نيل القاهرة محرم على فقرائها: السكن للأغنياء فقط

03 ابريل 2014
معدات تزيل عمارات مطلة على النيل في المعادي
+ الخط -

على مشارف النيل في حي المعادي الراقي (جنوب القاهرة) لاحت لبعض الأسر فرصة العمر للسكن إلى جوار النهر الخالد، هنا في المنطقة الواقعة خلف المحكمة الدستورية العليا، وبجوار المستشفى العسكري، ترتفع عمارات شاهقة تعتبر من أغلى مناطق مصر في السكن، تتخللها قطع فضاء متناثرة، يسكن عليها فلاحون قدموا الى العمل في العاصمة منذ ستينيات القرن الماضي.

ظلت هذه الأراضي تداعب خيال التجار بما تساويه من ملايين الجنيهات، و يعيش عليها أكثر من 3 آلاف أسرة أغلبهم من الاطفال والنساء والشيوخ العجائز، الذين تتوزع إقامتهم على 130 برجاً وبيتاً فلاحياً بسيطاً بنيت غالبيتها على مرأى ومسمع من الجميع، منذ عشرات السنين، مستغلين قانوناً يتيح التصالح مع الدولة لواضعي اليد ويقنن أوضاعهم الخاطئة.

 استغل بعض المقاولين أزمة السكن في القاهرة، وشيدوا عمارات على عجل، وبالرشى والعلاقات مدوا إليها الخدمات من كهرباء وماء، ثم باعوها لأسر فقيرة دفعت فيها "تحويشة العمر".

 فجأة ومن دون سابق إنذار، تلقى هؤلاء أوامر بإخلاء مساكنهم العشوائية فوراً، وهدمت بلدوزرات الجيش المدعومة بقوات الأمن مساكن المواطنين بعد تفجيرها بالديناميت في مأساة إنسانية دفع ثمنها مواطنون راحوا ضحية جشع المقاولين وتهاون الدولة وفساد رجالها ، وألقي بهم في العراء.

مأساة السكان

 "موت وخراب ديار" هكذا يصف السكان المخلون بقوة الديناميت وضعهم المأساوي، يقول محمد علام "نحن جميعاً في الأصل من أبناء الأقاليم، قدمنا من، سوهاج والعياط والمنوفية والشرقية وغيرها، الى هذه المنطقة منذ زمن طويل وفي حالة تنفيذ الإزالات فإننا سنشرد في الشوارع"، ويتابع "هل يعقل أن يحدث ذلك لمجرد أن رئيس الوزراء، إبراهيم محلب، يسكن في عمارات، عثمان، التي تبعد عنا أمتاراً، ويرغب في طردنا بعيداً عنه.

من جانبه يقول، محمد أبو السعود، مزارع من سكان المنطقة: إن هناك من باعوا كل ما يمتلكون حتى ملابسهم من أجل شراء قطعة أرض لا تزيد عن نصف قيراط، وبنوا بيوتاً بسيطة، غالبيتها بارتفاع دور واحد، وأشار إلى أن هذه الأرض وضعت اليد عليها منذ زمن طويل، والمفروض أنه أصبح لنا شرعية قانونية عليها بحكم القانون، فكيف نخرج منها بين ليلة وضحاها ونجد أنفسنا وأسرنا في الشارع؟

 أما، زينب عبد اللاه، التي تنتظر دورها في الإزالة تقول: إنها تسكن في هذا المكان منذ نحو 20 عاماً مع أسرتها التي تضم 7 أفراد، اشترينا المنزل وأوصلنا المياه والكهرباء من دون أن يخطرنا أحد بأننا مخالفون. فكيف يأتون اليوم ليقولوا لنا ارحلوا واذهبوا الى الجحيم.

ويقول، خالد محمود، من سكان المنطقة أن هذه الأرض لها مرافق كاملة من مياه وكهرباء تم توصيلها وفقا للإجراءات الرسمية "وكنا ندفع فواتير شهرية مثل أي مشترك آخر، وكان وضعنا مستقراً تماماً عندما بنينا منازلنا، ولم يكن ذلك خلسة أو في الظلام".

الإزالات الانتقائية

  المهندس، سيف الله أبو النجا، رئيس جمعية المعماريين المصريين، أكد بأن ما حدث من إزالات بشكل عشوائي وتشريد للمواطنين ناتج من جهل الحكام الحاليين وجهل المحافظين بقواعد التنمية العمرانية واقتصار التعامل مع الإسكان الموازي على الإزالات التي تتم بشكل انتقائي لتهجير المواطنين من منازلهم من دون حتى توفير السكن البديل لهم.

ويتساءل، أبو النجا، "أين كنت يا محافظ القاهرة عندما قاموا بالبناء؟" ويشير إلى أن الحل لتلك المشكلة هو في إتاحة الاراضي المرفقة للمواطنين ليبنوا عليها بأسعار مناسبة وليس باتباع نظام المضاربات التي اتبعها، وزير الاسكان الاسبق، أحمد المغربي، في عهد المخلوع، مبارك، عندما دشن نظام المزادات سعر بيع أراضي الدولة مناقضاً دور الدولة الرئيسي، وهو الاتاحة والرقابة والتخطيط. فعندما تتاح مساحات كبيرة من الاراضي الكثيرة لن يذهب أحد الى البناء على الارض الزراعية.

للأغنياء فقط

 يضيف، أبو النجا، "الأراضي المخططة حاليا قليلة جداً ومغلقة فقط على فئات معينة من المواطنين من أصحاب المال والجاه والسطوة، الذين يستطيعون الحصول على الأراضي، إما بالمزادات أو بنظام التخصيص، الذي أعاده مؤخراً المستشار، عدلي منصور، رئيس الجمهورية المؤقت.                                            

من جهته تساءل الدكتور، رأفت شميس، خبير الإسكان الحضري في مركز بحوث الاسكان والبناء، "لماذا تهدم مساكن المواطنين الغلابة خلف المحكمة الدستورية وتترك المناطق العشوائية في عموم مصر؟"

ويضيف "يفترض أن توضع معايير ثابتة للإزالة، وألا تتم بشكل عشوائي هكذا، مع الاعلان عنها قبل تنفيذها بفترة مناسبة، وتوفير السكن المناسب للسكان بدلا من تركهم هكذا في الخلاء بلا مأوي، مشيراً الى أن أسلوب التفجير في الإخلاء لا يجب أن يتم في المناطق التي يوجد فيها جيران وداخل كتلة سكنية كما يحدث حاليا.

الإزالات ليست حلاً

من جانبه يؤكد المهندس، هاني المنياوي، خبير العشوائيات الدولي، بأن ما يحدث حاليا من زيادة المناطق العشوائية ووصولها الى لأحياء الراقية ناتج عن تراكم الفجوة بين العرض والطلب على الاسكان وذلك لأن الحكومة تقاعست عن توفير الاسكان للمواطنين طوال الفترة الماضية، ومع عدم نجاح الخطط الاقتصادية المتعاقبة زادت البطالة، ونزح كثير من المواطنين من الأقاليم الى القاهرة بحثاً عن الرزق وأنشأوا ما يعرف بالمناطق العشوائية بجوار الأحياء الراقية.

الحوار أولاً
وأضاف، أن ما حدث من هدم مساكن المواطنين خلف المحكمة الدستورية بهذه الطريقة خطأ، وكان يجب أولاً فتح حوار بين الحكومة والسكان ينتج عنه، إما القيام بالإزالة مع توفير سكن مناسب للمواطنين، أو توفيق أوضاعهم مقابل مبالغ يلتزمون دفعها وأن يتم توصيل المرافق كلها لهم بالشكل الطبيعي.

و يتفق، المنياوي، مع كثير من الخبراء في أن إزالة هذه الابراج يخالف "قانون المصالحات في المباني المخالفة" الذي أعده رئيس الوزراء، إبراهيم محلب، بنفسه في يناير الماضي، عندما كان وزيراً للإسكان وأحاله الى مجلس الوزراء بعد مراجعته قسم التشريع والفتوى في مجلس الدولة  والذى نص على مجموعة من الشروط لإجراء المصالحة وتقنين الاوضاع جميعها ينطبق على حالة عمارات المعادي.                                          

 وحدهم المواطنون في هذه المناطق من المعادي يقفون في عرض الشارع في انتظار هدم متوقع لمنازلهم البسيطة، تقول شيماء "عندي استعداد للسجن أو أن أموت مقابل عدم هدم منزلي حتى لا أرى أولادي يلقون في الشوارع ".