هادي يحسم تكهنات الغياب: ما ثمن التهدئة مع "الانتقالي"؟

15 أكتوبر 2018
توارى هادي لنحو أسبوعين بعد عودته من نيويورك(جون مور/Getty)
+ الخط -

على غير المعتاد، ظهر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، بخطاب مرتجل، في الذكرى الـ55 لثورة 14 أكتوبر/تشرين الأول 1963، حاول من خلاله إيصال رسائل مباشرة، بعد أكثر من أسبوع على الجدل المثار حول تواريه عن الأنظار، عقب تصعيد حلفاء الإمارات في عدن، مطلع أكتوبر الحالي، وفي ظل حالة ارتباك تعيشها الحكومة اليمنية، عقب الأزمة الاقتصادية الأخيرة، ووسط التسريبات التي تتحدث عن توجه لتغيير، أو تعديل، حكومي من شأنه أن يرضى رغبات ومطالب التحالف السعودي الإماراتي، في مقابل وقف تصعيد الانفصاليين جنوباً.

وتصدّر فريق "الحراك الجنوبي"، المعارض لكل من الشرعية والتحالف العربي، بزعامة القيادي فادي حسن باعوم، واجهة الاحتفال بذكرى ثورة أكتوبر في عدن. فيما أفادت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، بأن حالة من الهدوء سادت غالبية مناطق المدينة، التي بدت الحياة فيها طبيعية إلى حد كبير، بعد إعلان "المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم إماراتياً، إلغاء الفعالية المركزية لـ"التصعيد" ضد الشرعية، والتي كان من المقرر أن تقام في عدن أمس الأحد، بالتزامن مع الاحتفال بثورة أكتوبر، وبعدما كان روّج لليوم نفسه، كمحطة لانطلاق "الانتفاضة" التي يفرض من خلالها سيطرته على المقرات والمصالح الحكومية في المناطق الجنوبية.

وفي المقابل، جاءت مناسبة أكتوبر، لتعكس أزمة الشرعية وترهّل حضورها في المناطق الجنوبية والشرقية، أو تلك التي تُعرف بـ"المحررة" من جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، في واحدة من أهم المناسبات الوطنية اليمنية، ومع تواجد أغلب مسؤولي الشرعية، حكومة ورئاسة، خارج البلاد، وسط تسريبات متواترة، عن وضع الشرعية وعن ثمنٍ قد تدفعه الأخيرة مقابل وقف تصعيد الانفصاليين، بالقبول بتغييرات على صعيد مسؤولي الحكومة وتحالفاتها، بما في ذلك، تشكيل حكومة جديدة، أو إجراء تعديل في حكومة أحمد عبيد بن دغر، وإقرار تعيينات لموالين لـ"المجلس الانتقالي"، بصورة أو بأخرى. وعلى الرغم من ذلك، جاء خطاب هادي، المثير للجدل، عشية ذكرى الثورة، ليعوض الغياب، حيث وجه رسائل ضمنية إلى الانفصاليين، المدعومين من الإمارات، بما فيهم ما يُعرف بـ"المجلس الانتقالي". وقال "ما أشبه الليلة بالبارحة"، في إشارة إلى أن هناك من يسعى إلى "إعادة الاستعمار" في المحافظات الجنوبية، في مقابل محاولة الحوثيين "العودة إلى نقطة الصفر" (مرحلة ما قبلة الثورة شمالاً وجنوباً). وأضاف "لن أسمح على الإطلاق باقتتال الجنوبيين فيما بينهم". واعتبر أن "ما يجري في صنعاء لن يتكرر في الجنوب، وعلى الذين يفكرون في هذا (الأمر) أن يبتعدوا، لأنني لن أسمح به"، في إشارة واضحة إلى أن ما يقوم به حلفاء أبوظبي من الجنوبيين لا يختلف عما قام به الحوثيون في صنعاء، من انقلاب على الحكومة الشرعية. وزاد بجمع الحوثيين والانفصاليين جنوباً في زاوية واحدة، ليس على صعيد الانقلاب، بل كذلك، باتهامات بتلقي الطرفين الدعم من إيران.



وإلى جانب عدد غير قليل من الرسائل التي تضمّنها الخطاب، بدا هادي حريصاً، هذه المرة، على أن يخاطب اليمنيين بصورة مباشرة، بعد تكهنات حول وضعه، نتيجة تواريه عن واجهة العديد من اللقاءات والأنشطة الحكومية، منذ ما يقرب من أسبوعين، عقب عودته من الولايات المتحدة، التي قضى فيها أغلب أيام سبتمبر/أيلول الماضي، في زيارة خصصها لإجراء فحوصات طبية، والمشاركة في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة. واقتصر حضوره الإعلامي، منذ أكثر من أسبوع، على رسائل التهاني والتعازي، وتحديداً منذ آخر اجتماع عقده في الثالث من الشهر الحالي، مع السفير الأميركي لدى اليمن، ماثيو تولر، بالتزامن مع إصدار "المجلس الانتقالي الجنوبي" بيانه الداعي إلى السيطرة على المؤسسات الحكومية في المناطق الجنوبية في اليوم نفسه.

وبرز غياب هادي، خلال الزيارة الأخيرة للمبعوث الدولي إلى اليمن، مارتن غريفيث، إلى الرياض، الأسبوع الماضي. إذ اجتمع الأخير مع نائب الرئيس، علي محسن صالح الأحمر، ومع رئيس الحكومة، أحمد عبيد بن دغر. والأخيران ظهرا في الأسبوعين الأخيرين، بأكثر من لقاء وتصريح مرتبط بالتطورات، في مقابل تضارب المعلومات حول أسباب عدم لقاء هادي مع غريفيث على الأقل، مع أنباء عن اعتذاره عن اللقاء لأسباب مرتبطة بتحفظاته على مواقف تبناها المبعوث الأممي أخيراً، فيما ذهبت أخرى إلى ربطها بالحديث عن تدهور حالته الصحية، وهو ما نفاه ظهوره عشية ذكرى ثورة أكتوبر.

وكان هادي، وعقب عودته من الولايات المتحدة في 28 سبتمبر/أيلول الماضي، وصل إلى الرياض، وترأس اجتماعات للحكومة واللجنة الاقتصادية المعنية بالأزمة، وأجرى اتصالاً هاتفياً، في الأول من الشهر الحالي، مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أطلعه على مستجدات الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة في البلاد، وطلب دعماً سعودياً، إلا أن الجانب السعودي أعلن عن تقديم منحة للبنك المركزي اليمني، بمبلغ لا يرقى لمتطلبات الأزمة (200 مليون دولار)، في خطوة بدت أقرب إلى الرفض منها إلى التجاوب. وفتحت حالة الارتباك التي تعيشها الشرعية، الباب أمام المزيد من التكهنات حول ترتيبات التغييرات، لا سيما مع تزامن هذه الأحداث مع دعوات جرى توجيهها لأعضاء البرلمان المؤيدين للشرعية، للحضور إلى الرياض، لتدارس الترتيب لعقد جلسة برلمانية، ستكون الأولى من نوعها، بالنسبة للشرعية، بحيث قد يضفي تفعيل "مجلس النواب" شرعية لأي ترتيبات أو تغييرات يدعمها الجانب السعودي على صعيد هيكل الشرعية، أو أي اتفاقات توقّعها الحكومة، على غرار ما يرتبط بالرغبة السعودية بمد أنبوب نفطي عبر محافظة المهرة اليمنية، الحدودية مع سلطنة عُمان. وبقي البرلمان منذ عامين على الأقل، ورقة في أيدي الحوثيين وحلفائهم، بسبب وجود أغلب أعضائه وهيئة رئاسته في صنعاء. وعلى الرغم من نزوح أعداد جديدة إلى صف الشرعية في الشهور الأخيرة، إلا أن الشكوك ما تزال تُثار حول مدى إمكانية نجاح أي جهود لتفعيل البرلمان، بشقه المؤيد للشرعية، بإجراءات لا تتجاوز الدستور اليمني واللوائح التي تحدد شرعية عقد جلسات وانتخاب قيادة جديدة من عدمها.