بعد فترة من الهدوء النسبي الذي ساد محافظة شمال سيناء، شرقي مصر، عاد تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش"، ليضرب من جديد، عبر مهاجمة معسكر للجيش المصري في مدينة بئر العبد، ليفاجئ الجميع بالمكان والتوقيت والهدف، حيث جاء الهجوم في توقيت بالغ الحساسية بالنسبة للنظام والجيش، إذ إنه تزامن مع الترويج لاتجاه الجيش للدخول في المعركة الدائرة في الجارة الغربية ليبيا. كما أن الهجوم جاء في نطاق مدينة بئر العبد، التي غاب عنها التنظيم منذ شهر رمضان (إبريل/ نيسان) الماضي، بانشغاله بمعركة خاضها الجيش والمجموعات القبلية الموالية له في جنوب مدينتي رفح والشيخ زويد، وكذلك مناطق وسط سيناء.
وفي التفاصيل الميدانية للهجوم، قالت مصادر قبلية وشهود عيان، لـ"العربي الجديد"، إن تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش"، بدأ هجومه عصر يوم الثلاثاء الماضي بتفجير آليتين مفخختين في معسكر 118 في قرية رابعة، على الطريق الدولي القنطرة – العريش، في نطاق مدينة بئر العبد، تبعه إطلاق نار كثيف من عدة اتجاهات، ناجم عن مهاجمة المعسكر من قبل عشرات المسلحين الذين وصلوا إلى المنطقة بواسطة مركبات ودراجات نارية، وسيراً على الأقدام. وتزامن الهجوم على المعسكر مع تعرض كمين للجيش بالقرية لهجوم آخر، فيما هاجم مسلحون المكانين من نقطة صفر، باستخدام أنواع مختلفة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، بالإضافة إلى قذائف مضادة للدروع، بالتزامن مع إغلاق الطريق الدولي ومنع الحركة عليه في الاتجاهين، منعاً لوصول الإمدادات العسكرية والطبية إلى المكان.
تزامن الهجوم على المعسكر مع تعرض كمين للجيش في قرية رابعة لهجوم آخر
وأشارت المصادر إلى أن الطيران الحربي وصل إلى سماء المنطقة، وشن هجوماً جوياً واسعاً لملاحقة المهاجمين. وأكدت المصادر أن الهجوم أدى إلى إلحاق ضرر بالغ في المعسكر والكمين، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من القتلى والمصابين، فيما تعرضت بعض المنازل السكنية للضرر والإصابات نتيجة مجاورتها للموقعين العسكريين. وسادت حالة من الخوف والهلع في صفوف المواطنين، الذين خرجوا بأكثر من بث مباشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مطلقين نداءات استغاثة بضرورة إنقاذهم من الاشتباكات الدائرة في قريتهم. وأكدت مصادر طبية عسكرية في شمال سيناء، لـ"العربي الجديد"، أنه جرى نقل جثث عشرة قتلى على الأقل، بالإضافة إلى عشرات المصابين، إلى مستشفيات العريش وبئر العبد والإسماعيلية، جُلهم من العسكريين الموجودين في معسكر رابعة وكمين القرية، في أكبر إحصائية لهجوم دموي لتنظيم "ولاية سيناء" خلال الأشهر الماضية.
ووفقاً لما جاء في الصور التي بثها سكان قرية رابعة، فإن التنظيم استطاع زرع عبوات ناسفة على الطريق الدولي، والدخول إلى منطقة المعسكر والكمين، وتفجير السيارات المفخخة، واقتحام المواقع المستهدفة، من ثم الانسحاب من المنطقة سيراً على الأقدام، من دون وجود أي مقاطع مُطاردة أو ملاحقة من قبل قوات الجيش للمهاجمين. وشملت المشاهد إطلاق نار كثيف من الطرفين خلال بداية الهجوم، بالتزامن مع تفجير السيارات المفخخة. وبعد مرور ساعتين على الهجوم، استطاعت سيارات الإسعاف والجيش الدخول إلى القرية، والبدء في إزالة الركام والبحث عن الناجين ونقل جثث القتلى والمصابين، بتغطية من الطيران الحربي الذي حلق في سماء المنطقة. وفي وقت لاحق، أصدرت القوات المسلحة المصرية بياناً أعلنت فيه أنها أحبطت هجوماً إرهابياً على ارتكاز أمني في محافظة شمال سيناء، وأقرت بمقتل اثنين من أفراد القوات المسلحة وإصابة 4 آخرين. وأضاف البيان أن "القوات قتلت 18 تكفيرياً، ودمرت 4 سيارات، بينها 3 مفخخة". وأفادت مصادر طبية، أمس الأربعاء، بوفاة الشيخ أشرف أبو عامر متأثراً بجروحه التي أصيب بها نتيجة الهجوم، فيما لم يأتِ المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية على ذكر تعرض المدنيين للقتل والإصابة نتيجة الهجوم الذي حصل في منطقة مكتظة بالسكان.
التنظيم استطاع زرع عبوات ناسفة على الطريق الدولي، والدخول إلى منطقة المعسكر والكمين
وتعقيباً على ذلك، يقول باحث في شؤون سيناء، لـ"العربي الجديد"، إن "ولاية سيناء" تعمد التخطيط لأمر غير تقليدي، حيث إن هجوم معسكر رابعة يعد من الهجمات الكبرى للتنظيم في شمال سيناء، في ظل استخدامه للسيارات المفخخة والانتحاريين، وإطلاق قذائف هاون وأخرى مضادة للدروع، وبمشاركة عدد كبير من المقاتلين، بالإضافة إلى تعطيل العمل على الطرق المؤدية للمعسكر، بهدف قطع الإمدادات، واستمرار الاشتباكات لأكثر من ساعتين. ويعتبر أنه وبغض النظر عن حجم الخسائر البشرية والمادية المعلنة من قبل الجيش، أو المصادر القبلية والطبية، فإن الجيش يعلم ضخامة الهجوم وقدرة التنظيم على التخطيط له وتنفيذه دون وجود سابق إنذار بذلك، حيث إن جميع القوات الأمنية المنتشرة في سيناء تتعامل على أساس الهدوء النسبي الذي يسود المنطقة منذ أسابيع، إلى أن جاء الهجوم الأخير ليقلب الوضع رأساً على عقب، بشكل مفاجئ.
ويضيف الباحث، الذي فضل عدم الكشف عن هويته لوجوده في سيناء، أن التنظيم اختار معسكر 118 الواقع في قرية رابعة على الطريق الدولي الرابط بين القنطرة – العريش، وهي منطقة تعرف بولائها للدولة المصرية، ورغم ذلك تجول عناصره في شوارع القرية من دون أي خوف أو رادع، ودعوا المواطنين إلى تصويرهم وهم يتنقلون بين أزقة القرية، إلى أن تمكنوا من الانسحاب منها، قبل أن تصل قوات الجيش. ويشير إلى أنه ورغم أن الهجوم امتد لأكثر من ساعتين، وهذا ما أكده شهود عيان عبر البث المباشر، فإن قوات الدعم لم تصل من خارج المنطقة، ما أدى لوقوع المزيد من الخسائر البشرية في صفوف قوات الجيش. ويشير إلى أن الجيش والمؤسسات الأمنية ربما تفضل في الوقت الحالي عدم الكشف عن وجود خسائر فادحة في الأرواح، في ظل الترويج للاستعداد القتالي لدخول ليبيا، ولذلك سارع المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية لنشر تصريح بخصوص الهجوم بالإضافة إلى تصوير جوي للمنطقة ليؤكد السيطرة عليها.
ويوضح الباحث أنه إلى حين نشر التنظيم صور ومقاطع الفيديو المتعلقة بالهجوم، والذي أكدت مصادر قبلية وشهود عيان أنه جرى توثيقه بالكامل من قبل إعلاميي "ولاية سيناء"، فإن الشكوك تبقى محيطة برواية الجيش، وإحصائية القتلى والجرحى التي أعلن عنها في البيان المتعلق بالهجوم، في حين أن حالة من الاستنفار العسكري سادت سيناء في أعقاب الهجوم، خصوصاً مناطق الاشتباك في بئر العبد ورفح والشيخ زويد، تحسباً لوقوع هجمات أخرى.