في مدينة خانيونس، جنوبي قطاع غزة، يجد المارون بائع قهوة غير عادي... هو هاني السالمي، الروائي الذي انتشرت أعماله، لكنّ الظروف المعيشية كانت قاسية
بالقرب من مبنى الهلال الأحمر الفلسطيني في مدينة خانيونس، بقطاع غزة الفلسطيني المحاصر، يقف الكاتب الروائي هاني السالمي، بهندامه الأنيق، لا ليتحدث عن كتبه، بل ليقدم القهوة لزبائنه. يتحدث إليهم بلغة ليست لغة الباعة، وما إن يكتشفوا من هو تتغير نظرتهم إليه، ويسألونه عن رواياته، فيجيبهم بابتسامة لا تفارقه.
هاني السالمي (40 عاماً) تخرج من جامعة الأزهر في غزة، في تخصص علوم عامة عام 2002، وحاول الحصول على فرصة عمل لكنّه وجد نفسه أنّه في حاجة إلى واسطة، وأنّها حاجة أساسية للحصول على فرصة عمل في مناطق السلطة الفلسطينية في ذاك الوقت.
انحاز السالمي للكتابة، وربطته علاقات مع الكتاب الفلسطينيين في غزة، وكان وما زال متأثراً بالروايات، خصوصاً الخيالية. وفي عام 2007، قرأ السالمي صدفة إعلاناً لجائزة لكتّاب الرواية الشباب، من مؤسسة عبد المحسن القطان، وكان يبلغ 27 عاماً في ذلك الوقت، ولفتته قيمة الجائزة وهي 5 آلاف دولار أميركي، وكانت مهلة التقديم بعد شهرين من الإعلان، ويجب تقديم رواية من الكاتب، فقرر أن يشارك فيها.
كتب السالمي رواية باسم "النُدبة"، تحدث فيها عن طبيعة الإنسان الذي يرث مالاً وقيمة من أسرته، بينما بطل الرواية ورث من والده حلماً، وهو أن يحب سيدة القصر، ومات وورث ابنه ذلك الحب وأحب سيدة القصر وتمنى أن تحصل علاقة بينهما، لكنّ الناس أطلقوا عليه اسم "مجنون الحلم". حصل على المركز الأول في الجائزة، وفي اليوم التالي وجد اسمه يلمع في الصحف المحلية كأول غزي يحصل على هذه الجائزة منافساً الكتّاب في الضفة الغربية والشتات الفلسطيني والداخل الفلسطيني.
طبعت رواية السالمي بثمن الجائزة من طرف المؤسسة، وبدأ اسمه يتداول بين الكتّاب الفلسطينيين، وبدأ يعمل في مؤسسات المجتمع المدني عبر مشاريع عديدة كناشط اجتماعي ومنشط شبابي ثم بدأ يدرب في مجال الكتابة الإبداعية وكتابة القصص لفئتي الأطفال والشباب، والدعم النفسي عبر الكتابة. ثم عمل مع مؤسسات تعني بالتعليم والثقافة. وفي عام 2008، صدرت للسالمي رواية للأطفال بعنوان "حين اختفى وجه هند".
عاد السالمي للفوز بالجائزة نفسها عن رواية "هذا الرصاص أحبه" عام 2011 وتلقى عروضاً كثيرة من دور النشر، وأكمل طريقه في كتابة روايات وقصص مثل "سر الرائحة" و"الظل يرقص معي" و"الماسة" و"قلب طابو" و"الأستاذ الذي خلع بنطاله" و"الحافلة رقم 6". وكتب رواية "الجنة الثانية" التي تحاكي قصة الجندي الإسرائيلي المختطف في غزة جلعاد شاليط، التي حظيت بتقييم مرتفع، كما وصلت رواياته وقصصه إلى كثير من دول العالم.
يقول السالمي لـ"العربي الجديد": "الكاتب في غزة يتشابه مع شريحة النجار والسباك والحداد والسائق، ففي ظل الظروف العامة فكلنا نذوق من الكأس نفسه. الاحتلال هو المؤثر الأساس في كلّ ما جرى لنا، لكن لا نعلم لماذا الانقسام الفلسطيني. أنا لا أخجل من عملي بائعاً للقهوة، بل أجسد شخصية الكاتب المكافح".
تزوج السالمي عام 2008، ولديه أربع فتيات؛ قمر (10 سنوات)، وسما (9 سنوات)، وسوار (6 سنوات) وجودي (3 سنوات) يعتبرهن أربع روايات، واستطاع غرس حب القراءة فيهن، حتى أنّهن يحضرن في كثير من المرات ليخبرنه أنّهن وجدن اسمه في المكتبة المدرسية، ويطلبن منه المجيء إلى المدرسة للحديث عن بعض قصصه أمام زميلاتهن.
في عام 2014، بدأت ظروف السالمي المعيشية تسوء، فهو لم يحظَ بالعمل مع أيّ من المؤسسات الثقافية أو التعليمية، وترك الناس القراءة في صراعهم لتأمين لقمة العيش. كتب السالمي رواية "المسيح الأخير" لكنّه لم يراجعها لأنّه لا يملك جهاز كومبيوتر. عن الكتابة بالترافق مع أزمة العيش، يقول: "لا يجوز أن أكتب وأنا جائع. أسرتي تحتاج إلى دخل مالي للعيش، وبناتي يحتجن لمتابعة الدراسة". هكذا قرر أن يشتري من أحد أصحاب بسطات المشروبات عربته، وأحضر بعض الأدوات المنزلية ليباشر العمل عليها.
اقــرأ أيضاً
بدأ السالمي عمله قبل ثمانية أشهر. في البداية كان يشعر بالخجل من احتمال أن يشاهده من يعرفه، وهو يعدّ القهوة والشاي والنسكافيه ويبيع السجائر، لكنّه نشر قبل أيام منشوراً على "فيسبوك" يعلن فيه أمام الجميع أنّه هنا ولا يكره عمله على بسطة قهوة، فهو ما يزيد إصراره على أن يكون كاتباً فخوراً بما قدمه في عالم الأدب. يقول لـ"العربي الجديد": "يأتي بعض الكتّاب والمثقفين للجلوس معي عند البسطة، فنتحدث بالشؤون الثقافية. هم يعلمون ظروفي، فغالبيتنا نتشابه في الظروف المعيشية. وتجربتي هذه ستكون رواية في يوم من الأيام".
هاني السالمي (40 عاماً) تخرج من جامعة الأزهر في غزة، في تخصص علوم عامة عام 2002، وحاول الحصول على فرصة عمل لكنّه وجد نفسه أنّه في حاجة إلى واسطة، وأنّها حاجة أساسية للحصول على فرصة عمل في مناطق السلطة الفلسطينية في ذاك الوقت.
انحاز السالمي للكتابة، وربطته علاقات مع الكتاب الفلسطينيين في غزة، وكان وما زال متأثراً بالروايات، خصوصاً الخيالية. وفي عام 2007، قرأ السالمي صدفة إعلاناً لجائزة لكتّاب الرواية الشباب، من مؤسسة عبد المحسن القطان، وكان يبلغ 27 عاماً في ذلك الوقت، ولفتته قيمة الجائزة وهي 5 آلاف دولار أميركي، وكانت مهلة التقديم بعد شهرين من الإعلان، ويجب تقديم رواية من الكاتب، فقرر أن يشارك فيها.
كتب السالمي رواية باسم "النُدبة"، تحدث فيها عن طبيعة الإنسان الذي يرث مالاً وقيمة من أسرته، بينما بطل الرواية ورث من والده حلماً، وهو أن يحب سيدة القصر، ومات وورث ابنه ذلك الحب وأحب سيدة القصر وتمنى أن تحصل علاقة بينهما، لكنّ الناس أطلقوا عليه اسم "مجنون الحلم". حصل على المركز الأول في الجائزة، وفي اليوم التالي وجد اسمه يلمع في الصحف المحلية كأول غزي يحصل على هذه الجائزة منافساً الكتّاب في الضفة الغربية والشتات الفلسطيني والداخل الفلسطيني.
طبعت رواية السالمي بثمن الجائزة من طرف المؤسسة، وبدأ اسمه يتداول بين الكتّاب الفلسطينيين، وبدأ يعمل في مؤسسات المجتمع المدني عبر مشاريع عديدة كناشط اجتماعي ومنشط شبابي ثم بدأ يدرب في مجال الكتابة الإبداعية وكتابة القصص لفئتي الأطفال والشباب، والدعم النفسي عبر الكتابة. ثم عمل مع مؤسسات تعني بالتعليم والثقافة. وفي عام 2008، صدرت للسالمي رواية للأطفال بعنوان "حين اختفى وجه هند".
عاد السالمي للفوز بالجائزة نفسها عن رواية "هذا الرصاص أحبه" عام 2011 وتلقى عروضاً كثيرة من دور النشر، وأكمل طريقه في كتابة روايات وقصص مثل "سر الرائحة" و"الظل يرقص معي" و"الماسة" و"قلب طابو" و"الأستاذ الذي خلع بنطاله" و"الحافلة رقم 6". وكتب رواية "الجنة الثانية" التي تحاكي قصة الجندي الإسرائيلي المختطف في غزة جلعاد شاليط، التي حظيت بتقييم مرتفع، كما وصلت رواياته وقصصه إلى كثير من دول العالم.
يقول السالمي لـ"العربي الجديد": "الكاتب في غزة يتشابه مع شريحة النجار والسباك والحداد والسائق، ففي ظل الظروف العامة فكلنا نذوق من الكأس نفسه. الاحتلال هو المؤثر الأساس في كلّ ما جرى لنا، لكن لا نعلم لماذا الانقسام الفلسطيني. أنا لا أخجل من عملي بائعاً للقهوة، بل أجسد شخصية الكاتب المكافح".
تزوج السالمي عام 2008، ولديه أربع فتيات؛ قمر (10 سنوات)، وسما (9 سنوات)، وسوار (6 سنوات) وجودي (3 سنوات) يعتبرهن أربع روايات، واستطاع غرس حب القراءة فيهن، حتى أنّهن يحضرن في كثير من المرات ليخبرنه أنّهن وجدن اسمه في المكتبة المدرسية، ويطلبن منه المجيء إلى المدرسة للحديث عن بعض قصصه أمام زميلاتهن.
في عام 2014، بدأت ظروف السالمي المعيشية تسوء، فهو لم يحظَ بالعمل مع أيّ من المؤسسات الثقافية أو التعليمية، وترك الناس القراءة في صراعهم لتأمين لقمة العيش. كتب السالمي رواية "المسيح الأخير" لكنّه لم يراجعها لأنّه لا يملك جهاز كومبيوتر. عن الكتابة بالترافق مع أزمة العيش، يقول: "لا يجوز أن أكتب وأنا جائع. أسرتي تحتاج إلى دخل مالي للعيش، وبناتي يحتجن لمتابعة الدراسة". هكذا قرر أن يشتري من أحد أصحاب بسطات المشروبات عربته، وأحضر بعض الأدوات المنزلية ليباشر العمل عليها.
بدأ السالمي عمله قبل ثمانية أشهر. في البداية كان يشعر بالخجل من احتمال أن يشاهده من يعرفه، وهو يعدّ القهوة والشاي والنسكافيه ويبيع السجائر، لكنّه نشر قبل أيام منشوراً على "فيسبوك" يعلن فيه أمام الجميع أنّه هنا ولا يكره عمله على بسطة قهوة، فهو ما يزيد إصراره على أن يكون كاتباً فخوراً بما قدمه في عالم الأدب. يقول لـ"العربي الجديد": "يأتي بعض الكتّاب والمثقفين للجلوس معي عند البسطة، فنتحدث بالشؤون الثقافية. هم يعلمون ظروفي، فغالبيتنا نتشابه في الظروف المعيشية. وتجربتي هذه ستكون رواية في يوم من الأيام".