هاشم مطر.. أبعد من قوس قزح

05 يوليو 2015
هاشم مطر في مطبعته (العربي الجديد)
+ الخط -
"صعوبة أوضاع العراق لم تسمح لي بالعودة"، هكذا يتحدث هشام مطر لـ "العربي الجديد". لم يكن أمامه سوى أن ينتقل في عام 1987 إلى كوبنهاغن، وكانت زوجته قد نالت درجة الدكتوراه في "الأدب المقارن" ببلغاريا.
بعد ربع قرن تعود بهاشم ذكريات البداية، فلم يكن في ذلك الوقت لديه أطفال، مندفعا برغبة في أن يحقق شيئا، ولو خارج شهاداته العلمية وصعوبات العمل الصحافي في تلك الأيام.
أقام هاشم علاقات منذ اللحظات الأولى بمحيط دنماركي، ليقترب أكثر من تأسيس شيء قريب منه، فالورق والأُفست والغرافيك في صلب دراسته للصحافة. لمعت فكرة "مطبعة" عند هاشم "لِمَ لا ولم يكن هناك كبير فرق بين ما تعلمته وعملت به في صحافة تلك الأيام، التي اعتمدت أكثر على أدوات وقياسات غير التي حملها عصر الثورة التقنية لاحقا، فقد بحثت عما هو قريب من المهنة التي تعلمتها ومارستها في بلغاريا وسورية وغيرهما".
كان هاشم طالبا جامعيا ناجحا حين راح يحلم في ثمانينيات القرن الماضي بصحافة وطباعة أجادهما، ولم يمض وقت طويل حتى أصدر مع زملاء له مطبوعته الأولى في كوبنهاغن "بعدد يتيم" كما يقول "أبو نخيل".

بداية المشروع الطباعي
كان وقع التطور من حوله سريعا في مجال قدوم مهاجرين ولاجئين في ذلك الزمن، مع بدء الحاجة لمواكبة الثورة التقنية "رحت أطور مواهبي باتجاه الكومبيوتر والأدوات الجديدة، فدخلت دورات عدة لأعرف كيف أتعامل مع هذا التطور الذي يسابق ما تعلمته من ماكيت وأفست باتجاه تلبية شيء في السوق متعلق باللغة والحروف التي لا تملكها مطابع دنماركية. فأقمت مشروعي الصغير في مطبعة (إن تروك IN tryk) لمدة عام".
علاقات هاشم بزملاء دنماركيين أفادته كما يقول في الاطلاع على ما يدور حوله من تطورات "في بداية 1990 انتقلت إلى مكان أكبر وبدأ مشروعي في مطبعتي قوس قزح. ومع اتساع الحاجة للمطبعة وتوسع الفئة المستهدفة وجدت نفسي أنتقل مجددا إلى مكاننا الحالي الأوسع".

تغير الوضع، مثلما تبدل "زبائن" قوس قزح. فارَقَ كثيرون ممن وقفوا إلى جانبه من الأصدقاء الدنماركيين الحياة، لكنه بقي يحاول أن يصمد أمام سرعة الثورة التكنولوجية مرة أخرى. العرب الوافدون إلى كوبنهاغن بدأوا أيضا بمشاريع صغيرة كانت تحتاج أيضا لمطبعة هاشم مثلما كانت حاجة بعض الوزارات والمؤسسات لطباعة كتيبات إرشادية وقوانين إلى جانب سرعة الغرافيك والطباعة، فبعد أن كان الريبرو هو الأساس أصبحت أجهزة الكومبيوتر وآلات الطباعة باهظة الثمن هي الأساس.
مطبعة "قوس قزح" كانت أيضا تنتج العديد من الكتب بالعربية وغير العربية لجهات رسمية ولشخصيات تصدر إنتاجها الأدبي والفكري إلى جانب العديد من الملصقات والمطبوعات. معلومة خاصة قدمها لنا صديقه الفلسطيني علي "أبو سمرة": أبو نخيل يطبع لنا كل ما يتعلق بنشاطنا في لجان التضامن وفي حالات كثيرة يقدم عروضا تفاجئ الأصدقاء الدنماركيين.

وبعد أن كان يعتمد على زبائن دنماركيين أصبح أيضا لمطبعته زبائن من المحيط العربي الذي بدأ يفتتح مشاريعه في كوبنهاغن. " كان عليّ أن أستبدل السكانر وأحضر أدوات حديثة، لا يمكنني إلا الاعتراف بأن الأمر المادي كان يقف عقبة في وجهي. لكنني قدمت مشروعي من جديد للبنك، ولمؤسسات تعنى بوضع دراسات جدوى، وهكذا استطعت أن أحضر أحدث التقنيات إلى مطبعتي. وبعضها بطريقة عقد ايجاري من قبل شركات عملاقة."
يعتبر كثيرون من العارفين بهاشم مطر والطباعة بأنه "من أوائل العرب في كوبنهاغن ممن زاوجوا بين الغرافيك والطباعة في ذلك الوقت". كان يصعب على المطابع الدنماركية أن تملك القدرة على التعامل مع الحرف العربي ولذا وجد "أبو نخيل" نفسه منشغلا بطلبات كثيرة من مؤسسات عدة تعنى بشؤون اللاجئين والمهاجرين، من حيث الاندماج والتقارب الثقافي والمساواة وحقوق الإنسان وغيرها من القضايا التي تشغل المجتمع مع قدوم عشرات الآلاف من المهاجرين واللاجئين.
وبحسب أبو نخيل فإن "التبدلات الحكومية، تارة يمين وتارة يسار، أثّرتْ سلبا وإيجابا على عملنا". فأحيانا كانت حكومات اليمين برأيه تقلص الدعم للمؤسسات التي كانت تعنى بطباعة مواد في مطبعته.
ولكن الوقت لم يكن في مصلحة جميع المطابع بحسب ما يضيف "لم يبق من 15 مطبعة دنماركية في محيطي سوى مطبعتي قوس قزح، فقد أغلقت البقية بعد أن أصبحت الخدمات تنهال من شركات عملاقة تقدم عروضا لا تستطيع المطابع منافستها، بينما استطعت البقاء بفضل ما أقدمه للزبائن من تعامل لا تقدمه تلك الشركات".
استمرت مطبعة قوس قزح حتى بعد الانتقال إلى الديجيتال الطباعي وبمواصفات سرعة فائفة "لم تكن عائقا بوجهي بفضل عملي على مواكبة التطور، وأصبح بإمكاني القيام بعملي بنفسي بدل الاعتماد السابق على 3 إلى 4 أشخاص وهو ما يوفر وقتا أيضا في إنتاج المطبعة، رغم أنه يزيد الأعباء المالية من حيث التكلفة". أصبح اليوم لمطبعة قوس قزح التي يديرها هاشم مطر الكثير من الزبائن من أصول مهاجرة "فهم يسيطرون الآن على معظم المتاجر والأسواق وشركات التنظيف وأصبح لديهم أعمال ممتازة، ولهذا أستهدفهم بعروضي لأقدم لهم أفضل الخدمات، وخصوصا قدرتي على تقديم التصميم الذي يريده الزبون".
يطلب هاشم من زبونه أن يعرض عليه فكرته ثم يقوم هو بنفسه بعمل التصميم وهو ما لا تقدمه المطابع الكبيرة عبر الإنترنت". ورغم دخول شركات كبيرة على الخط، فإن أبا نخيل ما يزال صامدا في مطبعته بعد ربع قرن.
ورغم ذلك يقول:" بعد 25 سنة بين مكائن وحواسيب التصميم والطباعة ورغبتي في أن تنقل التجربة لجيل آخر، ما زالت لديّ أحلامي وآمالي في الانتهاء من رواية لم تنشر وأن أتفرغ للأدب والكتابة والسفر". لم يكن لهاشم مطر حين انتقل وزوجته قبل 28 سنة إلى كوبنهاغن أطفال، واليوم لديه بنتان تدرسان في الجامعة وإحداهن نالت درجة الماجستير وهو يأمل في أن يكون مستقبل المهاجرين أكثر إشراقا في بلد ولدوا فيه.

المساهمون