واستمر أمس الجمعة قصف الطيران الحربي على مناطق مختلفة في الشمال السوري. وألقت المروحيات براميل متفجرة على بلدة الهبيط في ريف إدلب الجنوبي، بالتزامن مع استهداف طائرات النظام والطائرات الروسية للبلدة، إضافة إلى بلدة القصابية، وما وصفته وسائل إعلام النظام بـ"محاور تحرك المسلحين من خان شيخون باتجاه مناطق ريف حماة الشمالي"، إذ قتل مدنيان وجرح ثلاثة آخرون جراء القصف على مدينة خان شيخون. ويرى مراقبون أن قوات النظام تحاول الوصول إلى خان شيخون ومنها إلى معرة النعمان، وصولاً إلى سراقب التي تُعتبر عقدة المواصلات في إدلب، إذ يمر فيها طريق حلب-دمشق (أم 5) والذي يتفرع منه طريق دولي آخر إلى اللاذقية (أم 4)، والسيطرة عليهما هو الهدف الأساسي لقوات النظام بغية فتح طرق التجارة بين الساحل السوري وكل من حلب ودمشق.
في غضون ذلك، دارت اشتباكات عنيفة منذ صباح أمس الجمعة على محور كفرنبودة في القطاع الشمالي من ريف حماة، إثر هجوم مضاد شنته الفصائل المسلحة على البلدة التي سيطرت عليها قوات النظام الأربعاء الماضي. وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن الفصائل العسكرية دخلت إلى البلدة، وسط اشتباكات مع قوات النظام في شوارعها، مشيرة إلى أن "هيئة تحرير الشام" تقوم بدور رئيسي في الهجوم إضافة إلى فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير". وتحدثت وكالة "إباء"، التابعة إلى "الهيئة"، عن اشتباكات عنيفة دارت داخل البلدة بعد كسر الخطوط الدفاعية لقوات النظام، مشيرة إلى تدمير دبابة للنظام واستهداف سيارتين محملتين بعناصر النظام، فيما قالت وسائل إعلام موالية إن وحدات من قوات النظام تصدت لهجوم معاكس على محور كفرنبودة.
كذلك أعلنت "الجبهة الوطنية للتحرير" عن مقتل خمسة من عناصر قوات النظام بينهم ضابط، جراء استهدافهم بقذيفة على محور بلدة الكركات في ريف حماة الشمالي الغربي، فيما ذكرت مصادر محلية أن قوات النظام انسحبت من بلدات الشريعة وتل هواش والشيخ إدريس في ريف حماة الشمالي الغربي، بينما تشهد قرية باب الطاقة تبادلاً للسيطرة بين قوات النظام والفصائل، وذلك بسبب الرصد المتبادل للقرية. تزامن ذلك مع وصول مجموعات عسكرية من "حركة أحرار الشام" إلى منطقة سهل الغاب، وجميعهم من أبناء المنطقة الذين أجبروا على الخروج منها بعد سيطرة "تحرير الشام" عليها مطلع العام الحالي. وذكرت مصادر عسكرية محلية أن تلك المجموعات مزودة بأسلحة خفيفة ومتوسطة وعلى دراية بجغرافية المنطقة وتضاريسها. وكان نشطاء قد انتقدوا "هيئة تحرير الشام" لمنعها عودة أبناء قرى وبلدات سهل الغاب إلى مناطقهم التي خرجوا منها عنوة بعد قرار حل "حركة أحرار الشام" في المنطقة، مطالبين بالسماح لأبناء تلك المناطق بالدفاع عنها، لما يتمتعون به من خبرة قتالية في المنطقة. وكانت "تحرير الشام" قد جردت "أحرار الشام" من السلاح الثقيل قبيل الخروج من منطقة سهل الغاب التي كانت تعتبر ركيزة أساسية للحركة في الشمال السوري.
وتُعتبر "هيئة تحرير الشام" القوة الرئيسية في ريفي حماة الشمالي والغربي. ونُقل عن زعيم "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني تبريره، خلال اجتماع عقده يوم الخميس الماضي مع ناشطين إعلاميين، خسارة كفرنبودة وقلعة المضيق لصالح قوات النظام بسبب "خاصرة تلك المناطق الهشة والتي استغلها النظام عبر رصدها"، ملقياً باللوم على المدنيين الذين كانوا يمنعون الفصائل من بناء التحصينات في هذه المناطق. وقال الجولاني إن "الهيئة قد أعدت العدة، وهي على أتم الاستعداد للدفاع عن المناطق"، لافتاً إلى أن هناك تحصينات قوية في الخطوط الأخرى، نافياً وجود أي اتفاق لتسليم تلك المناطق. واستعرض الجولاني ما تقوم به "الهيئة" من عمليات استهداف لقاعدة حميميم الروسية، والعمليات الانغماسية التي يقوم بها عناصرها خلف خطوط العدو، معتبراً أن هذه العمليات أوجعت روسيا والنظام.
إلى ذلك، لم تتأخر مليشيات النظام عن القيام بأنشطتها المرافقة دوماً للعمليات العسكرية، والمتمثلة في السرقة و"التعفيش"، إذ أكدت مصادر محلية أن عناصر تلك المليشيات عمدوا إلى سرقة المنازل والمحال التجارية في بلدة قلعة المضيق بعد السيطرة على البلدة، مستغلين حالة الهدوء في البلدة وفرار أصحاب المنازل والمحلات منها خوفاً من الاعتقال أو الانتقام. وأوضحت المصادر أن المليشيات تقوم بنقل المسروقات في شاحنات كبيرة إلى المناطق التي تخضع لسيطرتها في ريف حماة، مشيرة إلى أن عمليات السرقة لم تقتصر على قلعة المضيق بل شملت كفرنبودة وبقية القرى التي سيطرت عليها قوات النظام.
ووسط هذه التطورات تظلّ التساؤلات تدور حول حقيقة الموقف التركي مما يجري، في ظل التزام أنقرة الصمت حتى الآن، وسط حديث متزايد عن صفقة روسية-تركية لمقايضة بعض مناطق إدلب بسيطرة تركية على مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي وطرد الوحدات الكردية منها. وفي هذا السياق، قالت وكالة "الأناضول" التركية، إن القوات التركية قصفت مواقع الوحدات الكردية في مدينة تل رفعت، وذلك رداً على هجمات استفزازية قامت بها هذه الوحدات ضد القوات التركية في مناطق "غصن الزيتون" في عفرين. وكانت صحيفة "الغارديان" البريطانية قد نقلت عن أحد الدبلوماسيين قوله إن هناك تفاهمات جديدة بين روسيا وتركيا ونظام بشار الأسد، يتم بموجبها قضم المنطقة العازلة في إدلب ومحيطها لمسافة تصل إلى 25 كيلومتراً، لقاء السماح لتركيا بالاستيلاء على تل رفعت. ومن تل رفعت، تنفذ الوحدات الكردية هجمات على إعزاز وعفرين وجرابلس ومارع، وغيرها من المدن والبلدات التي تم طردها منها ضمن عمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون". وكان رئيس هيئة التفاوض العليا نصر الحريري قد طالب تركيا بالتحرك لوقف مجازر إدلب، بوصفها دولة ضامنة في أستانة ولها دوريات على الأرض. وقال الحريري، في مؤتمر صحافي مساء الخميس، إن "تركيا تقوم بجهود كبيرة من أجل وقف هجوم قوات الأسد على المنطقة، وتفعيل الالتزام باتفاق سوتشي الموقع مع روسيا في سبتمبر/ أيلول الماضي". ويرى مراقبون أن هاجس تركيا الأساسي فيما يجري، إضافة إلى محاربة أي تمركز للوحدات الكردية قرب حدودها، هو منع تدفق اللاجئين عبر الحدود، إذ قد يؤدي تصاعد الهجوم على إدلب إلى تدفق مئات الآلاف أو حتى ملايين السوريين إلى تركيا، بمن فيهم الجهاديون. كذلك أعلنت واشنطن أنها على تواصل مع روسيا بشأن هدف وطبيعة العملية العسكرية في إدلب. وقال المبعوث الأميركي إلى سورية جيمس جيفري، في تصريحات صحافية، إن موسكو أبلغت واشنطن أن الهجوم على إدلب سيكون "محدوداً" لوقف استهداف "هيئة تحرير الشام" لقاعدة حميميم الروسية قرب اللاذقية، لافتاً إلى أن الإدارة الأميركية سوف "تصعّد الضغط إذا استمر الهجوم العسكري على شمال غربي سورية".