نوبل للسلام: دعم للتجربة التونسية

13 ديسمبر 2015
الرباعي التونسي الراعي للحوار (فرانس برس)
+ الخط -

في صيف 2013 كادت تونس أن تتحول إلى ساحة حرب أهلية على الشاكلة المصرية أو الليبية، لولا محاسن القدر وتعقّل جزء من النخبة السياسية.


لقد كان الحوار ضرورة وطنية لإنقاذ تجربة ديمقراطية تأسيسية وحماية تونس من سيناريوهات الدم التي أصبحت واقعا معاشا في عدد كبير من دول الربيع العربي.

ورغم مساعي كثيرة لاستجلاب الأزمة المصرية لتونس، وهي قريبة العهد بنا، إلا أن الحكمة انتصرت على الأحقاد. فتحولت ساحات مصر الممتلئة بالدم إلى درس يقع الاعتبار منه عوض أن يكون نموذجا يحتذى به.

"تونس لجميع أبنائها، ولا مجال للانقلاب على الديمقراطية.." هكذا ردد الزعيم راشد الغنوشي كلماته يوم 3 أغسطس/ آب أمام الآلاف بساحة القصبة مؤكدا ضرورة الوحدة الوطنية من أجل الوصول بالتجربة التونسية إلى بر الأمان.

وكما كان المجتمع المدني التونسي أحد روافد الحراك الثوري ممثلا في الاتحاد العام لطلبة تونس والاتحاد العام التونسي للشغل، وأيضا عمادة المحامين وغيرهم، كان دور الرباعي الراعي للحوار الوطني كبيرا جدا في انتشال التجربة التونسية من أزمة سياسية شاملة وخانقة.

اجتمع على طاولة الحوار جل الفرقاء السياسيين وأهم الفاعلين في المشهد السياسي التونسي. وعلى أهمية اختلافاتهم وجوهرية تناقضاتهم استطاعوا أن ينتجوا جميعهم أرضية جامعة عنوانها مصلحة الشعب والوطن.

لقد أوشكت الشمعة الأخيرة للربيع العربي على الانطفاء، خاصة وقد كشرت جهات رسمية وغير رسمية داخل تونس وخارجها عن سعيها لتحويل الثورات العربية إلى نقمة شعبية على أي محاولة لتغيير السائد والموجود.

وكأن هذه الجهات تمثل الوجه الآخر لـ"داعش" وتغذي موقف التطرف والعنف الرافض لدمقرطة عالمنا العربي وتطوير مجتمعاتنا والنهوض بشعوبنا لما يرتقي بها إلى مستوى اللحظة والتحدي.

إن انتقال التجربة التونسية بعد نجاح الحوار الوطني إلى مرحلة تكريس واقع الحريات وتفعيل دستور الجمهورية الثانية وتمتين أرضية الشراكة الوطنية والتوافق السياسي هو انتصار على قوى التطرف والإرهاب في العالم، وهو خطوة هامة ورئيسية في طريق تحقيق الديمقراطية والعدالة في أوطاننا العربية.

في الوقت الذي تحصلت فيه تونس على جائزة نوبل للسلام يخيم على باقي دول الربيع العربي شبح الموت، وفي الوقت الذي يحتفي العالم بتجربتنا الناشئة والجادة ويستقبل يوميا وفودا تكرم عنها، تستقبل وجهات مختلفة من العالم آلاف اللاجئين الفارين من نار الحرب.

يمثل تكريم الرباعي الراعي للحوار بجائزة نوبل للسلام تكريما لكل التونسيات التونسيين واعترافا بتحضرهم ووعيهم التقدمي، كما يمثل دعما ودفعا للتجربة التونسية التي لا تزال تحدق بها أخطار عدة، وتكتنفها صعوبات وأسئلة كبرى.

ومن أهم الأسئلة، كيف نحقق الاستقرار الوطني الشامل على أرضية قوامها العدالة والمساواة؟ هل يمكن تحقيق هذا الشكل من الاستقرار من دون إجراء عمليات تجديد نقدي تقوم بها جميع الأطراف السياسية والفكرية في البلاد؟

أعتقد أن النخبة التونسية خطت أشواطا مهمة نحو إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي، ولكن يبقى الرهان الحقيقي المتعلق بها متمثلا في قابليتها للتطور السريع شكلا ومضمونا وفق ما تقتضيه المراحل القادمة على مستوى الدولة والمجتمع.

(تونس)