العمال والعمل والقانون وحقوق الإنسان، كلمات عملية تدلّ مجتمعةً على "المجتمع المدني" أو الصورة الحديثة لإرادة الشعب، أفرادًا وجماعات. إلا أن هذه الكلمات العملية لها صورتها المؤطرّة : "الاتحاد العام التونسي للشغل" و"الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية" و"الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين" و"الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان".
هذه الجهات الأربع استحقّت يوم التاسع من أكتوبر / تشرين الأوّل، جائزة نوبل للسلام، فاكتسبت كلمة السلام معنى جديدًا؛ قوّة الحوار. واستعادت الجائزة الشهيرة جزءًا من "صدقيتها المخدوشة" كلّما أعلنت في فرع الآداب اسمًا "غير متوقع"، حيث يتبارى المعترضون "الفوسبيكيون العرب" على الاحتفاء بجهلهم بالكاتب أو الكاتبة المتوّجين بنوبل، لكأنه كان على لجنة نوبل أن تنظر في تعليقاتهم قبل أن تتّخذ قرارها.
اقرأ أيضًً: الجوائز عما قريب
ألا يكون الاسم متوقعًا أو مجهولًا "من طرفنا" نحن العرب، يعني لمن يهتم بالآداب حقًا، أن يهتم فعلًا بالاسم "الجديد" وأن تلتفت دور الترجمة إلى أعماله. لكن صورتنا أدنى إلى صورة البليد الذي يريد من جائزة نوبل أن تُمنح لمن نعرفه نحن، ولمن يعجبنا نحن، ولمن ترجمنا أعماله نحن، كما لو أننا مركز هذا الكون، أو أننا السبّاقون في أمر ما، ونحن حقيقةً سبّاقون في الردح طبعًا والتعليق المستهتر على الفيسبوك.
وبعيدًا من هذه السلبية التي تحتفي بجهلها وفوق هذا تنتقد بسخرية الكسول، من الأفضل الذهاب نحو الأمل بقوّة العمل والإصرار والاستمرار في الحوار من أجل درب يتعبّد بأقدام كل الفاعلين في الجهات الأربع التونسية المتوّجة بنوبل للسلام.
اللافت في الأمر، أن "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" كانت أوّل جمعية من هذا النوع، أسّست في الوطن العربي عام 1977. وترأسها كما هو معروف الرئيس السابق المنصف المرزوقي لأزيد من عشرة أعوام.
من الصحيح أن "المثقف" التونسي لم يستمر في رئاسة تونس، إلا أن التجربة تستحقّ التأمّل، خصوصًا وأنها تفتح الباب أمام السؤال الأزلي عن علاقة المثقّف بالسلطة، وعن التفاوت في العمل في حقلين مختلفين، غير متناغمين بالضرورة. وسيكون بليدًا تاليًا طرح السؤال الصارخ: أين المثقف وما دور المثقف؟
اقرأ أيضًا: تدجين ذاتي
بلى المثقف موجود في الجهات التونسية الأربع وقد أدّى دورًا حقيقيًا في حرف عربة السياسة عن طريقٍ خطرٍ. فالحوار يعني القدرة على الإصغاء والإقناع وقبول المختلف والخصم، أمورٌ لا يتمتع بها العسكر مثلًا، بل هي نابعة تمامًا من المعرفة، ولا وجود لمثقفٍ من دون معرفة أصلًا.
المعرفة تعني هنا أيضًا معرفة معنى "الشعور بالمواطنة" الذي ظهر جليًا في غير ما مناسبة تونسية، كالانتخابات الرئاسية والتشريعية، والإعتداء الإرهابي على متحف باردو مثالًا لا حصرًا. ومعرفة المعنى وصولًا إلى إدراكه يعني الانتقال من حيّز التنظير إلى حيّز العمل.
هكذا تتكشف تونس يومًا بعد يوم، فمنذ أن جلتْ تونس صورتها الحقيقية من بعد ثورة الياسمين، اتضح أثر العمل الدؤوب والتراكمي القائم على الحوار لا الإقصاء، والسلام لا العنف. وهو الطريق الأصعب والأطول، لكنه الكفيل بالوصول.
السماء داكنة في غير ما بلد عربي، وهي ليست صافية تمامًا في تونس، إلا أن الخبر "النوبلي" يقدّم فرصة للتفكير مليًا بقوّة العمل وتقديره، ونبذ كل مماحكة وكل ردح لا يفضيان إلا إلى درب قاتمة سوداء.
صحيح، نحن لم نعمل، وكنّا جاهلين باسم الفائزة في جائزة نوبل للآداب، ولعّلنا لم نترجم شيئًا مما كتبت، ولعلّنا أيضًا "سنتشاطر" في ترجمة سريعة لجزء من أعمالها عن لغات وسيطة، كي "نطهّر" صورتنا من الكسل والجهل.
اقرأ أيضًا: جوهرة العقد الفريد
إدراك أننا نجهل والتفكير بالعمل، أفضل بما لا يُقاس من السلوك السهل البادي في الردح والسخرية. فواقعنا "الثقافي" يعاني تجريفًا ثقافيًا هائلًا نتيجة عقود طويلة من الظلم والاستبداد والظلامية، أمرٌ نلمس نتائجه كلّ يوم، في كلّ مقال مليء بالأخطاء اللغوية من كل نوع، وفي كلّ مقال يميلُ إلى البوح والدوران في فلك الذات بكاءً وغناءً، بصورة فعلًا منفرة. إذ تختصر الثقافة إلى نوع من الإنشاء اللفظي، وتظهر انقطاعًا معرفيًا منقطع النظير، وانفصالًا مهولًا عن رهانات عالم اليوم المعقد والمليء بتشابك المصالح. مقالات تظنّ أن التواتر على وسائل التواصل الاجتماعي دليلٌ على مكانة عالية، أو "امتلاك" للحيّز العام، فيا لبؤسها.
اقرأ أيضًً: الجوائز عما قريب
ألا يكون الاسم متوقعًا أو مجهولًا "من طرفنا" نحن العرب، يعني لمن يهتم بالآداب حقًا، أن يهتم فعلًا بالاسم "الجديد" وأن تلتفت دور الترجمة إلى أعماله. لكن صورتنا أدنى إلى صورة البليد الذي يريد من جائزة نوبل أن تُمنح لمن نعرفه نحن، ولمن يعجبنا نحن، ولمن ترجمنا أعماله نحن، كما لو أننا مركز هذا الكون، أو أننا السبّاقون في أمر ما، ونحن حقيقةً سبّاقون في الردح طبعًا والتعليق المستهتر على الفيسبوك.
وبعيدًا من هذه السلبية التي تحتفي بجهلها وفوق هذا تنتقد بسخرية الكسول، من الأفضل الذهاب نحو الأمل بقوّة العمل والإصرار والاستمرار في الحوار من أجل درب يتعبّد بأقدام كل الفاعلين في الجهات الأربع التونسية المتوّجة بنوبل للسلام.
اللافت في الأمر، أن "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" كانت أوّل جمعية من هذا النوع، أسّست في الوطن العربي عام 1977. وترأسها كما هو معروف الرئيس السابق المنصف المرزوقي لأزيد من عشرة أعوام.
من الصحيح أن "المثقف" التونسي لم يستمر في رئاسة تونس، إلا أن التجربة تستحقّ التأمّل، خصوصًا وأنها تفتح الباب أمام السؤال الأزلي عن علاقة المثقّف بالسلطة، وعن التفاوت في العمل في حقلين مختلفين، غير متناغمين بالضرورة. وسيكون بليدًا تاليًا طرح السؤال الصارخ: أين المثقف وما دور المثقف؟
اقرأ أيضًا: تدجين ذاتي
بلى المثقف موجود في الجهات التونسية الأربع وقد أدّى دورًا حقيقيًا في حرف عربة السياسة عن طريقٍ خطرٍ. فالحوار يعني القدرة على الإصغاء والإقناع وقبول المختلف والخصم، أمورٌ لا يتمتع بها العسكر مثلًا، بل هي نابعة تمامًا من المعرفة، ولا وجود لمثقفٍ من دون معرفة أصلًا.
المعرفة تعني هنا أيضًا معرفة معنى "الشعور بالمواطنة" الذي ظهر جليًا في غير ما مناسبة تونسية، كالانتخابات الرئاسية والتشريعية، والإعتداء الإرهابي على متحف باردو مثالًا لا حصرًا. ومعرفة المعنى وصولًا إلى إدراكه يعني الانتقال من حيّز التنظير إلى حيّز العمل.
هكذا تتكشف تونس يومًا بعد يوم، فمنذ أن جلتْ تونس صورتها الحقيقية من بعد ثورة الياسمين، اتضح أثر العمل الدؤوب والتراكمي القائم على الحوار لا الإقصاء، والسلام لا العنف. وهو الطريق الأصعب والأطول، لكنه الكفيل بالوصول.
السماء داكنة في غير ما بلد عربي، وهي ليست صافية تمامًا في تونس، إلا أن الخبر "النوبلي" يقدّم فرصة للتفكير مليًا بقوّة العمل وتقديره، ونبذ كل مماحكة وكل ردح لا يفضيان إلا إلى درب قاتمة سوداء.
صحيح، نحن لم نعمل، وكنّا جاهلين باسم الفائزة في جائزة نوبل للآداب، ولعّلنا لم نترجم شيئًا مما كتبت، ولعلّنا أيضًا "سنتشاطر" في ترجمة سريعة لجزء من أعمالها عن لغات وسيطة، كي "نطهّر" صورتنا من الكسل والجهل.
اقرأ أيضًا: جوهرة العقد الفريد
إدراك أننا نجهل والتفكير بالعمل، أفضل بما لا يُقاس من السلوك السهل البادي في الردح والسخرية. فواقعنا "الثقافي" يعاني تجريفًا ثقافيًا هائلًا نتيجة عقود طويلة من الظلم والاستبداد والظلامية، أمرٌ نلمس نتائجه كلّ يوم، في كلّ مقال مليء بالأخطاء اللغوية من كل نوع، وفي كلّ مقال يميلُ إلى البوح والدوران في فلك الذات بكاءً وغناءً، بصورة فعلًا منفرة. إذ تختصر الثقافة إلى نوع من الإنشاء اللفظي، وتظهر انقطاعًا معرفيًا منقطع النظير، وانفصالًا مهولًا عن رهانات عالم اليوم المعقد والمليء بتشابك المصالح. مقالات تظنّ أن التواتر على وسائل التواصل الاجتماعي دليلٌ على مكانة عالية، أو "امتلاك" للحيّز العام، فيا لبؤسها.