هارتموت فاندريش: غربة الأدب العربي في ترجماته

19 أكتوبر 2015
(هارتموت فاندريش)
+ الخط -

وأنا متوجه إلى موعدي معه في المقهى، لم أكن قد أعددت أسئلة محددة. أردت أن يجري الحوار على نحو شبيه بدردشة حرّة من دون أطر مسبقة. كان سؤال البداية كلاسيكياً: لماذا العرب؟ لماذا الأدب العربي؟ يجيب هارتموت فاندريش ببساطة "إنها الصدفة".

يكشف أنه، في الثانوية، قد درس العبرية التوراتية التي كانت مطروحة كمادة اختيارية في المنهج الدراسي، الأمر الذي دفع به إلى الاهتمام باللغات السامية عموماً، ومنها تخصّص في العربية. سألته: "ما هي برأيك السمة الأبرز في الأدب العربي؟"، ردّ بأن الرابط الوحيد الجامع لدى الكتّاب العرب هو اللغة الفصحى، وأن هذه الأخيرة نفسها تتباين في خيار المفردات المستخدمة من بلد لآخر تبعاً لاختلاف اللهجات المحكية.

يرى فاندريش أن الأدب العربي عموماً، والأدبين اللبناني والمصري خصوصاً، مسكونان بالغربة والانسلاخ والإحساس بفقدان المكان الأصلي، ويعود ذلك برأيه إلى التقلبات المتواصلة التي تعيشها المنطقة العربية منذ سقوط العثمانيين، كما يعود إلى الدور الجذري الذي لعبه الكتّاب المغتربون والمنفيون في تاريخ الأدب العربي الحديث.

يلاحظ المترجم بأن التهكم، الذي يُعد من أبرز السمات في الأدب الغربي المعاصر، قليل الحضور في الأدب العربي، ما يفسّره بفائض القمع السياسي والأمني الذي كوى الوعي العربي وترك أثره في وجدان الكتّاب.

إلا أنه يشير بأن الأنظمة العربية تُبدي أحياناً حيال الأنشطة الثقافية تساهلاً غير معتاد لدى السلطات القمعية، فالسلطات المصرية مثلاً تسجن غالباً الكتّاب والمثقفين لنشاطهم السياسي المباشر وليس بسبب شيء كتبوه.

وباعتقاده، لا ينجم ذلك عن سعة صدر هذه السلطات، بل عن اقتناعها بأن الأنشطة الثقافية لا يمكن أن تهدّدها بسبب قلة اكتراث وتأثر المجتمع المصري بها.

ذكّرته بمقال له بالفرنسية اعتبر فيه أن السيرة الذاتية في الأدب العربي، بخلاف المفهوم الغربي، تروي في الغالب الأعم تجربة جيل بكامله وليس تجربة فردية أو شخصية يمكن فصلها عن سياقها الاجتماعي، وسألته إن لم يكن ذلك ينطبق بالأحرى على صنف الكتّاب العرب الذين يثيرون اهتمام الغرب، في حين يتم تجاهل أولئك الذين يكتبون الأدب لوجه الأدب ويستمدون إلهامهم من تجارب شخصية لا مكان لها في سوق السياحة الاستشراقية.

هنا، دافع عن وجهة نظره بسرد أمثلة عدّة لا تقتصر على الأعمال المترجمة والمعترف بها في الغرب، إلا أنه وافق على أن الاهتمام الغربي بما يخرج عن الدائرة الأوروبية والأميركية يكاد يقتصر على الكتّاب الذين تقدم أعمالهم شهادة عن ثقافة وتحوّلات مجتمعاتهم، وفي الحالة العربية تحديداً، هو يتركّز حول المواضيع التي تحاكي هواجس الغربيين الراهنة (الثقافة الإسلامية، أوضاع النساء والمثليين في المجتمعات العربية إلخ).

أخبرته عن مقولة صديقة روائية عن كافكا، بأنه لو ولد عربياً فما كان أحد ليهتم به لا في العالم العربي ولا في الغرب، فردّ بأنه يتفق معها تماماً.

دلالات
المساهمون