذل العربي الواضح تجاه الفلسطينيين بصفة خاصة، والصراع مع إسرائيل عموما. ما يعني، ببساطة، أنه لا يوجد ما يمنع واشنطن من الإقدام على خطوةٍ كهذه.
وخلاف ما يظن كثيرون، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل هو الجوهر المهم والخطير في القرار، وليس عملية نقل السفارة. فهذا الاعتراف يمثل أحد مضامين التسوية المحتملة التي يطلق عليها إعلامياً "صفقة القرن". وبهذه الخطوة، يدشن ترامب عملية طرح ملامح هذه التسوية، بدءاً بالجزء الأصعب فيها، وهو القدس. وعلى الأرجح، هناك توافق، إن لم يكن تنسيق، مسبق بين واشنطن وعواصم عربية بهذا الخصوص. فتقديم الولايات المتحدة ذلك الطرح أفضل كثيراً وأخفّ وطأة بالنسبة للحكومات العربية، من أن يتم التوصل إليه، أو طرحه لاحقاً في المفاوضات بشأن التسوية التاريخية المقترحة بين العرب وإسرائيل. فكم هو محرجٌ للغاية أن يقبله العرب طوعاً خلال المفاوضات. على خلاف أن تفرضه واشنطن أمرا واقعا، ثم يتظاهر العرب بالاعتراض عليه.
لم يعد العرب حريصين على تجميل صورة الولايات المتحدة دولة راعية لعملية التسوية. الوساطة الأميركية منتهية منذ سنوات، لم تعد واشنطن وسيطاً، وإنما طرف شريك لإسرائيل، وتدرك كل الدول العربية ذلك لكنها لا تعلنه. بينما ترامب نفسه لا تهمه المظاهر، وإنما النتائج. لذا لا يتجمل ولا يتردّد في كشف الغطاء عن حقيقة الحل الذي تريده إسرائيل، وتدعمه واشنطن. وهو استيلاء إسرائيل على الأرض والمقدسات، ثم تحصل معهما على السلام هدية مجانية.
المعضلة أن الفلسطينيين والعرب يدركون أن هذه هي الغاية النهائية لإسرائيل. وفي الماضي، كانوا ينجحون في تأجيل تنفيذها، وإعلان فشل المفاوضات. أما حالياً ومع إدارة أميركية غير سياسية، ولا تراعي الشكليات، ولا يهمها إحراج الحكومات العربية أمام شعوبها، لم يعد العرب، ولا الفلسطينيون، يملكون لا المنع ولا التأجيل. دارت عملية السلام في حلقةٍ مغلقةٍ ما يزيد عن ربع قرن، والآن تنكسر هذه الحلقة، ويتكشف أنه لا سلام حقيقيا قابل للتحقق في ظل هذه العملية. وإما القبول بتسويةٍ مجحفةٍ تتخفّى وراء واجهة بعنوان "السلام" أو إعلان الانسحاب من المسار السياسي ككل. وهو ما لا أظن أن العرب قادرون عليه، بل وربما لا يريدونه.