حوار طويل بين الأمواج والنخيل، ومحادثة عميقة بين الفن والعلم، عشق مفضوح بين الماء والشمس، وغيرةٌ بطعم مالح. إنَّها نيس، المدينة الملكة الواقعة جنوب فرنسا على ساحل البحر الأبيض المتوسط، بين مدينتي مارسيليا وجنوى الشهيرتين، في إقليم ألب كوت دازور. مدينة يبلغ عدد سكانها مليون نسمة، وتبلغ مساحتها 71.92 كيلومتراً مربعاً، من قطع متداخلة بين جبال تصل إلى السماء، وبحر تتمرى به الغيوم. إنها نيس أقدم وأجمل المدن السياحية بالعالم، عاصمة الريفييرا الفرنسية، خامس المدن الفرنسية. إنها هذا المزيج بين الأخضر والأزرق، والذي يضم أكثر من 300 هكتار من الحدائق والساحات العامة. وهي المدينة التي تخبّئ سرّ السماء في الأرض، تخبئه في 150 نبع ماء.
ستصلها حين ستصل إلى مطار نيس، ثاني أكبر مطار في فرنسا. سيستقبلك خليج الملائكة، وستوصلك ملائكة الجمال فيه، إلى هذه القطعة المذهلة من شواطئ البحر الأبيض المتوسط. وستكتشف أنك دخلت مكاناً، سيبقى في داخلك طويلاً بعد أن تغادره. فترة أطول بكثير مما كنت تتوقع، ستدخل مدينة نيس الفرنسيَّة، التي خُلقَت كالمغناطيس الذي يجذب الناس إليه من شتى بقاع الأرض. وستعرف أنها أخذت جاذبيتها من عيونها المتفتحة على العالم، ومن تلك العقول التي أحيت فيها العلم والتكنولوجيا، خاصة بعد أن أصبحت نيس مركزاً للبحوث في الصناعة والعلوم والتكنولوجيا المتقدّمة، وذلك منذ إنشاء هذه المراكز الكثيرة المتقدّمة والمتخصّصة فى كلّ مجالات العلوم، ومن المتاحف التي تزهو نيس بتميزها، لتصير عاصمة بحرية حقيقية للفن في العالم. والأهم، أن جاذبيتها هذه أتت من روح سكانها الفرحة والبسيطة والطيبة، ومن قبولهم للآخر المختلف بثقافة كاملة الوعي والرقي.
ستأخذك الشوارع بنخيلها أولاً، إلى أكثر ما تفخر فيه نيس التي تعيش في المسافة بين اللون والظل في أعمال الرسام، هنري ماتيس، في متحف ماتيس الشهير، والذي يخلد هذا الاسم الذي لن ينساه العالم ، حيث ستروي لك اللوحات والجدران في أثناء التجول فيه، قصة حياة هذا الفنان الحقيقي من بدايتها وحتى وفاته، وذلك من خلال اللوحات الآسرة الصارخة بالجمال الجسدي والحسي وبالجرأة والدقة الناطقة، ومن خلال بعض المتعلّقات الشخصيّة والمقتنيات التي ما زالت تبوح بالكثير من تفاصيل حياته الغنية والصاخبة. ستترك متحف ماتيس وتصل لمتحف مارك شاغال الشهير، الذى يحتفي بغرابة وتفرُّد أعمال هذا الفنان وبمدى حداثة أفكاره، وستسجنك اللوحات بألوانها. وستسكنك الدهشة وتخلخل الأسئلة التي تثيرها هذه الأعمال في أبنية روحك. وستستمتع كثيراً بهذه الزلازل الخفيفة التي ستهزُّ أرض قناعاتك كثيراً.
بعدها، ستصل إلى متحف الفنون الجميلة، الذي يضم تنوّعاً رائعاً من الفنون الفرنسية من القرن التاسع عشر والقرن العشرين، مثل مونيه وسيسلي وبودين. كما أنَّه يحتوي على معرض النحت الذي يتضمن أسماء مثل رود وكاربو ورودان. وحين تسأل عن هذا المبنى المميَّز بتصميمه الهندسي وبزخارفه، ستعرف أنّه كان مقر إقامة الأميرة الأوكرانية السابقة.
تُكمِل حصّتك من الرسم والنحت، وحصّتك من الدهشة والسؤال، وتتجه إلى ميناء نيس لتريح دمك قليلاً من كل هذا الجريان. ستصل لميناء هو من أجمل الموانىء التي يتعلق بها كل من زارها، ستشاهد بعينيك وروحك إقلاع عَبَّارات كورسيكا، وستشهق أمامك منارة نيس العريقة، وكاسر الأمواج. لكن ما سيدهشك أكثر، هو النصب التذكاري الذي هو عبارة عن ذكرى الجنود الذين سقطوا دفاعا عن المدينة.