قبل سنوات كتبتُ بضع أغان لهدهدة الكبار، هؤلاء الأطفال البالغين، ثم انشغلت عنها بمكابدة الأرق الذي ألهمني إياها وكان يخرجني لأمشي في الفجر. المشي ليس عادة جيدة كما يظن الناس ولا هي بالسيئة كما أشعر، الطريق ليس سيئاً أيضاً، لكن الآلة تعطّلت. اليوم بحثت عن الأغاني ولم أجدها، اختفت مثل كل شيء كتبته. امّحت كأن المطر ظل يزخ عليها من الألف إلى الياء. خبت مثل أي لون ما عدا الأحمر.
***
بينما أكتب قطعة صعبة، ارتفع صوت يغني في الغرفة المجاورة، رفعت رأسي عن الدفتر، وسمعت كلبتي تغني، هذه ليست المرة الأولى. أحياناً كنا نغني معاً ولكن كل واحدة في غرفة. أصغيت جيداً ولم أستطع الصبر، ذهبت إلى الغرفة وما إن وقفت على الباب، صمتت وتظاهرت بأنها غارقة في النوم، داعبتها وهي نائمة أسوة بالأمهات في عمري، فتقلبت وامتعضت أسوة بالأولاد في سنها. وضعت رأسي على بطنها ودفنت شيئاً، حبي لها ربما، تذمّرت: أوووه إنك تؤلمينني يا بلهاء. رفعت يدي على رأسي كأنهما قرنان، شيء من قبيل السخرية البريئة لإضحاكها. لم تضحك. بدأ الهدوء يثقل، يسود، يعتّم، ذهبت إلى سريري وتواريت تحت الغطاء. الكلبة تعضني من الداخل، من جوفي، من عقلي، من بطني، من رحمي... تظاهرت بالنوم لكنني كأي أم لا أستطيع.
***
في مايو 2017، نشرت صحيفة مقالاً بعنوان "فن الاحتضار"، لكن كاتبته كانت قد توفيت قبل ذلك بأيام. كانت الصحيفة فخورة بأنه، على رداءته، آخر مقال كتبته وأنها تنفرد بنشره. كانت مشوّشة جداً، قبل سنوات التقت بشخص مشوّش مثلها، يهتم بقراءة التاريخ ومتابعة مجلات غريبة عن الطوبوغرافيا وتشريح الجسم البشري، لكنه خرج مرّة في مشوار قصير في الصباح، وصل رأس الشارع فقط، ورغم أنه كان سائقاً جيداً انسحقت سيارته في دقائق قليلة. من أين يمكن العثور على رجل مشوّش ومهتم بمجلاتها الغريبة الآن، ولا واحد في المليون، كانت أنانية ومقهورة فعلاً. شخص نحيل وخفيف وحلو أُلقي به في القمامة، هكذا أتى الموت وسحبه من شباك السيارة وألقى به خارج الحياة، فاصطدم رأسه بصندوق بريد ومات، مرّت هي بالصدفة وهي تهرول في الصباح، وعرفت السيارة، حين وصلت المستشفى كان قد مات فعلاً! افففففففف.
***
- يقال إن صحن العنب الذي رسمه زيكوس بدا حقيقياً حتى أن طيراً حاول نقر حبة منه.
- غفوت وحلمت بعالم اجتماع يضرب الأرض بقدميه ويصرخ في وجهي: أنت لست طوكيو
- أفلتت من الحبل ومسكتها، سمكة يوسف عبدلكي
- تنبهت ووجدت أنني مدام بوفاري
- أنا لست طوكيو لكن يمكنني ذلك
- يقال إن باراسيوس رسم ستائر بدت حقيقية حتى أن زيكوس حاول إزاحتها
- وضع مرآة على الجدار المقابل للباب ليكشف تحرّكاتنا.. كنا نتناوب في سلسلة من التحركات الوهمية
- في وسط بيروت مطمر كبير للحرب
- كان يعتقد أن أحداً لم يغادر البيت.