نيوشا توكليان.. كاميرا ليست للبيع

09 أكتوبر 2014
عمل من سلسلة "إصغاء" (2012)
+ الخط -

حتى عهد قريب، كانت "جائزة كارمينياك" الفرنسية للتصوير الفوتوغرافي تحظى بهالة من الاحترام في ساحة التصوير العالمية، وتبدو كهدية سماوية بالنسبة إلى الفنانين الذين يعانون من شح الموارد المخصصة للفن الفوتوغرافي. فهذه الجائزة التي يرعاها المليونير الفرنسي إدوار كارمينياك، تبلغ قيمتها نحو 60 ألف دولار وتتيح للفائز بها عرض صوره في أهم المعارض الفرنسية والعالمية، وإصدار كتاب فني يضم صوره المعروضة.

في عام 2009، مُنحت الجائزة للمصور الألماني كاي فيدينهوفر عن أعماله حول العدوان الإسرائيلي على غزة. غير أن فوز الفنانة الإيرانية نيوشا توكليان بها هذا العام شكّل ضربة لصورة الجائزة وسمعتها بسبب جدل ساخن بين راعيها وتوكليان، أجّجته الأخيرة بإعلان انسحابها ورفضها الجائزة.

وقائع القصة تعود إلى بداية الشهر الماضي، حين أعلنت "مؤسسة كارمينياك" أنها قررت تأجيل عرض صور الفائزة في باريس بسبب تعرّض توكليان وعائلتها لمضايقات الرقابة الإيرانية. غير أن الفنانة سارعت إلى نفي ذلك في رسالة طويلة عمّمتها على الصحافة، نافية تعرّضها للرقابة ومشيرةً إلى أن السلطات الإيرانية بريئة من تهمة المضايقات وأن المشكل يكمن في المؤسسة الفرنسية وسلوك صاحبها إدوارد كارمينياك الذي تدخّل في عملها وأراد تقديمه في خانة سياسية محددة تعكس رؤية غربية سطحية للمجتمع الإيراني.

وشرحت توكليان تفاصيل الخلاف مع الراعي الفرنسي بإلحاحه على حقّه في اختيار صور المعرض والكتاب، والتدخّل في صياغة العناوين والتعليقات المرافقة للصور، وإصراره على وضع "الجيل الضائع" عنواناً للمعرض لأهداف تسويقية؛ وهو ما رفضته الفنانة التي كانت تنوي وضع عنوان آخر، أقل إثارة، تراه متناسقاً مع روح الصور المعروضة: "أوراق بيضاء من ألبوم صور إيراني". واختتمت رسالتها بالتنديد بأساليب المؤسسة الفرنسية المتناقضة مع أهدافها، معلنةً رفضها الجائزة وقائلةً: "حرّيتي الفنية ليست للبيع".

وكانت توكليان (34 عاماً)، التي تقيم وتشتغل في إيران، قد اختارت أن تتناول في عملها حياة الجيل الذي وُلد بعد الثورة الإسلامية، وهو ما أنجزته عبر تتبّعها وإنجازها صوراً مختلفة لتسعة أشخاص تتراوح أعمارهم بين 25 و35 عاماً. هكذا، وجد كارمينياك نفسه في مواجهة مع فنانة عنيدة لم يكن يتوقّع أن تحرجه؛ هو الذي اعتاد فرض ما يحلو له على كل الفائزين السابقين. وقد نجحت الفنانة في كشف صورته الحقيقية كشخصية مزاجية ومتسلّطة تمارس شتى الضغوطات على الفائزين بالجائزة، منذ استحداثها عام 2009، وهو ما يتعارض كلياً مع أهدافها المعلنة التي تدّعي "الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية التعبير"، خصوصاً في البلدان التي تُحجَب فيها هذه الحقوق عن الفنانين.

"مؤسسة كارمينياك" اليوم في وضع حرج وباتت سمعتها مهدّدة، إذ كيف ترفع راية الدفاع عن حرية الفن في الوقت الذي تمارس فيه الرقابة على الفنانين وتفرض عليهم شروطها! وقد بلغت الأزمة أوجها بعد تهديد لجنة القيميين على الجائزة بالاستقالة في حال لم يجد كارمينياك حلاً لقضية الفنانة الإيرانية ولم يتوقف عن التدخل في كل صغيرة وكبيرة بخصوص معارض الفائزين واختياراتهم الفنية. وهو ما حصل الأسبوع الماضي، خلال اجتماع اللجنة معه وقبوله في النهاية بتسوية تحافظ على ماء وجه المؤسسة، وتعهّده بالكف عن التدخل في عملها واحترام حرية الفائزين في الجائزة في تقديم أعمالهم بكل استقلالية. ومن جهتها، تعهّدت المؤسسة بأن يتكفل رئيس لجنة القيميين، الذي سيتغير كل عام، بالإشراف على تنظيم معرض الفائز وعلى تحرير الكتاب المخصص لأعماله.

هكذا انتهى الخلاف بين المؤسسة ونيوشا توكليان التي، ما إن وصلها نبأ تعيين الإيرانية آناحيتا قبيان مشرفةً على معرضها ومحررة للكتاب الفني، حتى بادرت بالتراجع عن رفضها الجائزة في مقال نشرته في صفحتها على فيسبوك، وجّهت فيه تحية إلى كل الذين ساندوها في معركتها "من أجل حرية التعبير التي يجب أن لا تبقى شعاراً فقط"، كما كتبت.

نذكر أخيراً أن نيوشا توكليان فنانة عصامية بدأت بنشر صورها في الصحافة الايرانية وهي في سن الـ 16. اشتهرت بتحقيقاتها المصوّرة التي غطّت فيها الانتفاضة الطلابية عام 1999 مبرزةً وجوه شبان وشابات ايران الجديدة التي طالبت بالإصلاحات والديمقراطية. اكتسبت عام 2002 شهرة عالمية بفضل صورها عن أعمال العنف في العراق الذي قضت فيه عدة شهور متنقلةَ بين المدن والمحافظات المنكوبة. كذلك انجزت عدة تحقيقات في سوريا ولبنان واليمن والسعودية ونشرت صورها في أهم الصحف والمجلات الدولية. ومثل أبناء وبنات جيلها من المصوّرين الشباب، تعلّمت التعايش مع الرقابة والتحايل عليها من دون الدخول في مواجهة مفتوحة مع السلطات.

في تحقيقاتها المصوّرة، تسعى توكليان إلى التقاط اليومي والتماعاته الفردية في مجتمع مغلق تهيمن عليه ثقافة ولاية الفقيه. كما تستثمر المشاهد العادية التي توحي بمفارقات صارخة بين "المُعلن والمعاش". وتركّز على التحولات المجتمعية والثقافية التي صارت تميّز الأجيال الايرانية الشابة التي ضاقت ذرعا بالثقافة الرسمية التقليدية.

المساهمون