كشف حث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في لقائهما العلني الثاني الذي عُقد في نيويورك يوم الأربعاء الماضي، على الإسهام في توفير بيئة تساعد على التوافق على مسار تهدئة جديد بين حركة حماس وإسرائيل، تعويلاً كبيراً من تل أبيب على القاهرة، من دون أن تكون قدرة السيسي على تلبية مطالب نتنياهو مؤكدة. وكان نتنياهو واضحاً عندما طالب السيسي بمعالجة العقبة الرئيسية التي تحول دون تحقيق التهدئة، ممثلة في جملة الإجراءات والعقوبات التي يفرضها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على قطاع غزة، والتي يرى رئيس الحكومة الإسرائيلية أنها ستدفع نحو انفجار مواجهة شاملة بين تل أبيب والمقاومة في القطاع. وعلى الرغم من أن تصريح وزير الاتصالات الإسرائيلي أيوب قرا، الذي حضر اللقاء مع السيسي الذي وصفه بأنه "أفضل لقاء كان له على الإطلاق"، كرّس الانطباع بأن السيسي قد تجاوب مع نتنياهو وتعهد بممارسة الضغوط على عباس، إلا أن هناك ما دلّ على عدم امتلاك الرئيس المصري الأوراق اللازمة لضمان تحقيق هذه النتيجة، ناهيك عن أن هناك شكوكا حول رغبته في تحقيق هذا الهدف أيضاً.
طيلة السنوات الماضية، دفعت مظاهر الشراكة مع حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب، ونظام السيسي، لمساعدة إسرائيل على مواجهة الكثير من التحديات، لا سيما تلك التي مصدرها قطاع غزة. فقد أسهم موقف القاهرة خلال حرب 2014 في تقليص هامش المناورة أمام المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بشكل سمح لتل أبيب بإنهاء الحرب من دون منح حماس إنجازات تذكر، في حين أن نظام السيسي أعاد فتح معبر رفح بشكل دائم، بناء على طلب حكومة نتنياهو، على اعتبار أن مثل هذا الإجراء قد يقلص دافعية الفلسطينيين لمواصلة حراك مسيرات العودة.
لكن التجربة دلت على أن تدهور مكانة مصر الإقليمية في عهد السيسي، مكنت عباس، في أكثر من مناسبة، من تحدي نظامه وعدم الاستجابة لمطالبه، حتى أصبح توجيه مسؤولين في السلطة انتقادات حادة لمصر، أمراً مكرراً، سواء على خلفية الموقف من مسار التهدئة أو بسبب علاقة القاهرة مع القيادي الفتحاوي الأمني المطرود محمد دحلان. من ناحية ثانية، فإن هناك ما يقلص من حماسة السيسي لخوض مواجهة مع عباس في حال ظل يرفض التجاوب مع التحركات الهادفة لمنع اندلاع مواجهة، وضمن ذلك رفع العقوبات المفروضة على القطاع. فعلى الرغم من تدهور العلاقة مع قيادة السلطة، إلا أن نظام السيسي غير معني بتحطيم الجسور معها، على اعتبار أن هذا النظام معني بأن تعود السلطة لإدارة حكم قطاع غزة لا أن تستتب الأمور لحركة حماس، في حال تم التوافق على مسار تهدئة من دون السلطة. فنظام السيسي يتعامل مع حركة حماس كامتداد لجماعة "الإخوان المسلمين"، وهو غير معني أن يسهم مسار التهدئة في تعزيز مكانتها.
اقــرأ أيضاً
لكن عوائق مسار التهدئة لا تنحصر فقط في قدرة أو رغبة السيسي في إنجاحه ولا في موقف عباس، بل إن هناك ما يوحي بأن البيئة الإسرائيلية الداخلية غير جاهزة لإنجاز هذا المسار. ولعل حرب المزايدات التي تفجرت بين وزير الحرب أفيغدور ليبرمان، ووزير التعليم نفتالي بينيت أمس الأحد، على خلفية رفض الأخير قبول أي حديث عن تهدئة، على اعتبار أن موافقة تل أبيب على الانخراط في هذا المسار يمس بقوة ردعها، دليل أن الوضع داخل إسرائيل يشكل عقبة إضافية أمام احتمالات التوصل إلى اتفاق تهدئة.
لكن بغض النظر عن العراقيل التي تحول دون التوافق على تهدئة، فإن نتنياهو يرى أن التوصل لتهدئة مع غزة يكتسب أهمية استراتيجية، ناهيك عن أنه يعزز مكانته الداخلية. فانفجار مواجهة مع غزة في هذا الوقت تحديداً، يمثل سيناريو رعب لنتنياهو، لأنه ينطلق من افتراض مفاده أن احتمال تبكير الانتخابات العامة وتنظيمها في الشتاء المقبل بات كبيراً في ظل عدم توافق الشركاء في الائتلاف الحاكم في تل أبيب على موقف موحد من قانون "التجنيد". ومن الواضح أن آخر ما يعني نتنياهو أن يتم إجراء الانتخابات في أعقاب مواجهة مع حركة حماس؛ على اعتبار أن نتائج هذه المواجهة يمكن أن تمس بمكانة نتنياهو وحزب الليكود في الانتخابات.
إلى جانب ذلك، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلي يعي صعوبة أن تسهم مواجهة شاملة مع حماس في تمكين إسرائيل من تحقيق إنجازات استراتيجية، لا بل يدرك أنها قد تؤدي إلى تورطها في قطاع غزة وتخليص حركة حماس من مسؤوليات "الحكم"، التي مكنت تل أبيب من ابتزازها على مدى 12 عاماً ودفعها لضبط الواقع الأمني. وما يزيد الأمور تعقيداً حقيقة أن فشل نتنياهو في احتواء الأزمة مع روسيا في أعقاب إسقاط طائرتها في أجواء اللاذقية السورية، يفاقم خطورة حالة انعدام اليقين على الجبهة الشمالية، مما يقلص من قدرة تل أبيب للتفرغ لمواجهة التحديات الناجمة عن عدم إنجاز مسار التهدئة، مع العلم أن إسرائيل ترى في حماس "الحلقة الأضعف" في سلسلة أعدائها.
من هنا، إزاء هذه التعقيدات، يمكن لإسرائيل ونظام السيسي أن يعرضا على حماس، ربما خلال إقامة وفدها حالياً في القاهرة، مسار تهدئة مؤقتا، يمكن لجميع الأطراف التعايش معه، وذلك من خلال استناد هذا المسار إلى التفاهمات التي تم على أساسها وضع نهاية لحرب 2014. ويفترض أن يسهم الاستناد إلى تفاهمات حرب 2014 في تقليص معارضة السلطة للتهدئة، على اعتبار أن ممثلي السلطة هم من قادوا الوفد الفلسطيني في المفاوضات التي أفضت في حينها للتوصل إليها. إلى جانب ذلك، فإن تقييد هذه التفاهمات بزمن محدود يقلص من مستوى الاعتراض الإسرائيلي الداخلي، إلى جانب أنه يلبي مصلحة نظام السيسي بجعل الباب موارباً أمام عودة السلطة للقطاع، في حين تراهن حماس على أن يمنحها مسار التهدئة القدرة على شراء الوقت، على أمل أن تطرأ تحولات داخلية وإقليمية تحسن مكانتها.
لكن التجربة دلت على أن تدهور مكانة مصر الإقليمية في عهد السيسي، مكنت عباس، في أكثر من مناسبة، من تحدي نظامه وعدم الاستجابة لمطالبه، حتى أصبح توجيه مسؤولين في السلطة انتقادات حادة لمصر، أمراً مكرراً، سواء على خلفية الموقف من مسار التهدئة أو بسبب علاقة القاهرة مع القيادي الفتحاوي الأمني المطرود محمد دحلان. من ناحية ثانية، فإن هناك ما يقلص من حماسة السيسي لخوض مواجهة مع عباس في حال ظل يرفض التجاوب مع التحركات الهادفة لمنع اندلاع مواجهة، وضمن ذلك رفع العقوبات المفروضة على القطاع. فعلى الرغم من تدهور العلاقة مع قيادة السلطة، إلا أن نظام السيسي غير معني بتحطيم الجسور معها، على اعتبار أن هذا النظام معني بأن تعود السلطة لإدارة حكم قطاع غزة لا أن تستتب الأمور لحركة حماس، في حال تم التوافق على مسار تهدئة من دون السلطة. فنظام السيسي يتعامل مع حركة حماس كامتداد لجماعة "الإخوان المسلمين"، وهو غير معني أن يسهم مسار التهدئة في تعزيز مكانتها.
لكن عوائق مسار التهدئة لا تنحصر فقط في قدرة أو رغبة السيسي في إنجاحه ولا في موقف عباس، بل إن هناك ما يوحي بأن البيئة الإسرائيلية الداخلية غير جاهزة لإنجاز هذا المسار. ولعل حرب المزايدات التي تفجرت بين وزير الحرب أفيغدور ليبرمان، ووزير التعليم نفتالي بينيت أمس الأحد، على خلفية رفض الأخير قبول أي حديث عن تهدئة، على اعتبار أن موافقة تل أبيب على الانخراط في هذا المسار يمس بقوة ردعها، دليل أن الوضع داخل إسرائيل يشكل عقبة إضافية أمام احتمالات التوصل إلى اتفاق تهدئة.
إلى جانب ذلك، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلي يعي صعوبة أن تسهم مواجهة شاملة مع حماس في تمكين إسرائيل من تحقيق إنجازات استراتيجية، لا بل يدرك أنها قد تؤدي إلى تورطها في قطاع غزة وتخليص حركة حماس من مسؤوليات "الحكم"، التي مكنت تل أبيب من ابتزازها على مدى 12 عاماً ودفعها لضبط الواقع الأمني. وما يزيد الأمور تعقيداً حقيقة أن فشل نتنياهو في احتواء الأزمة مع روسيا في أعقاب إسقاط طائرتها في أجواء اللاذقية السورية، يفاقم خطورة حالة انعدام اليقين على الجبهة الشمالية، مما يقلص من قدرة تل أبيب للتفرغ لمواجهة التحديات الناجمة عن عدم إنجاز مسار التهدئة، مع العلم أن إسرائيل ترى في حماس "الحلقة الأضعف" في سلسلة أعدائها.
من هنا، إزاء هذه التعقيدات، يمكن لإسرائيل ونظام السيسي أن يعرضا على حماس، ربما خلال إقامة وفدها حالياً في القاهرة، مسار تهدئة مؤقتا، يمكن لجميع الأطراف التعايش معه، وذلك من خلال استناد هذا المسار إلى التفاهمات التي تم على أساسها وضع نهاية لحرب 2014. ويفترض أن يسهم الاستناد إلى تفاهمات حرب 2014 في تقليص معارضة السلطة للتهدئة، على اعتبار أن ممثلي السلطة هم من قادوا الوفد الفلسطيني في المفاوضات التي أفضت في حينها للتوصل إليها. إلى جانب ذلك، فإن تقييد هذه التفاهمات بزمن محدود يقلص من مستوى الاعتراض الإسرائيلي الداخلي، إلى جانب أنه يلبي مصلحة نظام السيسي بجعل الباب موارباً أمام عودة السلطة للقطاع، في حين تراهن حماس على أن يمنحها مسار التهدئة القدرة على شراء الوقت، على أمل أن تطرأ تحولات داخلية وإقليمية تحسن مكانتها.