في مساره الاجتماعي، بدأ المؤتمر السنوي السادس للعلوم الاجتماعية والإنسانية الذي انطلق أمس في الدوحة، في بحث موضوع هجرة الشباب العربي، ولا سيّما الشابات العربيات.
رأى أكاديميون عرب أنّ مواقف بعض المجتمعات العربية من هجرة المرأة إلى الخارج بدأت بالتغيّر، سواء عند الحديث عن الهجرة الشرعية أو غير الشرعية، حتى أصبحت ظاهرة جديدة في حاجة إلى تسليط الضوء على سياقاتها لفهم أسبابها ونتائجها سواء في المغرب العربي أو في دول المشرق. جاء ذلك أمس السبت، خلال اليوم الأوّل من أعمال المؤتمر السنوي السادس للعلوم الاجتماعية والإنسانية الذي ينظّمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة على مدى ثلاثة أيام.
وهذه الهجرة بحسب باحثين شاركوا في أعمال المؤتمر، لها أثرها على تكوين الأسرة بقدر ما تعكس تغيّراً في الموقف الاجتماعي. وهي أتت نتيجة أوضاع اقتصادية قاسية وتغيّرات اجتماعية جعلت هجرة المرأة العربية ممكنة اليوم. وقد تناولت ثلاث باحثات عربيات مسائل "الهجرة والجندر: هجرة الفتاة العربية"، في المسار الاجتماعي للمؤتمر الذي يواصل أعماله اليوم في الدوحة.
في ورقتها التي جاءت بعنوان "الفتاة العربية والهجرة إلى الجنات الموعودة: محاولة للفهم"، رأت أستاذة علم الاجتماع في جامعة الدمام (السعودية) وجامعة تونس المنار، عائشة التايب، أنّ "هجرة الفتيات العربيات متغيّر مستجدّ بدأ يبرز مؤخراً"، خصوصاً ما اعتبرته ظاهرة هجرة الفتيات العربيات إلى "مناطق وبؤر النزاع" وانضمامهنّ إلى "الجماعات الجهادية". وأشارت إلى أنّها "تشبه ولكن بسياق مختلف هجرتهنّ إلى أوروبا". وأكّدت الباحثة على أنّ معالجة هذه الظاهرة يكون من خلال "الإجابة عن أسئلة التنمية والتهميش" الخاصة بالمرأة العربية.
من جهتها، أكّدت الأستاذة المحاضرة في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، ماريز يونس، أنّ "الأوضاع الاقتصادية وتردّي الأوضاع المعيشية" في لبنان تعدّ من أبرز دوافع هجرة الفتيات اللبنانيات إلى دول الخليج العربي. أضافت في ورقتها التي تطرّقت إلى "هجرة العاملات اللبنانيات إلى دول الخليج"، أنّ الرغبة في الاعتماد على النفس أو تحقيق "الاستقرار الذاتي" يعدّ عاملاً آخر لهجرة الفتيات اللبنانيات. وتحدّثت يونس عن صعوبات تواجه المهاجرات اللبنانيات، أبرزها "صعوبة الاندماج في المجتمع الخليجي" بالإضافة إلى "التمييز ضدها في مكان العمل" والذي يؤدّي إلى عدم التساوي في فرص التطوّر الوظيفي. كذلك، أشارت إلى ملاحظات أخرى مثل "تأخّر سنّ الزواج" بين المهاجرات، وإلى أنّ هذه الهجرة هي "هجرة فتية" و"متخصصة".
أمّا الباحثة مريم الحصباني، وهي طالبة دكتوراه في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، فقدّمت ورقة حول "الجندر والتنقل التعليمي: تجارب الأكاديميين اللبنانيين"، تناولت فيها العوامل المؤثّرة في تنقل الأكاديميين اللبنانيين من بلد إلى آخر أو ما عدّته بصيغة أو بأخرى "هجرة أكاديمية".
إلى ذلك، ناقش باحثون في المؤتمر موضوع "الشباب العربي وأسئلة الهجرة الطلابية"، وسلّطوا الضوء على أوضاع الطلاب العرب في العالم. فأكّد الأكاديمي والباحث العراقي، هاشم نعمة فياض، أنّ الطلاب العرب يتوجّهون للدراسة في دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية، أكثر من دول العالم الأخرى، مضيفاً أنّ أكثر الطلاب العرب في الخارج يأتون من السعودية ثمّ المغرب، بحسب إحصاءات تعود إلى عام 2011. ولفت إلى أنّ الدولة العربية الأقل حظاً في إرسال طلابها إلى الخارج، هي اليمن. وفي ورقته حول "الهجرة الطلابية من البلدان العربية، اتجاهاتها، مقرراتها، تأثيراتها: دراسة استقصائية تحليلية"، بيّن فياض أنّ مفهوم "كسب العقول" ينطبق على "الهجرة الماهرة بين الدول المتقدّمة" أكثر من الهجرة من الدول النامية إلى الدول المتقدّمة، متحدثاً عن صعوبة الحدّ من هجرة الطلاب العرب إلى الخارج إذا لم تُجرَ "تحولات عميقة في البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية" في العالم العربي. وأشار إلى أهمية "بناء دول مدنية ديمقراطية" لتوفير حياة كريمة للعرب توقف من هجرتهم إلى الخارج.
من جهته، سلّط مستشار الدراسات والبحوث في مركز الدراسات الاستراتيجية الأمنية في وزارة الداخلية القطرية، العياشي عنصر، والأستاذة والباحثة في جامعة مستغانم الجزائرية، وسيلة عيسات، الضوء على هجرة الطلاب من الجزائر في ورقتهما التي حملت عنوان "السعي وراء المستقبل المفقود: دراسة حول هجرة الطلبة من الجزائر"، من خلال بحث ميداني يبحث توجهّات الهجرة لدى الطلاب الجامعيين الجزائريين. وتطرّق الباحثان إلى عدد كبير من "العوامل المحفزة لهجرة الطلاب" وأبرزها "الشعور بالإحباط واليأس" و"التضييق على الحريات والضغوطات الاجتماعية" بالإضافة إلى "سيطرة أيديولوجيات محافظة وهيمنة فكر متزمّت وخطاب ديني متشدّد على الجامعات" في الجزائر. ورأى عنصر أنّ ذلك ينطبق على معظم الدول العربية. كذلك شدّد عنصر وعيسات على أنّ "تدهور الوضع الاقتصادي" و"الاستبداد السياسي" من أبرز الأسباب المؤثّرة في هجرة الطلاب الجزائريين إلى الخارج.
أمّا الباحث الجزائري المتخصص في قضايا السكان والهجرة، عبد القادر لطرش، فعبّر عن اختلافه مع الرؤية السائدة التي ترى أنّ هجرة الشباب "ظاهرة" في العالم العربي، مؤكّداً أنّ "تاريخ المنطقة العربية هو تاريخ تراكم للهجرات ومن ضمنها هجرة الشباب". وشرح أنّ "الطلاب العرب هاجروا لطلب العلم قبل الاستعمار العثماني والأوروبي"، بالتالي فإنّ "هجرة الشباب" ليست حديثة ولا تُعدّ ظاهرة، خصوصاً أنّ نسب الشباب المهاجرين تتناسب مع التركيبة السكانية للدول العربية. هم يمثّلون أكبر الشرائح الديموغرافية، إذاً من الطبيعي أن يكونوا في عداد المهاجرين. وقد ذهب لطرش أبعد من ذلك في ورقته التي حملت عنوان "هجرة الشباب العربي: الواقع والآفاق"، قائلاً إنّ الهجرة من العالم العربي "هجرة انتقائية" وإنّ عدد المهاجرين ليس كبيراً بالمقارنة مع عدد السكان، خصوصاً عند الحديث عن الذين يحصلون على إقامة دائمة في دول المهجر. أضاف: "عند الحديث مع المغاربة على شواطئ المتوسط، سيتحدث جميعهم عن رغبتهم في الهجرة، بينما لا يهاجر منهم إلا قلة لأسباب كثيرة أبرزها أسباب اجتماعية".
وتتواصل اليوم أعمال المؤتمر السادس للعلوم الاجتماعية والإنسانية، مع محاضرة عامة للباحث أيمن الزهري عن "الشباب العربي والهجرة الدولية"، وأخرى يقدّمها أستاذ التعليم العالي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس محمد الخشاني حول "هجرة الشباب العربي إلى دول الاتحاد الأوروبي". تُضاف إلى ذلك أربع جلسات أخرى تُدرج تحت عنوان المؤتمر في مساره الاجتماعي "الشباب العربي: الهجرة والمستقبل"، وتتناول محاور عدّة أبرزها الشباب الفلسطيني وأسئلة الهجرة والشتات وهجرة الشباب العربي إلى أوروبا، وكذلك إشكاليات الهجرة في الخليج العربي ومحددات وسياقات هجرة الشباب العربي.