فروع مطاعم الهامبرغر الأميركية الأشهر تملأ المناطق اللبنانية، لا يخلو مول من أحدها، وتنتشر في كلّ شارع معروف في العاصمة بيروت وبقية المدن. هي على هذه الحال التصاعدية منذ افتتاح أول فرع محلي للأسماء الأميركية الثلاثة الأكثر شهرة في هذا المجال في منتصف تسعينيات القرن الماضي. لكنّ الهامبرغر نفسه سبقها، إذ كانت بعض مطاعم الوجبات السريعة اللبنانية تروّج لهذا السندويش المختلف عن غيره في استدارته ومحتوياته.
أحد هذه المطاعم أو "السناكات" كان في منطقة رأس بيروت. ولفترة طويلة واقعة في قلب الحرب الأهلية تحديداً والتي انتهت رسمياً عام 1990، وممتدة إلى أوائل فترات السلام، كانت تلك المطاعم الصغيرة، وهذا المطعم من بينها، تحتكر تجارة الهامبرغر في المنطقة الغربية لبيروت.
المطعم مقسوم طولياً إلى قسمين، الأول للموظفين الواقفين دائماً خلف براد طويل مجهز سطحه لتمكينهم من تحضير السندويش وخلفهم تقلى البطاطا وتجهّز اللحوم فوق السخان المسطح، مع كلّ ما يمكن أن يضاف إلى السندويش من بيض أو جبن، فتبدو استدارتهم النصفية المتكررة إلى ما شاء الله يومياً أشبه ما تكون بمسّاحات زجاج السيارات. أما القسم الثاني فهو للزبائن يتسع لأشخاص يصطفون وقوفاً إلى جانب بعضهم البعض في مواجهة الموظفين ينتظرون طلباتهم، خلفهم زبائن آخرون حصلوا على طلباتهم وجلسوا يأكلونها في مواجهة الجدار.
سندويش الهامبرغر كان شهياً بالنسبة للجميع، حتى من يأكله لأول مرة إذ يحلّ ضيفاً على صديق خبير في أكله وارتياد مطعمه الأفضل. هناك في كلّ الأحوال سرّ ما في ذلك السناك ما زال حتى اليوم يعطي طعماً مختلفاً للسندويش لديه عن غيره مهما كثرت المطاعم وانتشرت.
وسط كلّ الزبائن، كان مدير المحلّ يجلس خلف الصندوق. ومع تلبيته طلبات الزبائن إذ يتقاضى منهم المال ويعطيهم البونات (قسائم الشراء)، لا يتسنى له إلا أن يأكل في مكانه. ببساطة، لم يكن يأكل الهامبرغر، بل ما يأتي به من منزله من يخنة ومحاشي مليئة بالمرق، ولعلّ أكثر أكلة شوهد يأكلها هناك هي يخنة البازيلا (البازلاء)، المطبوخة مع اللحم والجزر والتوابل المختلفة بالإضافة إلى الأرزّ إلى جانبها.
جميع من في المكان، حتى الموظفون، يتناولون أنواع الهامبرغر "الشهية" ويأكل هو ما قد يكونون قد امتنعوا عن أكله في منزلهم وأنكروه.
المسألة تتكرر في كثير من المواقف من حولنا، وليست مرتبطة بهامبرغر وبازيلا فحسب، بل في تمايز قد تعتبره الفئة الغالبة أدنى مرتبة منها، لكنّ نظرة المتمايز بالذات إلى نفسه قد تكون لها الكلمة الفصل في مواجهة جميع أعداء البازيلا.