في حديثه مع الصحافة بعد أدائه اليمين القانونية أمام وزير الخارجية مايك بومبيو، أوضح المبعوث، ومن دون مواربة، أن ممارسته لمهمته سوف تنطلق من اعتبار معاداة الصهيونية بمثابة معاداة للسامية، من حيث وضع كليهما بالتساوي في سلّة العنصرية المقيتة والمرفوضة. ثنائي مترابط "علينا استئصال التفريق المزيّف بين طرفيه"، على حدّ قول كارّ. بل أكثر من ذلك، إذ إنه يرى بأن "انتقاد إسرائيل بطريقة لا تتعرض لها أي دولة أخرى في ظروف مشابهة، هو أيضاً معاداة للسامية"، حسب تعريفه. عملياً يعني ذلك أن نقد إسرئيل محرّم، لأنه لا توجد دولة أخرى في القرن الـ21 تحتل وتضمّ الأراضي التي تحتلها كما تفعل إسرائيل، ليجري انتقادها!
هذه المعادلة معمولٌ بها منذ زمن في واشنطن، لكن بصورة ضمنية. الآن تمأسست وصارت علنية، وبما يعطيها المزيد من الزخم لاسكات الأصوات والحركات الأميركية المناوئة للاستيطان وللممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، ومنها حركة المقاطعة التي لاقت مقبولية متزايدة في السنوات الثلاث الأخيرة، وخاصة في صفوف القطاع الطلابي الجامعي وبمن فيهم طلاب يهود كما تبدى ذلك مؤخراً في التصويت على تأييد المقاطعة في جامعة براون بولاية رود أيلاند.
وتأتي خطوة التعيين، على خلفية الجدل الذي احتدم خلال شهر فبراير/شباط الماضي إثر التصريحات المنتقدة لإسرائيل ومؤيديها خاصة اليهود في واشنطن، التي أدلت بها النائبة إلهان عمر، والتي أثارت ضجة من باب اعتبارها معادية للسامية. آنذاك، سارعت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تمرير مشروع قرار بإدانة "كافة أشكال التمييز"، ومن دون أن يشير الى إلهان عمر بالاسم.
تعيين المبعوث الخاص اليوم جاء رداً على ذلك القرار الذي فرضته بيلوسي، ورفضت أن يقتصر فقط على "معاداة السامية"، بل جاء ليجسّد التماهي التام مع سياسات "الليكود" التي تعتمدها إدارة دونالد ترامب بحذافيرها، والتي ترجمتها بعطاءاتها اللامحدودة لإسرائيل.
المبعوث الجديد لن تقتصر مهمته على الدمج بين معاداة الصهيونية والسامية وإسرائيل وجعلها واحداً لا يتجزأ، بل هي تشمل أيضاً العمل على تسويغ الاستيطان الإسرئيلي في الأراضي المحتلة، والترويج لمنتجات المستوطنات وتسويقها في الخارج، وبالذات في الولايات المتحدة، ذلك أن "أي تمييز ضدها هو خنق لاقتصاد إسرائيل وازدهارها وبالتالي هو معاداة للسامية" بحسب تنظيره الذي يجاري فيه دور السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان، المهندس الرئيسي في صياغة سياسة القطيعة الأميركية مع السلطة الفلسطينية، والتي قد لا تتوقف حيث هي الآن.
يوم الثلاثاء الماضي، رفض وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو خلال جلسة مع لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، أن يوضح موقف الإدارة إزاء ما وعد به بنيامين نتنياهو عشية الانتخابات لجهة ضمّ أجزاء من أراضي الضفة لو فاز على خصمه. وعبثاً حاول السيناتور الديمقراطي كريس فان هولن انتزاع تعليق منه على وعد رئيس "الليكود"، إذ اكتفى بتكرار المعزوفة ذاتها بأن الإدارة "عاكفة على النظر في مجموعة من الأفكار التي تأمل في طرحها قريباً"، وذلك في إشارة إلى "صفقة القرن".
وكان الاعتقاد الذي عممته إدارة ترامب أن خططتها جاهزة وتعتزم الكشف عنها بعد الانتخابات الإسرائيلية، أو بعد تشكيل الحكومة الجديدة. الآن يبدو أن هناك إعادة نظر فيها، حسب كلام الوزير عن "الأفكار" المتداولة، ما يوحي بأن الإدارة ربما تكون منهمكة في دوزنة "صفقة القرن" على إيقاع فوز نتنياهو ورغبته في ضمّ مستوطنات الضفة. فالضمّ والتطويب سمة المرحلة، والعرب في خبر كان، فضلاً عن أن الزمن الأميركي الحالي إسرئيلي أكثر مما كانت إسرائيل تحلم به، حتى في أقصى حالاتها وأحلامها المتفائلة.