نيران إعلامية صديقة

29 مايو 2014

لميس الحديدي وابراهيم عيسى أجريا حوارا مع السيسي(فرانس برس/GETTY)

+ الخط -
مقالات كثيرة ستكتب بشأن ما حدث في الانتخابات المصرية الرئاسية، والتي دخل التصويت فيها تمديداً إضافياً، ليحصل السيد الجنرال على بغيته من الأصوات التي يحلم بها، وكان متوقعا أنها مجرد تحصيل حاصل، وحصاد حاصد.
لكن، ما نعرفه، وأصبح العالم يعرفه، أن الجنرال الحالم لم يحصد ما يشتهي، بل صدم، قبل غيره، بنجاح مقاطعة الشعب المصري الانتخابات، وتمديدُ الاقتراع، بشكل عشوائي أكثر من مرة، دليل ذاتي على حجم الصدمة التي مُنِيَ بها. وما زال الوقت مبكراً للإحاطة بكل تداعيات هذه "الفضيحة" التي أحاقت بالجنرال من حيث لا يحتسب، أي من حيث الجماهير المليونية، التي أظهرتها شاشات التلفزيون يوم 30 يونيو/حزيران الماضي! لكننا نحاول أن نقرأ ما حدث، من خلال سببٍ نراه وراء ما حدث، أي من خلال لعبة الإعلام، والتي نجحت في ذلك اليوم إلى حد كبير. لهذا، استمرأ الجنرال اللعبة، وظن أنها ستنجح معه دائما. فاعتمد عليها في خطواته اللاحقة. وكانت أولى هذه الخطوات شيطنة الآخر المناوئ له، وتصويره على أنه العدو الحقيقي والوحيد للثورة، والتي بدت، لحظتها، وكأنها قامت على الفراغ وحده.
اختفى حسني مبارك ونظامه من المشهد، أو كاد، ولم يعد يتذكره أحد إلا في الدقائق القليلة التي ترشحُ من محاكماته. ومع نظام مبارك، اختفت الطبقة الفاسدة التي تحكمت في أقدار مصر طويلا. وبالتأكيد، اختفت مع هذا كله، وقبله وبعده، إسرائيل، ولم تعد العدو التقليدي لمصر والعرب، ولم يعد وجودها يمثل أي خطر، في ظل وجود خطر داهم اسمه تنظيم الإخوان المسلمين، الذي ظهر فجأة في شهور قليلة من عمق تاريخٍ عمره ثمانون عاماً.
لسنا بصدد تحليل ما حدث، على الرغم من الحاجة الماسة دائما إلى تحليلات متنوعة لتداعيات إحدى أجمل ثورات العالم، نعني ثورة "25 يناير"، لكننا نقرأ المشهد الإعلامي في إحدى زواياه على الأقل، ونعني بها الزاوية، التي رأى كثيرون منها الانقلاب العسكري باعتباره ثورة، وما أعقبه من أحداث تفرعت عنها، وتوشحت برائحة الدم والبارود، انطلاقا من ميدان رابعة العدوية في القاهرة.
كان الدم لا يزال يسيل، عندما بدأ إعلاميون مصريون مشاهير كثيرون تشغيل مصنعهم الضخم، الذي ظل يعمل ليل نهار، وعبر معظم الشاشات والصحف ووسائل الإعلام الأخرى، لإنتاج مادة واحدة هي مادة الديكتاتور. كان كثيرون يعملون في هذا المصنع، ويجتهدون في إسكات أي صوت، يعترض على ما يقومون به، ولو كان منهم وفيهم. وكلنا، كمتابعين، رأينا ما حل بباسم يوسف، وببرنامجه، الذي أراد أن يقدم فيه، وإن باستحياء، ما يخفف من غلواء الحماسة لتلك "الصناعة"، بفضح رموزها وتفكيك خطابها ونشر غسيلها. لكن، نتيجة لذلك، صار هدفاً إضافيا لأولئك الصناع، حيث عملوا على عرقلة البرنامج أكثر من مرة، حتى توقف!
الغريب حقاً أن ذلك المصنع الإعلامي، ولكثرة الشغل والإنتاج كما يبدو، أصابه خلل في عمله، فأصبح يطلق نيراناً صديقة على الجنرال، بالمبالغة في تقديم الجنرال للناس بطريقة غير مسبوقة، أو بفضحه أمامهم بطريقة غير مقصودة، أو بالإلحاح عليهم للمشاركة في الانتخابات، لا ليختاروا رئيساً، بل ليسهموا في تنصيب الرئيس المختار سلفاً، مما ساهم في إيجاد مشهد الانتخابات الخاوية على عروشها! 
مع هذا، لم يتوقف المصنع عن العمل، بل استمر في الإنتاج، ولكن، بصورة مكشوفة ومضحكة هذه المرة. فظهر هؤلاء الإعلاميون، طوال أيام الانتخابات، وهم يتباكون على قلة المشاركين في الانتخابات، أو ندرتهم، و"يشحذون" الصوت الانتخابي بطريقة غير مسبوقة، حتى أن أحدهم لم يخجل من إعلان استعداده لتقبيل أقدام من يذهب ليدلي بصوته في الانتخابات، وبلغ به الحماس إلى حد التعبير بشكل مضاد لتعبيره الأول، فدعا إلى ضرورة قتل كل امرأة مصرية، تفضل قضاء الوقت في التسوق، بدلاً من الذهاب إلى مركز الاقتراع!
ذكّرتني مشاهد المذيعين والمذيعات، الذين سبق وأن ملأوا الدنيا صراخاً في شيطنة "الإخوان"، وصناعة الزعيم العسكري الجديد، وهم ينوحون على قلة الجماهير المتحمسة للجنرال وانتخاباته، ذكّرتني ببرنامج باسم يوسف، وكيف يمكن أن تصبح تلك المشاهد مادة له، لو قدر له أن يعود، ولن يحتاج أي تعليق لاذع منه، ليضيفه على ما يختاره منها، يستطيع أن يعرضها كما هي فقط، ليرى العالم وجهاً من وجوه الإعلام الخفية عليه! وليرى الجنرال وهو يتلقى النيران الصديقة، ولا يستطيع لها دفعا!
CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.