تقرير أحداث سبتمبر
الربط ما بين "القاعدة"، وإيران، وحزب الله من جهة، وأحداث سبتمبر من جهة أخرى، ليس بالأمر الجديد. فقد أشار تقرير لجنة أحداث سبتمبر الأميركية الرسمية إلى تسهيل إيران سفر المتورطين في هذه الهجمات من أفغانستان وإليها. هذا التقرير منشور منذ سنوات، وتم توثيقه في كتاب صدر عام 2011. ويلمّح تقرير لجنة تقصي حقائق هجمات 11 سبتمبر/أيلول، إلى وجود علاقة ما، غير واضحة المعالم، بين تنظيم "القاعدة" من جهة، وبين إيران وحزب الله من جهة أخرى، في ما يتعلق بهجمات "الثلاثاء الأسود".
ويُبرز تقرير اللجنة مسألتَين في ما يخصّ هذه العلاقة؛ الأولى تتعلّق بتسهيلات أكيدة قدّمها الإيرانيون لأعضاء تنظيم "القاعدة" في ذهابهم ومجيئهم من أفغانستان، ساهمت "بصورة ما" في تسهيل أحداث سبتمبر، من خلال إخفاء إثباتات وجودهم على الأراضي الإيرانية والأفغانية قبل الهجمات. المسألة الثانية، يوجد تعاون "ما" بين إيران وحزب الله، و"القاعدة"، على صعيد تدريب الكوادر، وهو الأمر الذي يلفّه الكثير من الغموض في التقرير، ويطرح بشكل إشارات.
أولى هذه الإشارات في تقرير لجنة أحداث سبتمبر الأميركية، الحديث عن "علامات" على قيام تنظيم "القاعدة" بـ"دور ما غير معروف" في هجمات الخُبر، والتي استهدفت مبنى في مدينة الظهران شرق السعودية، يقيم فيه أفراد من قوات الجوّ الأميركية، وكان ذلك في يونيو/حزيران 1996. وأدت تلك الحادثة إلى مقتل 19 أميركياً وجرح المئات. اتُهم "حزب الله الحجاز" وإيران في هذا الهجوم، بصورة مباشرة. وارتبط اسم القيادي في "حزب الله الحجاز"، أحمد المغسل بالحرس الثوري الإيراني. لكن ظلّت علاقة "القاعدة" بالهجمات غير واضحة بحسب التقرير. وكانت الشكوك تدور حول "القاعدة" في بداية التحقيقات بهجمات الخُبر، باعتبارها امتداداً محتملاً لتفجيرات حي العليا في الرياض، والتي استهدفت عسكريين أميركيين في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1995. لكن السعودية والسلطات الأميركية وجّهت، لاحقاً، الاتهام إلى "حزب الله الحجاز".
في تقرير أحداث سبتمبر الأميركي، هناك إشارة أيضاً إلى زعيم حزب "المؤتمر الشعبي" الراحل، حسن الترابي، كصاحب مشروع توحيد "السنة والشيعة" ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، باعتبار أنّه قام بإقناع زعيم "القاعدة"، أسامة بن لادن، والإيرانيين، إبّان وجوده في السودان بالتسعينيات، بالتعاون في ما بينهم لمواجهة عدوهم المشترك، أميركا، هذه المرة. وكان هناك "اتفاق غير رسمي"، بحسب تقرير اللجنة الأميركية، بين "القاعدة" وإيران، خلاصته أن تقوم طهران بتدريب عناصر من التنظيم على استخدام المتفجرات، بالإضافة إلى تدريبات أمنية أخرى، ليقوموا بعمليات ضد الولايات المتحدة.
ويشير تقرير اللجنة إلى قيام حزب الله اللبناني بتدريب عناصر من "القاعدة" في سهل البقاع الأوسط خريف 1993. ويواصل التقرير تأكيده على أنّ عناصر "القاعدة" الذين تدربوا على يد حزب الله اللبناني، هم من قاموا بهجمات كينيا ونيروبي عام 1998. وبالتالي يثير التقرير الشكوك حول هجمات حيّ العليا 1995 (والتي لم تذكر في التقرير)، وهجمات الخُبر 1996، نتيجة لهذا التعاون أيضاً، باعتبار أنه من "المفترض" أن يكون أعضاء "القاعدة" تدّربوا على استخدام السيارات المفخخة من قبل حزب الله عام 1993.
كل ذلك مأخوذ عن القصة "المفترضة" من التقرير، والذي لا يسرد أي تفاصيل تحيط بها، باستثناء الإشارات المذكورة، إذ إنّ التفاصيل الأوسع حول علاقة "القاعدة" بإيران وحزب الله، توجد في وثائق محكمة نيويورك. أما ما يجزم به تقرير أحداث سبتمبر الأميركي، وهو من المعلومات الشهيرة والمتداولة، فأن إيران سهّلت سفر عناصر من "القاعدة"، من وإلى أفغانستان، ولم تقم السلطات الإيرانية بوضع أختام على جوازات سفرهم، لا سيما السعوديون منهم، وهو ما سهّل عودتهم لاحقاً إلى المملكة، أو قيام المتورطين بأحداث سبتمبر بالحصول على تأشيرة الدخول إلى الأراضي الأميركية، قبيل أحداث سبتمبر.
اقرأ أيضاً: وثائق "القاعدة"... "حرب باردة" مع إيران واليمن حلم مؤجل
ويتحدث التقرير الأميركي عن وجود علاقة بين حزب الله اللبناني وعناصر "القاعدة" التي نفّذت أحداث سبتمبر، إذ يشير إلى مرافقة أحد قادة حزب الله لعناصر التنظيم أثناء ذهابهم من الكويت إلى بيروت، واضعاً احتمال أن يكون الأمر "مصادفة". لكن التقرير يكرّر في مضمونه أنّ هناك مسؤولاً من حزب الله رافق بعض عناصر "القاعدة" في طريق ذهابهم إلى إيران من بيروت. مع إشارات إلى أن هذه العلاقة مردّها إلى أن هؤلاء عناصر من "القاعدة"، لا باعتبارهم سيحضرون للقيام بهجمات 11 سبتمبر. كما يورد التقرير نفي إيران وحزب الله لأي تورط لهم في أحداث سبتمبر. وقدّم التقرير توصية للحكومة الأميركية، مطالباً بأن تقوم بالمزيد من التحقيقات في هذا الأمر.
وثائق محكمة نيويورك
رُفعت قضية من قبل أهالي ضحايا أحداث سبتمبر وممثليهم في محكمة مقاطعة نيويورك الجنوبية، تحاول الربط بين إيران وأحداث سبتمبر. نشرت في ديسمبر/كانون الأول 2011، وثائق القضية التي صدر حكم القاضي جورج دانيلز فيها شهر مارس/آذار الحالي، أنّ إيران تتحمل مسؤولية أحداث سبتمبر، لأنها تواطأت مع عناصر من تنظيم "القاعدة"، وقامت بالسماح لهم بالمرور من وإلى أفغانستان، من دون ختم جوازاتهم، ما سهّل لهم لاحقاً، دخول الولايات المتحدة والمشاركة في هجمات سبتمبر. كما ساهمت إيران، وبحسب الحكم، ومن خلال الحرس الثوري، خصوصاً فيلق القدس وحزب الله، بالقيام بتدريب عناصر من تنظيم "القاعدة" على استخدام المتفجرات وتدمير المباني من خلال هجمات بسيارات مفخخة، معتمدة بذلك على تقرير لجنة أحداث 11 سبتمبر/أيلول الأميركية، التي ذُكرت سابقاً.
كما استندت وثائق المحكمة إلى شهادات متنوعة، من خلال أعضاء في لجنة التحقيق الأميركية لأحداث سبتمبر، وصحافيين استقصائيين، ومتخصصين في الشؤون الإيرانية، وعملاء في وكالة المخابرات المركزية (سي آي إي) الأميركية، وشهادات معارضين إيرانيين، من ضمنهم الرئيس الإيراني الأول للجمهورية الإسلامية بعد الثورة، أبو الحسن بني صدر، قبل أن يحاول مؤسس الجمهورية الإسلامية، روح الله الخميني تصفيته، مما قاده إلى الهروب من إيران عام 1981.
كما تشير وثائق المحكمة، بصورة مباشرة، إلى وجود علاقة بين حزب الله اللبناني و"القاعدة"، ولقاءات بين المسؤول العسكري في الحزب، عماد مغنية، وبن لادن، بالاعتماد على شهادات، وتقارير، أي أنه "جهد قضائي"، وليست معلومات من جهات أمنية واستخباراتية أميركية. وثائق محكمة نيويورك تلفت إلى تقديم الحرس الثوري الإيراني، "فيلق القدس" تحديداً، مساعدات ودعما إلى تنظيم "القاعدة"، وأن بن لادن قام بإرسال قادة من تنظيمه إلى إيران ولبنان (سهل البقاع الأوسط) للتدريب على استخدام المتفجرات، بعدما قام الترابي بدوره في توحيد جهود إيران وتنظيم القاعدة. ويشير التقرير إلى أن أبرز قادة "القاعدة" الذين تدرّبوا في إيران، هو سيف العدل.
المثير في وثائق المحكمة، أنها توضح أن مغنيّة، أو كما يُعرف بـ"الحاج رضوان"، هو من قام بإقناع بن لادن بالعمل معاً لإخراج الولايات المتحدة من لبنان في الثمانينيات، وأنه كان حلقة الوصل الأساسية بين "القاعدة" وإيران في تلك الفترة. كما يشير تقرير محكمة نيويورك، إلى أنّ زعيم الحزب الإسلامي الأفغاني، ذا العلاقات الجيدة مع إيران، قلب الدين حكمتيار، هو الذي قام باستقبال بن لادن، بعد طرده من السودان، إثر الضغوطات السعودية ـ الأميركية على الخرطوم عام 1996.
كما يدل تقرير محكمة نيويورك إلى دور مباشر لـ"القاعدة" في التجهيزات لهجمات الخُبر عام 1996، والتي يُتهم حزب الله الحجاز بتنفيذها، باعتبار العملية ثمرة للتعاون بين إيران و"القاعدة". كما يشير إلى استهداف سفارتَي أميركا في كينيا ونيروبي، كثمرة لهذا التعاون أيضاً، وأن تقنية التنظيم في استخدام المتفجرات، جاءت من الجانب الإيراني.
رد فعل "القاعدة"
من ضمن المتحدثين عن العلاقة بين "القاعدة"، وإيران، وحزب الله، المنظّر الجهادي السلفي، أبو محمد المقدسي، الذي انتقد التنظيم جراء إرساله عناصر للتدريب على يد حزب الله والحرس الثوري الإيراني، الأمر الذي اعتبره "مضرّاً" بعقائد عناصر التنظيم. لكن مصدر معلومات المقدسي ليست التنظيم نفسه، بل مسودات التحقيق مع أعضاء التنظيم، والتي يقول إنّه اطلع عليها أثناء وجوده في السجون الأردنية.
في المقابل، ينفي قادة "القاعدة" وجود علاقة من هذا النوع. فالوثائق الأميركية تفنّد المخططين الرئيسيين لأحداث سبتمبر، خالد الشيخ محمد، ورمزي بن الشيبة. والقادة ينفون بشكل قاطع أي علاقة لإيران أو حزب الله بعمليات سبتمبر، أو تقديمه تدريبات لأعضاء "القاعدة". الأمر ذاته، ينفيه أحد قياديي التنظيم، المعروف باسم أبو حفص الموريتاني، والذي يصف علاقة التنظيم بإيران بـ"علاقة الضرورة"، والتي جاءت بعد هجوم الولايات المتحدة على أفغانستان، ما اضطر عناصر التنظيم للهروب باتجاه إيران مع عائلاتهم. ويتحدث الموريتاني، باعتباره أحد الأشخاص الذين عقدوا تفاهمات مع الجانب الإيراني في هذا الخصوص، مشيراً إلى أن تعامل الإيرانيين معهم كان جيداً بالعموم. لكنه أوضح أن إيران لم تفِ بتعهداتها، إذ قامت باعتقال قادة التنظيم، مؤكداً أن "علاقة التنظيم بإيران لم تكن جيدة في أي يوم من الأيام". كما أكد هذا الكلام القيادي في "القاعدة"، مصطفى أبو اليزيد، والذي يتوافق مع وثائق "أبوت آباد" التي وجدت مع بن لادن، عند مقتله على يد القوات الأميركية عام 2011، والتي تكشف عنها المخابرات الأميركية تدريجياً، أخيراً.
اقرأ أيضاً: اهتمامات بن لادن... مؤلفات هيكل وفيسك والتغيرات المناخية