مرةً خلتُ أنني رأيتُ السعادة بأم عيني. رأيتها كما لو أنني أكتشفها أول مرة في حياتي. في الآن نفسه تولدت لدي رغبة عارمة في أن أخبر عنها كل شخص، أن أسارع من فوري وأخبر الجميع!
كانت مشاعري من القوة التي جعلتني أُحادث صديقاً لي كان أول من التقيته بعدما ترسّخ لدي شعوري بالسعادة، الذي امتزج مع رغبة شديدة في نقلها إلى الآخرين، أياً كانوا. كنت أبحث عن الجميع كي أخبرهم، كنت كمن يحمل بشارة، يحمل كنزاً، أو وعداً كونياً، وما عليه سوى أن ينقل البشارة ويكشف عن الكنز.
عندما تحدثت مع صديقي عن حالتي هذه، وكنت ما زلت تحت تأثيرها، نبهني إلى أمر فاتني حينها. قال: إن لكل منا طريقه نحو السعادة، وإن لكل واحد ممراً خاصاً إلى هذا الشعور الآسر الذي انتابك في لحظة مليئة بمشاعر حميمة. كان يودّ القول بطريقة غير مباشرة إن عليّ ألا أنقل البشارة لأحد، وألا أخبر أحداً عن الكنز الثمين الذي اكتشفته لوحدي.
ما يجري في أيامنا هذه أن السعادة أصبحت شأناً تعليمياً، أن هناك طرقاً محددة ينبغي على المرء سلوكها حتى ينال الثمرة الموعودة. على هذا النحو لسنا نحن من يكتشف السر، أو يصادف الكنز أو يتعرف على الطريق لوحده من دون مرشدين.
الآن ثمة طرقٌ خاصة للمتعة، فإذا ما عانى الواحد منا من قلق إزاء عدم شعوره بالسعادة تجاه شيء، أي شيء، سارع إلى البحث عن هذه الطرق. يدل هذا المنحى على أن شعورنا بالسعادة يأتي من خارجنا لا من داخلنا، على أن السعادة تمكث بعيدة عنا في مكان ناء، أو أن هناك طريقة ما ضرورية حتى نصل إليها. لسنا نحن من يبحث، ولسنا من يشعر ويكتشف ويُفاجأ.
ثم إن هذا الحثَّ على ضرورة الشعور بالسعادة ونيل المتعة بطرق ومناهج بعضها يحتاج إلى دروس وتمارين ومراحل حتى يتخطى حواجز منعه عن السعادة، يدفع المرء الشكاك إلى الظن أن السعادة أمرٌ متعبٌ، أنها لفئة مخصوصة ومدربة، أي أنها تُبنى على تمايز معرفي وطبقي وثقافي. تتحوّل السعادة وفق هذا المنحى إلى مؤسسة رسمية لها مناهج وضوابط، أي من دون أن نحس تصير شأناً ميكانيكياً لا صلة له بتفاعل حقيقي، واكتشاف فردي خالص.
عندما اكتشفتُ كنزي البعيد كنتُ في حافلة نقل عامة وسط دمشق. رأيت امرأة تمسّد شعر طفلها. رأيت الحنان الخالص، والمحبة النقية. لم أعرف شيئاً عن المناهج ولا عن الدورات ولا عن ضرورة تعلم طرق البحث عن السعادة. كل ما في الأمر أني رأيتُ والدةً وطفلاً وجدَ في حنان والدته كنزه الصامت.
اقــرأ أيضاً
كانت مشاعري من القوة التي جعلتني أُحادث صديقاً لي كان أول من التقيته بعدما ترسّخ لدي شعوري بالسعادة، الذي امتزج مع رغبة شديدة في نقلها إلى الآخرين، أياً كانوا. كنت أبحث عن الجميع كي أخبرهم، كنت كمن يحمل بشارة، يحمل كنزاً، أو وعداً كونياً، وما عليه سوى أن ينقل البشارة ويكشف عن الكنز.
عندما تحدثت مع صديقي عن حالتي هذه، وكنت ما زلت تحت تأثيرها، نبهني إلى أمر فاتني حينها. قال: إن لكل منا طريقه نحو السعادة، وإن لكل واحد ممراً خاصاً إلى هذا الشعور الآسر الذي انتابك في لحظة مليئة بمشاعر حميمة. كان يودّ القول بطريقة غير مباشرة إن عليّ ألا أنقل البشارة لأحد، وألا أخبر أحداً عن الكنز الثمين الذي اكتشفته لوحدي.
ما يجري في أيامنا هذه أن السعادة أصبحت شأناً تعليمياً، أن هناك طرقاً محددة ينبغي على المرء سلوكها حتى ينال الثمرة الموعودة. على هذا النحو لسنا نحن من يكتشف السر، أو يصادف الكنز أو يتعرف على الطريق لوحده من دون مرشدين.
الآن ثمة طرقٌ خاصة للمتعة، فإذا ما عانى الواحد منا من قلق إزاء عدم شعوره بالسعادة تجاه شيء، أي شيء، سارع إلى البحث عن هذه الطرق. يدل هذا المنحى على أن شعورنا بالسعادة يأتي من خارجنا لا من داخلنا، على أن السعادة تمكث بعيدة عنا في مكان ناء، أو أن هناك طريقة ما ضرورية حتى نصل إليها. لسنا نحن من يبحث، ولسنا من يشعر ويكتشف ويُفاجأ.
ثم إن هذا الحثَّ على ضرورة الشعور بالسعادة ونيل المتعة بطرق ومناهج بعضها يحتاج إلى دروس وتمارين ومراحل حتى يتخطى حواجز منعه عن السعادة، يدفع المرء الشكاك إلى الظن أن السعادة أمرٌ متعبٌ، أنها لفئة مخصوصة ومدربة، أي أنها تُبنى على تمايز معرفي وطبقي وثقافي. تتحوّل السعادة وفق هذا المنحى إلى مؤسسة رسمية لها مناهج وضوابط، أي من دون أن نحس تصير شأناً ميكانيكياً لا صلة له بتفاعل حقيقي، واكتشاف فردي خالص.
عندما اكتشفتُ كنزي البعيد كنتُ في حافلة نقل عامة وسط دمشق. رأيت امرأة تمسّد شعر طفلها. رأيت الحنان الخالص، والمحبة النقية. لم أعرف شيئاً عن المناهج ولا عن الدورات ولا عن ضرورة تعلم طرق البحث عن السعادة. كل ما في الأمر أني رأيتُ والدةً وطفلاً وجدَ في حنان والدته كنزه الصامت.