هجرة عربية جديدة.. شباب على أرصفة قسوة الفرص في ليما وسانتياغو

27 يوليو 2020
يبحث الشباب العرب عن وضع أفضل (العربي الجديد)
+ الخط -

بعد 14 سنة قضاها في السعودية، يجد اليمني إبراهيم الحضرمي نفسه على رصيف عاصمة البيرو، ليما، حيث تتبدى الفروق الطبقية بشكل لا تخطئه عين، لا مقيم ولا سائح. مثله كثيرون من شباب عرب تقطعت بهم السبل، وقد خططوا لأن تكون هجرتهم "مختلفة" عن تلك في أوروبا. ما يزال إبراهيم وبعض رفاقه ينتظرون تسوية أوراق هجرتهم، من خلال مكاتب الهجرة، وعقد عمل إبراهيم في بلد يعاني من فساد كبعض دول أميركا اللاتينية. إبراهيم، الذي توجس بداية من الكاميرا التي حملها مراسل "العربي الجديد" في ليما، وجد شجاعته حين راح المصري الثلاثيني عبد التواب محمود يلوّح بكفيه عن اضطراره إلى الهجرة من محافظة الشرقية في مصر إلى ليما في البيرو، مؤكدا أنه "منذ 2013، غادر أصدقاء لي نحو شرق آسيا. سألتهم أن يكونوا صريحين معي عن الحال هناك، صحيح أن بعضهم وجد طريقه، بعد مشقة ومخاطر مبكية إلى اللجوء نحو أستراليا، إلا أن أصدقائي قالوا لي الحقيقة: لا تخاطر فلن تجد عملا في ماليزيا أو إندونيسيا".

رحلة هجرة طويلة وشاقة

تختلف هجرة إبراهيم وعبد التواب عن هجرة قدماء عرب إلى ليما وسانتياغو، ففي الأخيرة قلة من يجد نفسه في مثل ظروف من حضر إلى ليما، خصوصا من حضروا عبر "كوتا لجوء" الأمم المتحدة، حيث أوجدت لهم الدولة، أثناء حكم يسار الوسط سابقا، المسكن وتعلم اللغة والانخراط في العمل. أثناء حديث عبد التواب عن "هجرة مؤقتة إلى بيرو"، انفرجت أسارير إبراهيم. يبوح بلكنة يمنية وبلغة بسيطة، وهو في الأصل من تعز، وإن بقي حذرا بشأن أسرته، "فهم ما زالوا يعيشون في السعودية، التي كبرت فيها يا أخي العربي في السعودية، لم أعرف اليمن بقدر معرفتي بالسعودية، اشتغلت في شركة لسنوات، وتحملت كل ما لا يخطر على بالك، لكني في النهاية وجدت نفسي على قارعة الطريق مطرودا.. تخيل أني عشت منذ صغري فيها وبعد 14 سنة يقال لك: عد إلى اليمن". غالب إبراهيم دمعة حين صمت قليلا، ويبدو أن 3 سنوات في البيرو حفرت أثرها في وجهه وشعره الذي بدأ يشيب وهو شاب، ليعود بسؤال: "لم علينا نحن العرب أن نسافر إلى أقاصي الأرض وبلادنا، بلاد الله، لا تسعنا ورحبة بغيرنا؟.. بل كيف أغادر إلى اليمن وقد انفجر فيها كل شيء باسم أنهم يريدون تخليصه من الحوثي، هكذا ببساطة يقول لك كفيل لا يفقه أن اليمن يعيش حربا: ارحل إلى اليمن". يخشى عبد التواب محمود الخوض في تفاصيل كثيرة عن حاله في بيرو، ولكنه يذكر أنه اختار هذا البلد "لأن البعض أمّن لي عقد عمل، وعلى أساسه أحصل على إقامة. لقد تركت أسرتي خلفي وأريد مساعدتها، وأسرتي أعني بها أيضا والديّ وأخواتي وزوجتي وطفليّ". وعلى عكس إبراهيم الذي تحرر لسانه من خوف أسباب رحيله، بقي عبد التواب مترددا ومتحفظا بالقول "العمل شحيح في مصر، أفهم ما يجري منذ سنوات في بلدي، لكنه مؤلم جدا أن أضطر وعشرات المصريين أمثالي إلى قطع آلاف الكيلومترات لينتهي بي الحال في مطعم، وليست تلك أحلامي وأمنياتي، لكني أصبّر نفسي بأني أعيل أسرتي بدل أن أصبح عالة عليهم". حال عبد التواب مشابهة لعشرات المصريين في هذا البلد الأميركي اللاتيني. بعضهم خشي أن يتحدث من على بعد آلاف الكيلومترات عن قصته، وكأن الخوف من "بطش بالأسرة" لغة مشتركة لدى الخائفين والمقيمين منذ سنوات متنقلين بين عمل وآخر، وسعي لتأسيس الذات من الصفر. أحد هؤلاء شاب ثلاثيني مفعم بروح ساخرة، كل أمله ألا يُذكر اسمه. يقول عبد التواب: "بصراحة لو أتيح للآلاف مغادرة مصر لفعلوا، وبعضهم جازف بحياته وغرق في المتوسط، وآخرون في طريق التهريب نحو أستراليا". اللبناني ورجل الأعمال علي حامد، وهو يحمل الجنسية البيروفية، تحدّث عن قصص أخرى ناجحة لمهاجرين جدد وصلوا إلى البيرو منذ 12 و13 سنة ولديهم الآن مشاريعهم الخاصة. وأحد قدماء العرب، ممن ولد من أصول فلسطينية أشار لمراسل "العربي الجديد" بالتوجه إلى مسجد ليما حيث "يمكن أن تقابل هؤلاء الذين قدموا حديثا". على درجات المسجد، وقت صلاة الجمعة، ثمة تونسيون ومغاربة لم يترددوا في الحديث عن رحلة طويلة نحو هذه القارة. سعيد وصل من المغرب، وهو مصمم برامج حاسوب، أمله كان أن تكون تشيلي أو البيرو محطة "نحو كندا حيث لي أقارب وأردت أن أعمل بشهادتي، وها قد مرت 4 سنوات وأنا عالق هنا". مثله تحدث مصطفى التونسي: "المهربون يخدعون الناس، وللأسف أن هؤلاء أبناء عرب ينهبون جيوبنا ثم يتركوننا لمصير مجهول، لولا بعض أهل الخير القديمين من الفلسطينيين لما استطعت البقاء يوما واحدا هنا".

اختلاف الأحلام والأوضاع

أحلام عبد التواب وأصدقاء مصريين آخرين بسيطة جدا: "جمع ما أمكن من دخل للبدء بمشروع في مصر"، كما يتجمعون على أحد الأرصفة مقابل أحد المطاعم، ويرجون بأدب ألا تنشر صورهم. بعض هؤلاء، كالشاب اليمني وجد عملا في "مخبز عند سوريين لتوريده إلى مطاعم شاورما رغم قلتها، إلا أنها تنتشر أكثر فأكثر في هذا البلد". تختلف أحلام إبراهيم اليمني عن غيره، يلحّ في تقديم زجاجة عصير رغم أنه يحتاج لكل قرش، فمشواره طويل "فهذه ليست نهاية رحلتي، فقد كان مخططي مع صديق آخر الوصول إلى ديترويت الأميركية حيث يقيم أقارب لي". يريد إبراهيم وصديقه معاذ الوصول إلى أميركا "لإتمام الدراسة التي لم أتمكن منها في السعودية، ولا قدرة للأهل أن يدفعوا لي في جامعات خاصة". ويضيف معاذ أنه ينتظر "مرور 5 سنوات لأتقدم بجنسية بيروفية وبعدها أسافر إلى أميركا. أنا مضطر إلى ذلك، فلم يستطع الأهل تأمين دعوة لي بجواز يمني". تعرضت أحلام بعضهم إلى انتكاسة مكلفة نفسيا وماليا. فإبراهيم الذي تشجع على الكلام، بما يشبه تفويضا من الآخرين، وأحيانا بروح مرحة يقلد فيها اللهجتين اللبنانية والسورية، يقول: "خسرت آلاف الدولارات التي دُفعت لمهربين على أن أصل مثل معاذ إلى أميركا، ثم انقطع بنا الحال هنا في بيرو". وأكثرية هؤلاء من الدول المغاربية واليمنيين يتحدثون عن محطاتهم الأخيرة التي لم يصلوها نحو أميركا وكندا. "خدعة المهربين" يتشارك فيها جيل عربي وجد نفسه في ليما، حيث ينتشر أيضا الفساد والرشى لـ"تسريع المعاملات"، بحسب ما يصف بعضهم. ويكشف بعض هؤلاء، بمن فيهم مصريون يملكون عقود عمل لسنة ونصف أو لسنتين، أن "العقد ليس مجانيا، بل تدفع من دخلك جزءا منه لمن أمّن لك عقد العمل، ويقول لك إنه ليس لجيبه بل لتسيير الأمور، رغم معرفتي أني أُستغل لكني مضطر إلى ذلك كغيري".

بعض تفاصيل الفساد في دوائر الهجرة، كما يرويها هؤلاء الشباب العرب في ليما، تشبه كثيرا فساد مؤسسات عربية، خصوصا لجهة تأمين عقد عمل في مهنة معينة، ليجد الشخص نفسه في مهنة أخرى لا علاقة له بها. وعلى عكس واقع هؤلاء في بيرو، التي بات يفد إليها مهاجرون عرب، خاصة السوريين واللبنانيين من فنزويلا التي تعاني وضعا اقتصاديا صعبا، كان وضع المهاجرين الجدد إلى تشيلي أسهل نوعا ما.

دلالات
المساهمون