بات الحديث عن هدنة يشغل الرأي العام المحلي في اليمن بين مؤيد ورافض بشروط، في ظل تغييرات على الأرض لصالح "المقاومة الشعبية"، لا سيما في عدن، على الرغم من مساعي المليشيات الحوثية إلى تأزيم الوضع الإنساني، كورقة كانت تتحكم فيها، ويبدو أنها اليوم لم تعد تملكها. الملاحظ مما يجري على الأرض، أن المليشيات باتت ضعيفة، والعوامل التي كانت تساعدها في السابق من أسلحة ثقيلة وتدريب وخبرة وخلايا نائمة وحصار إنساني، تغيّرت، فـ"المقاومة" باتت لها قيادة موحّدة وأصبحت مدربة، فضلاً عن وجود قناصة لديها، أنهى حكاية قناصة الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، كما أنها أنهت ما يسمى بالخلايا النائمة، فضلاً عن أن "المقاومة" باتت تحدد استراتيجية المعارك وسيرها.
يقول المتحدث الرسمي باسم "مجلس المقاومة" في عدن، علي الأحمدي لـ "العربي الجديد"، إن "المقاومة باتت هي من يملك زمام المبادرة، كما أنها تملك سلاحاً ثقيلاً ومتطوراً، وانخرط الآلاف في صفوفها في مختلف المناطق، وتحوّلت من موقف المدافع إلى موقع الهجوم، ونجحت في استعادة العديد من المواقع والمعسكرات والمدن والمناطق، وباتت في عدن وحدها تفرض حصاراً شبه كامل على مليشيات الحوثيين وصالح، المتواجدة في بعض مناطق عدن، لا سيما في أجزاء من خور مكسر وكريتر والتواهي والمعلا". ويضيف: "كما أفشلت المقاومة هجوماً للمليشيات هو الأوسع خلال 12 يوماً، عبر العريش شرقاً، وجعولة شمالاً، وبير أحمد غرب عدن، في محاولة لفتح ثغرة، لكن المقاومة أسقطت هذه المحاولة ومنعت مساعي إدخال تعزيزات لما تبقى من المليشيات، التي بات واضحا ضعفها، وتم تدمير كل عتادها، وستخرج اليوم أو غداً". بالتالي حسب الأحمدي "فإن الحديث عن اشتراط التحالف للهدنة، خروج المليشيات من عدن، هو أمر مفروض على المليشيات، التي قد تلجأ لتحقيق مكسب من خلال الهدنة والانسحاب، لأنها باتت منهارة، حتى أنها عندما تشن المقاومة هجوماً عليها، لم تعد ترد بنفس كثافة القصف وبالسلاح الثقيل الذي كان سابقاً، فقد باتت تملك ما تحاول فيه تقليل خسائرها البشرية".
ولا يستبعد الأحمدي "انسحاب المليشيات في ظل ضربات المقاومة، التي باتت أكثر عتاداً وعدة، وباتت المليشيات تدرك أنه حتى لو خفت ضربات طائرات التحالف، فإن المقاومة تتحكم بسير المعارك على الأرض، وقادرة على تطهير عدن وكل المناطق منها".
اقرأ أيضاً: التحالف يكثف غاراته ضد معاقل الحوثيين في صعدة
في المقابل، يعتبر البعض أن الهدنة سترفضها مليشيات الحوثيين والمخلوع. ويقول المستشار الفني للتكتل الحر للنقابات العاملة في محافظة عدن، مهيب شائف لـ "العربي الجديد"، إنه "قياساً على نتائج الهدنة السابقة، والتي لم تلتزم بها مليشيات الحوثي وصالح، إضافة إلى شروط التحالف، بانسحابها من عدن، والتي سترفضها قيادة المليشيات، فكلنا يعلم أن حصار عدن والمحافظات الجنوبية هي الورقة الوحيدة، التي يراهن عليها الحوثي والمخلوع، فمن غير المنطقي أن نعتقد بإمكان انسحابهم بهذه السهولة، بغض النظر عن معنويات جنودهم على الأرض". وفقاً لذلك يقول شائف إن "الحديث عن أي هدنة مقبلة، هو ضرب من ضروب الوهم، وحقنة مسكنة أخرى، يتجرعها المواطنون في المحافظات الجنوبية، وخصوصاً في عدن ولحج وأبين والضالع وشبوة". وحول إمكانية قبول الهدنة، يرى شائف "أن لا أحد من الطرفين يهتم بقبول أهالي عدن أو رفضهم، إنما من المؤكد أن الهدنة تهم الجميع، إذا ما تم الترتيب لها مسبقاً، وتقديم الضمانات اللازمة، ودخول ممثلين عن هيئات دولية للإشراف على نقل المواد الإغاثية وتوزيعها، لتصل إلى كل الشرائح، بما فيها المواطنون في المديريات الخاضعة لسيطرة المليشيات، وهذا يتطلب وقتاً لا يقل عن شهر للهدنة".
وبات تواجد مليشيات الحوثيين وصالح في عدن، يتركز في أجزاء من خور مكسر وكريتر والتواهي والمعلا، ومقارنة مع المناطق التي تحت "المقاومة"، فإن ما تسيطر عليه المليشيات لا يتجاوز عشرين في المائة، وهي باتت شبه محاصرة في تلك الأجزاء، بينما تسيطر "المقاومة" من الشرق إلى الغرب، من منطقة العريش ومحيط المطار فضلاً عن الممدارة شرقاً، مروراً بدار سعد وجعولة، وبيئر فضل، والبساتين شمالاً، وصولاً إلى بئر أحمد ومدن الشعب والبريقة وصلاح الدين، ومناطق بئر علي وراس عمران غرباً، فضلا عن مدينتي الشيخ عثمان والمنصورة، وسط وشمال عدن. لكن البعض يُرجح أن تستفيد المليشيات من لقاء جنيف، إن حصل، للخروج من عدن حافظة ماء الوجه، وتعلن قبول الانسحاب من عدن لتنفيذ الهدنة كي تتنفس الصعداء بعد الضربات القاسية التي تتلقاها من التحالف و"المقاومة"، وفي الوقت نفسه تظهر كأنها بدأت خطوات تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216. لكن "المقاومة" سواء في عدن أو غيرها من المناطق، تعتبر أن مليشيات الحوثي وصالح غير جادة في تنفيذ أي اتفاقيات بما فيها الهدنة، لذلك يصر القيادي الميداني في "المقاومة" عبد الله أبو الحسن على أن هذه المليشيات "لم يعد أمامها أي خيار غير الانسحاب أو تحمُّل ضربات المقاومة والخروج مرغمة". ويشير إلى أن "المليشيات كانت تسعى خلال الأيام الماضية، للعب على الجانب الإنساني، في سبيل فرض هدنة إنسانية جديدة، على التحالف والمقاومة، لكن المقاومة أفشلت هذا المسعى، ووضعت المليشيات في موقف صعب".
ويأتي هذا التشدد من جانب "المقاومة" ومن معها في الشارع الجنوبي، بعد المتغيرات الميدانية، فبعد إفشال "المقاومة" هجوم المليشيات على عدن، وانتصارها في الضالع، نجحت أمس الخميس في تحرير مدينتي العين في محافظة أبين شرقي عدن، والمسيمير في محافظة لحج شمالي عدن. فيما شهدت محافظة تعز، مواجهات عنيفة وقصفاً مكثفاً من قبل الحوثيين، ما أدى إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى. ومن بين القتلى عضو مجلس الشورى اليمني، والقيادي في حزب "الإصلاح"، محمد حسين عشال، وشقيق قائد "المقاومة" في تعز عز الدين المخلافي. وتأتي هذه التطورات مع تكثيف التحالف أمس الخميس غاراته على أهداف في محافظة صعدة شمالي اليمن، بالتزامن مع استمرار التوتر في المناطق الحدودية بين اليمن والسعودية. وكان الحوثيون وحلفاؤهم، أعلنوا أنهم قصفوا العديد من المواقع العسكرية على نجران وجيزان وظهران الجنوب التابعة لمنطقة عسير.
اقرأ أيضاً: الحكومة اليمنية تعلن أسماء وفدها إلى جنيف