تشكّل وعي الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد (1927 – 2020) الذي رحل أمس الإثنين في كندا، لحظة تهجير العصابات الصهيونية للعائلات الفلسطينية وانتزاعها من قراها ومدنها قسراً عام 1948، حيث عمل متطوّعاً في مساعدة اللاجئين القادمين عبر المراكب إلى مخيمات غزة المدينة التي ولد ونشأ فيها.
يشير الراحل في مقابلة صحافية سابقة إلى أن المأساة تجلّت في ذهنه منذ أن شاهد الفلسطينيين يدقون أوتاد الخيام، حيث كتب قصيدته الأولى في تلك الفترة، وكأنها مرجعية لتاريخ طويل سيكتبه بالشعر، ووضع عنوانها: "سترجع مرّة أخرى"، يقول فيها: أخي مهما ادلهم الليل سوف نطالع الفجر/ ومهما هدّنا الفقر غداً سنحطم الفقر/ أخي والخيمة السوداء قد أمست لنا قبرا/ غداً سنحيلها روضاً ونبني فوقها قصرا/ فلسطين التي ذهبت سترجع مرّة أخرى.
ولد صاحب "أرض الثورات" (1958) في حارة الزيتون بمدينة غزة، وشهد طفلاً سياسات الاستعمار البريطاني التي قادت إلى سلب أجزاء من فلسطين التاريخية وتسليمها للاحتلال الصهيوني، وشهد وسمع أيضاً أعمال المقاومة الفلسطينية ضدّ البريطانيين ثم ضد الإسرائيليين، وظلّ طوال سبعة عقود وأكثر يسجّل ذاكرة الألم والصمود، غير متخلٍ عن الأمل بالتحرير والعودة حتى رحيله في المنفى.
بدأ رشيد كتابة ملحمة شعرية فلسطينية حفظتها أجيال عدّة
ومع صدور ديوانه الأول "مع الغرباء" (1954)، ستغني فيروز إحدى قصائده التي تحمل عنوانه، ويأتي في كلماتها: أبي قل لي.. بحق الله هل نأتي الى يافا؟/ فإن خيالها المحبوب في عيني قد طافا/ أندخلها أعزاء برغم الدهر.. أشرافا؟/ أأدخل غرفتي.. قل لي أأدخلها، بأحلامي؟/ وألقاها، وتلقاني! وتسمع وقع أقدامي!/ أأدخلها بهذا القلب؟ هذا المدنف الظامي.
عن الطفلة ليلى التي رآها تسأل والدها عن يافا التي أجبرت عائلتها على مغادرتها، بدأ رشيد كتابة ملحمة شعرية فلسطينية حفظتها أجيال واظبوا على الاستماع لشعره من الإذاعات وقرارة بعضه في المناهج الدراسية، حيث غنّى قصائده العديد من المطربين العرب، ومنها "سنرجع يوماً"، و"جسر العودة" التي غنتها فيروز، و"قصة" فايدة كامل، و"أنشودة العودة" محمد فوزي، و"أحبك يا قدس" محمد قنديل، و"فلسطين" كارم محمود، "جراح القدس" طلال مداح.
حاز صاحب "طيور الجنة" (1988) الدبلوم العالي لتدريب المعلّمين في كليّة غزة، وعمل في سلك التعليم حتى عام 1954، حيث انتقل بعدها للعمل في مكتب إذاعة "صوت العرب"، ثم التحق بمنظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسيسها، وساهم في إنشاء دائرة إعلامها في غزة إلى أن أجبره الاحتلال الإسرائيلي على تركها بعد احتلالها عام 1967.
أصدر هارون هاشم رشيد أكثر من عشرين مجموعة شعرية مثل: "غزة في خط النار" (1957)، و"حتى يعود شعبنا" (1965)، و"سفينة الغصب" (1968)، و"رسالتان" (1969)، و"رحلة العاصفة" (1969)، و"فدائيون" (1970)، و"مزامير الأرض والدم" (1970)، و"الرجوع" (1977)، و"مفكرة عاشق" (1980)، و"يوميات الصمود والحزن" (1983)، و"النقش في الظلام" (1984).
إضافة إلى عدد من المسرحيات الشعرية التي مزجت بين المتعة الفنية والقيمة الفكرية الوطنية الملتزمة، ومنها "السؤال" (1971)، و"سقوط بارليف" (1973)، و"عصافير الشوك" (1990).