نور البحرينيّة.. الرقصُ اندماجٌ للروح والجسد

04 أكتوبر 2014
للرقص جدوى نفسيّة (رسم أنس عوض)
+ الخط -
هي لا تُدعى نور ولم تولد بشعر أشقر اللون. لكنها تُضطر اليوم إلى استخدام اسم مستعار وقد عمدت إلى صبغ شعرها، مؤكّدة على أن الأمر مؤقّت. فالمجتمع البحرَيني الذي، وإنْ بدا أكثر انفتاحاً بالمقارنة مع المجتمعات الأخرى المجاورة، إلا أن إطاره يتشابه وإطاراتها. وبالتالي، فإن امتهان تدريب الرقص لا يلقى ترحيباً ولا تشجيعاً من قبل العائلات. وإذا لم يكن ذلك على خلفيّة "العار" والأعراف والتقاليد، فقد يكون انطلاقاً من عدم الاعتراف بتدريب الرقص كمهنة قائمة بحدّ ذاتها.
وتخفي نور عن عائلتها عملها كمدرّبة رقص في عدد من النوادي الرياضيّة. فقط بعض المقرّبين منها يعرفون "سرّها".
بالنسبة إليها، سيأتي اليوم الذي تكشف فيه عن هويّتها الحقيقيّة. لا مفرّ من ذلك. والمسألة ليست قضيّة قلّة جرأة أو تردّد نتيجة خوف. كل ما في الأمر أنها تؤجّل صداماً جديداً مع أهلها، "حتى أصبح أكثر قوّة".
فقبل سنوات، خلعت المرأة حجابها وانفصلت عن زوجها. وواجهت مَن حولها.
لكن نور ابنة قرية. ويبقى لذلك أحكامه. صحيح أن الفرق اليوم ليس واضحاً بين أهل القرى وأهل المدن في البحرَين، إلا أن الناس في المدن يتقبّلون بشكل أسرع الأفكار الجديدة ويتبنّونها. من هنا، تُضطر ابنة القرية إلى مواجهة الواقع والصورة النمطيّة التي تُلصَق بالراقصة أو بمدرّبة الرقص.
قد يقول البعض إن في هذا الكلام مبالغة، لا سيّما مع وجود مدرّبات بحرينيات لبرنامج اللياقة البدنيّة، "الزومبا"، وتمارين "الأيروبيك" في النوادي الرياضيّة النسائيّة. لكن هؤلاء لم يتمكّنَّ، على الأرجح، من الحصول على وظيفة "مدرّسة رياضة" في المدارس، وبالتالي فإن أكثرهنّ سيتخلّين عن وظائفهنّ تلك في النوادي النسائيّة، حالما يتوفّر البديل "الأنسب".
نور ليست من هؤلاء. فنادراً ما نجد مدرّبة رقص بحرَينيّة تشرح لطالباتها قصّة الأغنية التي سيتمايلنَ على أنغامها إلى حدّ الاندماج. كذلك لن نجد مدرّبة رقص تحاول دعم متدرّباتها نفسياً وتحدّثهنّ عن ضرورة الاندماج الروحي والحسّي مع حركات الجسد.
عندما تخرّجت الشابة، المقتدرة مادياً، من الجامعة، مع شهادة في المحاسبة، حاولت العمل في مجال تخصّصها، لكنها لم تجد نفسها سوى في الرقص.
تروي بثقة "تعلّمتُ الرقص بمفردي. رقصت مذ كنت طفلة صغيرة". وتتذكّر أنها كانت في البدء تقلّد الحركات، حتى التحقت بمركز لتدريب الرقص. يومها، كانت أصغر الطالبات، "الأمر الذي أثار سخرية مدرّبتنا المصريّة". لكن الأخيرة سرعان ما تخلّت عن سخريتها وقالت لها بعد أدائها الأول: "إنتِ هنا تعلّمي مش تتعلّمي!".
وتشدّد نور على أن إتقان الرقص يحتاج "أولاً وأخيراً إلى ثقة كبيرة في النفس. وهذا هو الدرس الأول الذي ألقّنه لمتدرّباتي. فمن دونها، لا يمكن إتقان أي حركة". وتشرح أنه من دون الثقة، "تأتي الحركات عشوائيّة غير متناغمة. هذا من جهة. أما من جهة أخرى، فإن الرقص هو من أكثر النشاطات الحركيّة التي تساعد على إنقاص الوزن. وهي تأتي في المرتبة الثانية بعد السباحة". وذلك خصوصاً بالنسبة إلى المرأة، "فالرقص يتيح لها خسارة الوزن مع الحفاظ على منحنياتها الأنثويّة". ولعلّ هذا ما يفسّر قوام نور الممشوق وبطنها المسطّح، على الرغم من أنها سبق وأنجبت ولدَين اثنَين.
إلى ذلك، للرقص جدوى نفسيّة، بحسب ما تؤكّد نور. فهو متنفّس للمرأة من الضغوط، بدلاً من تنفيسها من خلال التهام الطعام أو بتعبيرات الغضب أو بأشكال من التوتّر.
من جهة أخرى، تشير نور إلى أن الرقص يزيد من إفراز هرمون السعادة لدى المرأة، تماماً كما تفعل الشوكولاتة. لكن الإكثار من الرقص يفقد النساء الوزن، في حين أن الإكثار من الثانية يزيد الوزن لديهنّ.
وحين تشعر مدرّبة الرقص الشابة بانزعاج كبير، "لا أجد حلاً ناجعاً إلا الرقص. فأوصد باب غرفتي وأعزل نفسي عن العالم، ولا أَخرُج من الغرفة حتى أُخرِج كل طاقاتي السلبيّة عبر الرقص".
ولا تنسى نور التشديد على أن للرقص دوراً في الغواية. وهو أمر لا يختلف عليه اثنان حول العالم. بالتالي هو "عامل مهمّ لتعزيز العلاقة بين الشريكَين، من دون أن يصنّف ذلك في إطار أي انحلال أخلاقي".
وتسأل: "هل يمكن التعامل مع الأمر كفنّ له أهداف سامية؟ هل ننجح في يوم بزرع هذه الفكرة في قلب المجتمع الذي لم يتقبّل كثيرون فيه فكرة الفيلم البحريني "مريمي" الذي يروي قصّة تلك المرأة التي راحت ترقص في بيوت الأثرياء، كي تكسب قوت يومها وتعيل ابنتها الوحيدة بعد وفاة زوجها مؤذّن المسجد؟".
المساهمون