تلاحق الأزمات والصعوبات الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي من صنعاء إلى عاصمته الجديدة، عدن. من بين المشاكل ما هو عام، وبينها ما هو خاص بالجنوب اليمني، الذي يعتبر الحاضنة الشعبية له نظرياً، كون ذاك الجنوب هو مسقط رأسه أصلاً ولم يقطع صلته به حتى منذ انتقاله العسكري والسياسي إلى "الشمال".
ومنذ وصول هادي إلى عدن، بدأت الأصوات ترتفع داعيةً إياه لإجراء "مصالحة" جنوبية ــ جنوبية، مع كل مكوّنات المجتمع الجنوبي لقطع الطريق أمام خصومة السياسيين لاستغلال الخلافات الكثيرة في الجنوب، ضد الرئيس، ولا سيما أن خصومه ينتظرون عثراته جنوباً، للفتك فيه مرة أخرى، وإخراجه من المشهد السياسي.
فهادي، رغم عودته إلى عدن، وامتلاكه قوة لا بأس بها في عاصمة الجنوب، لم يتخلص بتاتاً من الضعف الذي عاناه في صنعاء، وخصوصاً لناحية الضعف في الحاضنة الشعبية والسياسية التي استغلها خصومه للانقضاض عليه، وهي التي قد تضعفه في عدن أيضاً، إن لم يكن الرجل يأخذ تلك المسألة في عين الاعتبار.
من خلال الأيام الأولى لحكم هادي في الجنوب، يظهر كأنه استخلص دروساً قيّمة من تجربته في صنعاء، فيكشف مقربون منه أنه فتح بالفعل حواراً مع مكونات المجتمع الجنوبي بكل فئاته وأطرافه وتوجهاته، ويقدم على مصالحة معهم، خصوصاً مع القبائل والحراك الجنوبي. والطرف الأخير، بفصائله المختلفة ومكوناته، يُعَدّ اللاعب الشعبي الأساسي في هذه المنطقة الشاسعة من اليمن، ولديه مشاكل كبيرة جداً مع هادي تراكمت خلال سنوات حكم الرجل.
إقرأ أيضاً: هادي يروي أسرار خروجه من تحت أنف الحوثيين
كما أن ترميم بعض المظالم الجنوبية، يُعد إحدى مبادرات تلك المصالحة، كبادرة حسن نية، وزرع الثقة، لا سيما أن جزءاً من المشاكل بين هادي والجنوب موروث من عهد الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. كما أن هناك مناطق عانت ولا زالت تعاني حتى اليوم، من بطش وقتل وحصار، من قوات توالي كلاً من الحوثيين وصالح، وهي تقوم بذلك منذ حكم هادي، كما هو الحال في ردفان والضالع، وهو ما لطالما سبّب إحراجاً للرجل في فترة حكمه، من دون أن يتمكن صالح من تغيير قيادات عسكرية محسوبة على الحوثيين وصالح وابنه أحمد، بسبب الضغوط عليه من الأطراف التي تواليها هذا القوات. وفي الوقت نفسه، ظلت هذه الأطراف تستغل سياسياً ما ترتكبه قواتها ضد هادي، لإدخال هادي في صراع مناطقي جنوبي، وهو ما أثر على شعبية هادي جنوباً، وشعبية الأطراف الموالية له، بما فيها أحزاب "اللقاء المشترك" (تكتل المعارضة زمن حكم صالح) التي كانت تدعم حكمه.
لذلك يرى الكثير من الموالين أن على هادي فتح خطوط تواصل مع هذه المناطق، وإعادة ترميم هذه العلاقة، وإصلاح ما ارتكبه خصومه باسمه، وذلك من خلال إعادة الاعتبار لهم وإشراكهم في الدولة، واستبدال قادة عسكريين بأبناء هذه المناطق.
يجمع عدد كبير من المراقبين على أنه بقدر احتياج الجنوبيين لهادي اليوم، إلا أنه أكثر حاجةً لهم من أي وقت مضى، سواء لجهة الأحزاب السياسية والحراك الشعبي، أو منظمات المجتمع المدني والشباب والقبائل التي تعد، إلى جانب اللجان الشعبية، أهم "أدوات" حكمه الذي بات يعتمد على الجنوب بمساحته وموقعه الاستراتيجي وتمركز الثروة فيه.
عن هذا الموضوع، يقول المحلل السياسي، مدين مقباس، لـ"العربي الجديد" إن هادي مطالب بالتصالح مع بيئته وحاضنته الشعبية في الجنوب، مشدداً على أن التطورات الميدانية وتحركات صالح وخطابات زعيم الحوثيين جميعها عوامل "تقود إلى أن هؤلاء يتحركون بدوافع مذهبية ومناطقية ضد الجنوبيين، لهذا نشعر وكأننا أمام تكرار لسيناريو 1994 حين تكتل حينها الإخوة في الشمال ضد الجنوب، وهذه المرة بقيادة صالح والحوثيين من خلال استغلال عدم وحدة الجنوبيين".
كلام ينطلق منه مقباس ليعتبر أن على الجنوبيين أن "يؤسسوا تحالفاً سياسياً اجتماعياً قبلياً، فضلاً عن ائتلاف سياسي ــ اجتماعي عام لمناطق الجنوب والوسط بشكل عام تحت شعار رفض الانقلاب الحوثي لإسقاط المراهنات في الجانب الأمني، ولجعل عدن منطقة آمنة لاستقبال الحراك السياسي الإقليمي والدولي الآتي".
إقرأ أيضاً: الحوثي يهاجم هادي و"الإصلاح" والسعودية ويلوّح بإيران