نقاش حول الأخطاء الطبية في روسيا

24 اغسطس 2018
أمام مستشفى في موسكو (مكسيم غريغورييف/ Getty)
+ الخط -
بالرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على خضوعها لعملية جراحية في الأنف، ما زالت أوكسانا (40 عاماً، من مدينة بيرم غرب روسيا) تعاني من تداعيات خطأ جراحي أدى إلى مضاعفات خطيرة. تقول لـ"العربي الجديد": "خضعت عام 2007 لعملية جراحية في الأنف بواسطة الموجات فوق الصوتية بإحدى العيادات الحكومية، قبل أن يتضح أنّ التشخيص وتحديد نوع التدخل الجراحي لم يكونا دقيقين، فبتّ أعاني كثيراً أثناء دخول الهواء البارد إلى الأنف في الشتاء وحساسيته حتى في الصيف". حاولت أوكسانا عدة مرات حلّ الخطأ الطبي، من دون أن يتوج ذلك بنجاح، كما تقدمت بشكاوى وصلت بها إلى مأزق، لأنّها تتطلب إجراء فحوص إضافية على نفقتها، وهو عبء يفوق إمكاناتها المالية. وصل اليأس بأوكسانا إلى مرحلة التفكير في الانتحار، قبل أن تتمكن من التغلب عليه بواسطة أدوية مضادة للاكتئاب.

حال أوكسانا هي حال آلاف من ضحايا الأخطاء الطبية في روسيا ممن يبحثون عن حقوقهم، ولعلّ توسع رقعة الظاهرة أدى إلى احتدام نقاش ساخن حول ضرورة استحداث مواد خاصة بالأخطاء الطبية في القانون الجنائي الروسي لتنظيم العلاقة بين الأطباء والمرضى.

واقترحت لجنة التحقيق الروسية مؤخراً بضع مواد جديدة بالقانون الجنائي الخاصة بـ"تقديم إسعافات (خدمات) طبية غير مناسبة" و"إخفاء مخالفة تقديم خدمات طبية". وفي حال إضافة ذلك إلى القانون الجنائي، لن تجري ملاحقة الأطباء بموجب مواد "إحداث وفاة بالإهمال" و"إحداث أضرار صحية جسيمة بالإهمال" و"تقديم خدمات لا تلبي متطلبات الأمان" وغيرها من المواد المعتمدة حالياً، بل بمواد أشدّ. أرجعت لجنة التحقيق اقتراحها إلى تزايد شكاوى المواطنين من الأطباء والخدمات الطبية من 2000 إلى 6 آلاف سنوياً خلال آخر خمس سنوات، لكنّ 10 في المائة فقط منها تصل إلى المحاكم، بينما يثبت المحققون براءة الأطباء في 90 في المائة من الحالات.



هذه المقترحات أثارت تحفظ الأوساط الطبية التي اعتبرت أنّ صياغتها لا تتضمن تعريفاً واضحاً للمخالفات المهنية التي سيجري اعتبارها سبباً للوفاة أو إضراراً جسيماً بالصحة، بالإضافة إلى تضمنها مصطلح "الجنين"، واعتقاد الأطباء بضرورة أن يكون ترخيص عمل الطبيب من اختصاص النقابات وليست المحاكم.

في هذا الإطار، يعتبر المحامي المتخصص في القضايا الطبية، فاديم كودريافتسيف، أنّ تبني المواد الجديدة سيؤثر سلباً على تنظيم العلاقة بين الأطباء والمرضى ما لم تتضمن صياغات واضحة وموقفاً موحداً للمحققين، موضحاً أنّ الحد من الأخطاء الطبية مرهون بالدرجة الأولى بالارتقاء بمستوى الطب في البلاد. يقول كودريافتسيف لـ"العربي الجديد": "يحب أن تتضمن المواد الجديدة حدوداً واضحة بين الإهمال الإجرامي وتطورات المرض في حد ذاته. لكنّ التعديل، وفق المقترح الحالي، سيشكل مجرد مواد منفصلة خاصة بالأطباء، شأنها في ذلك شأن المواد الخاصة بالعسكريين".

يأسف المحامي للأوضاع التي آلت إليها الخدمات الطبية في روسيا وكثرة شكاوى المرضى: "للأسف، فإنّ مستوى المؤسسات الطبية الحكومية منخفض جداً نتيجة لتراجع مستوى التعليم وتدني الأجور. أما مستوى العيادات الخاصة، فهو متفاوت جداً، وهناك مؤسسات ذات مستوى عالمي في موسكو وأخرى تقدم خدمات دون مستوى العيادات الحكومية. عدد الشكاوى في ازدياد مستمر، وهناك أخطاء وصلت تداعياتها إلى حد الوفاة وإلى الإعاقات الدائمة".



حول رؤيته لكيفية الارتقاء بمستوى الخدمات الطبية من دون تشديد القانون، يضيف كودريافتسيف الذي يتلقى بضعة شكاوى من المرضى شهرياً: "يجب الاستثمار في الطب والتكنولوجيا وزيادة أجور الأطباء ورفع التعويضات عن الأضرار المعنوية من مستوياتها الحالية والبالغة ما بين 3 و5 آلاف دولار فقط. إذا كانت التعويضات تبلغ مئات آلاف الدولارات، لكانت العيادات أكثر حرصاً على تعيين أطباء من أصحاب الكفاءة". يضرب مثلاً على ذلك من خلال التذكير بأنّ الرقم القياسي للتعويض عن خطأ طبي بلغ حتى الآن 15 مليون روبل (أكثر من 200 ألف دولار). وهو التعويض الذي يعود إلى واقعة وفاة مولود، وإحداث أضرار جسيمة بصحة والدته في مدينة سانت بطرسبورغ (شمال غرب البلاد) عام 2015.

تأخر في التشخيص

شهدت روسيا أخيراً مجموعة من الحوادث الطبية، بما فيها تحقيقات في مقاطعة تشيليابينسك بعد وفاة امرأة يشتبه في أنّها جاءت نتيجة لتشخيص خاطئ، كما تعرض طفل للشلل نتيجة خطأ طبي في مدينة أورسك. أما السينمائي والمسرحي، ألكسندر إيساكوف (39 عاماً) فقد مات في نهاية يوليو/ تموز الماضي، بعد تأخر الأطباء في تشخيص حالته طوال 3 أسابيع.