نكسة الهويات المتصارعة

06 يونيو 2015

لا حاجة لاسترجاع ذاكرة الهزيمة طالما هي قائمة(Getty)

+ الخط -

مر أمس الخامس من يونيو/حزيران، تاريخ ما سمي النكسة العربية في عام 1967. قلائل التفتوا إلى التاريخ ومرور سنواته الثماني والأربعين. ربما لأن ما يشهده الوضع العربي حالياً أقسى من أن يدع مجالاً لنوستالجيا بكائية على أطلال الهزيمة. لا حاجة لاسترجاع ذاكرة الهزيمة طالما أنها لا تزال قائمة، ونعيش تفاصيلها بشكل يومي. ليس في فلسطين وحسب، بل في كل ركن تقريباً من أركان العالم العربي، من المشرق إلى المغرب.

النكسة التي وقعت قبل نحو خمسة عقود من الآن، ربما تكون أخف وطأة مما يعيشه العالم العربي اليوم. حينها كان الجميع متفقاً على عداء هذا المغتصب القادم من خارج الحدود للاستيلاء على الأراضي العربية. لم يكن هناك مجال للاختلاف على أن العدو واحد للجميع. ورغم الهزيمة الثقيلة والمرة، والتي لا نزال نعيش تداعياتها إلى اليوم على مستوى فلسطين تحديداً، إلا أن المرارة كانت توحد الجميع على قضية مركزية. قضية كانت كافية ليتجند الجميع، على اختلاف انتماءاتهم الأيديولوجية والدينية، على العمل في سبيلها والقتال من أجلها. وكم من الشهداء مختلفي المنابت سقطوا في محاولة لتقويم ما خلفته الهزائم، وهم على قناعة بأن ما يموتون من أجله هو الحق الذي لا جدال فيه.

لم يكن الخلاف العقائدي في ذلك الزمن يفسد الاتفاق على القضية. على هذا الأساس يمكن أن تكون النظرة النوستالجية تحن إلى ذلك العهد، قبل بروز صراعات الهوية في العالم العربي اليوم، والتي أدخلته في متاهات من الحروب الأهلية، لا يبدو أن نهايتها ستكون قريبة. صراعات هوية برزت في السنوات العشر الماضية، وأخذت تتبلور مع الزمن إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم من اقتتال. ربما شهد العالم العربي في مراحل متفرقة في القرن الماضي صراعات هوية، ولا سيما في لبنان والأردن في سبعينيات القرن الماضي، إلا أنها كانت صراعات مغلفة بقضايا أيديولوجية كبرى، والقضية الفلسطينية واحدة منها.

أما اليوم، فما كان عنواناً كبيراً لكل الحركات الشعبية السلمية التي تحولت تدريجياً إلى معارك بالأسلحة الخفيفة والثقيلة، توارى عن الأنظار على حساب عناوين فئوية خرجت من باطن الفسيفساء العربية الدينية والإثنية. وما كان هتافاً لإسقاط الديكتاتوريات وحلماً لمرحلة من الحرية والتحرر، تحول إلى تقوقع في معارك إثبات وجود وصراع بقاء، ونبش في تراث من الاختلاف والاقتتال عمره مئات السنين.

لم يعد لنكسة عام 1967 نكهة؛ وهي التي لم يمر عليها أكثر من خمسين سنة، فيما الحال العربي عموماً، والإسلامي على وجه التحديد، مشغول باستعادة كل ما مر به من محطات خلال 1400 سنة. لا أحد سيتذكر هزيمة الأيام الستة، طالما هو مشغول في التفكير كيف توسع الفرس في المنطقة منذ اغتيالهم عمر بن الخطاب على يد أبي لؤلؤة المجوسي، على حسب ما أتحفنا قبل أيام زعيم "النصرة" أبو محمد الجولاني في ظهوره على "الجزيرة". ومن المؤكد أن دخول القدس واحتلال الضفة الغربية لا مكان له من الإعراب حالياً، ونحن نستعيد معركة صفين بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، كما أبلغنا الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله. الاثنان، بما يمثلانه من توجهات، يختصران واقع الصراع في المنطقة اليوم. صراع غاص عميقاً في التاريخ، وأخرج كل ما به من مساوئ لعرضها اليوم؛ باعتبارها قضايا مركزية لا بد من بتها والحسم فيها. الصراع المذهبي هذا لا يلغي أيضاً المخاوف الإثنية أيضاً التي باتت مشغولة بقضية وجودها في الدرجة الأولى قبل أي قضية أخرى.

أمام نكسة الهويات المتصارعة هذه، لن يتوقف أحد عند ذكرى الهزيمة في فلسطين، التي إذا ما قيس زمانها على الزمن الحالي، فإنها بالتأكيد ستكسب حسرة "أيا ليت النكسة تعود يوماً".

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".