هدايا الفرصة الأخيرة

28 سبتمبر 2017
+ الخط -
كأن القضية الفلسطينية صارت مساء على مائدة الإعلام المصري بين أيدي لاعبي "التلات ورقات" أو "الكسّابة"، وهم ينادون على الفلسطينيين بأعلى أصواتهم: "اغتنموا الفرصة الأخيرة قبل ضياعها". كلهم على نغمة واحدة وزمارة واحدة ودربكة واحدة ورقصة واحدة وتلات ورقات واحدة ونصبة واحدة، من الاستراتيجي دكتور عماد جاد مرورا بمحمد الغيطي وعزمي مجاهد (وإن احتسبنا ما يقوله إعلاما)، حتى عمرو أديب وحرمه المصون لميس، كلهم في لحن واحد "اغتنموا الفرصة الأخيرة قبل ضياعها". الكل بالطبع في غاية الاتساق مع ضحكة عبد الفتاح السيسي، وهو في حضرة نتنياهو، التي وصلت، عمدا، إلى حد السخسخة، لولا لطف الله.
ما هذا الانجراف إلى الهاوية، وبكل هذا الطبل، وبكل مجانية وسهولة. ما هذا الارتماء في حضن إسرائيل، وكأنها معشوقة جليلة، تم اكتشافها في صحراء قاحلة بعد مائة سنة من الحرمان من الحب؟ هذا في وقتٍ تتحول إيران إلى إسرائيل أخرى، وتحمل كل جرائم العالم، وبالطبع معها قطر، فهل صار العالم كله "كيوسف تماما"، وصارت إيران خلال شهر "ذئب العالم"، وصارت قطر ذلك النمر الذي يطعم وحده، ليلا، هذا الذئب؟
أسئلة كبيرة كانت معدة من سنوات في أروقة السياسة، وفجأة دلقت في الأمم المتحدة، وقد أعلنت عنها ضحكة السيسي في العلن. هل بدأت ساعة صفر الخيانة المعلنة؟ هل العلن هو بداية سيل آخر من الخيانات، بدأت بتصاريح بحرانية من أمراء وساسة ووزراء، وتصريحات مصرية من رئيسها كحكمة كونفوشيسية من أروع فصوص الحكم الشرقية، حينما قال: "أمن المواطن الإسرائيلي زي أمن المواطن الإسرائيلي". أو على يد محمد أبو العينين رجل أعمال السيسي من أميركا، أمس، حينما قال عن قضية فلسطين: "دعونا من هذه الأسطوانة". هل صارت قضية فلسطين أسطوانة؟
هذه المعزوفة التي يدشن لها علنا هل هي الثمن الحقيقي لإنقاذ السيسي نفسه ونظامه من السقوط، بعدما اقترب من حافة الفشل خلال أربع سنوات، على الرغم من "صواني الرز" والقتل اليومي والاختفاء القسري والاستدانة كل يوم، حتى وصل حجم الديون، من خلال السندات الدولارية والبنك الدولي وغيره، إلى ما يوازي 23 مليار دولار، يتم التباهي بها كذبا وعلنا، كفائض عملة، كما تتباهى "القرعة بشعر بنت أختها".
هل ذلك السيرك في نيويورك، بتمويل الإمارات ورجال الأعمال وضحكات "قعدة نتنياهو المخزية" هو الإنقاذ الأخير لمركب انقلاب 30/ 6 بعدما اقترب من الوحل، وفرشة ورد بيضاء لمحمد بن سلمان نوعا من هدية التتويج بالملك، ولو حتى على جماجم أطفال اليمن، وأيضا تمثل هذه الطبول في أميركا إنقاذا لخليفة حفتر، والبحث له عن صيغة.
نحن لأول مرة، من وعد بلفور، أمام صيغة انهزامية أمام إسرائيل. وما كانت تتصور إسرائيل، حتى يوم قريب، أن تراها في الحلم، فوجدتها حقيقة كاملة. ولنتنياهو الحق في أن يتبختر. وله الحق طبيب الفلاسفة وفيلسوف الأطباء أن يقول: "أمن المواطن الإسرائيلي زي أمن المواطن الإسرائيلي".
في الأفق، تلوح لعبة جديدة تشبه كثيرا لعبة "التلات ورقات" في موالد مصر. وللأسف الشديد، كان أقطاب اللعبة في القرى المصرية وبنادرها ومدنها ظرفاء، ويتمتعون بخفة ظل على الأقل، أما هؤلاء فتأملهم أنت، نعم: "أمن المواطن الإسرائيلي زي أمن المواطن الإسرائيلي". وقد يضيف هذا القول المأثور الإعلامي النابغة عزمي مجاهد في كتابه القادم "فصوص الحكم وبهاريز الملح"، وقد يتقاضى مع المذيع أحمد موسى أمام محكمة زنانيري في أحقية أي منهما بالاسم، باعتبار أن موسى كان شاهدا للبهاريز، والثاني كان في الاستديو يذيع ما يملى عليه. فلا تضحك، فنحن في سيرك جديد بلا فطنة، ولا رؤية، ولا خفة روح أو دم.